خطبة: التحذير من الغش والأيمان الكاذبة – مكتوبة

عناصر الخطبة

• الشريعة الإسلامية صالحة ومُصلحة لكل زمان ومكان ولذلك يجب الأخذ بها، ومن الإصلاح المحافظة على المال وحسن إدارته حماية للفرد والمجتمع.
• أكل أموال الناس بالغش حرام شرعاً وهو من الكبائر لقول النبي ﷺ «من غشنا فليس منا».
• الحلف الكاذب لإنفاق السلعة والبضاعة يغمس صاحبه في النار لأنها يمين غموس لما فيها من كذب في تعظيم الحالف لله ﷻ.
• من صور الغش في المعاملات التطفيف في الميزان وحرمة الوقت في الوظائف العامة والخاصة والدراسة والتدريس يلحق فاعله الويل في الآية ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ لعموم دلالة التطفيف.
• يجب على الغاش المسارعة في التوبة الى الله ﷻ بما اقترف من إثم كبير وفعل شنيع لأنه كذب والمؤمن لا يكذب أبداً.
• حريٌّ بنا أن نسارع بالتوبة إلى الله ﷻ عما اقترفنا من الذنوب والمعاصي ونكثر من الاستغفار ونطلب من ربنا ﷻ الغيث ونزول المطر.

الخطبة الأولى

إن من حكمة الله ﷻ أن جعل المال قوام الحياة وسبب ازدهار الحضارات ونماء الأمم، لذلك اعتنت الشريعة الإسلامية عناية كبيرة بحفظ المال وحسن إدارته، وعلقت به الأحكام الشرعية، التي تصونه عن عبث المعتدين وأطماعهم، وتحفظ للناس أموالهم وحقوقهم، فقال ﷺ : «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس» ← سنن الدارقطني.

كما ربط النبي ﷺ حرمة المال بحرمة الدماء والأعراض، فقال النبي ﷺ في خطبة الوداع، «فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ليبلغ الشاهد الغائب..» ← متفق عليه.

وجعل الله ﷻ التعدي على أموال الناس وأكلها دون وجه حق من كبائر الذنوب والمعاصي، فقال ﷻ: ﴿وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ البقرة: 188.

والحق أن مَن يغش الناس في معاملاتهم غير مكتمل الإيمان، وأن تصرفاته وسلوكه وأخلاقه يعتريها خلل يجب تقويمه، فعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه الشريفة بللا فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟» قال أصابته السماء يا رسول الله، قال: «أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني» ← صحيح مسلم.

فمن أخذ حقاً لإنسان في الدنيا عن طريق الغش، فإن الله ﷻ قد توعده بأشد الوعيد، يقول الله ﷻ: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ، أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ المطففين 1-6، وقال النبي ﷺ: «لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به» ← سنن الترمذي.

وما ذلك التهديد والوعيد الإلهي لمن يغشّ الناس ويأكل أموالهم بالباطل إلا لأنه يشكل معول هدم في المجتمع يؤدي إلى شيوع الشكّ والريبة، ويؤدي إلى انعدام الثقة بين أبنائه ويهدر الأموال التي جعلها الله سبباً لعمارة الأرض والاستثمار لتحقيق النفع للعباد والبلاد.

وتزداد هذه الحرمة ويتضاعف الإثم والعقوبة في الدنيا والآخرة لمن جعل الله ﷻ عرضةً لأيمانه حتى يُنفق بضاعته وسلعته، وقد أخبرنا النبي ﷺ بأن كثرة الحلف على البضاعة يمحق بركتها فقال ﷺ: «الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ» ← صحيح ابن حبان.

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»، فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، قَالَ: «الْمُسْبِلُ إِزَارَهُ خُيَلَاءَ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ، وَالْمَنَّانُ عَطَاءَهُ» ← سنن أبي داود.

هذا الحلف الكاذب على البضاعة هو من اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في نار جهنم، جَاءَ أعرابي إِلَى النَّبيِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسولَ الله: مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ»، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُم عُقُوق الوَالِدين»، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الْيَمِينُ الْغَمُوسُ»، قُلْتُ: وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَالَ: «الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ» ← صحيح البخاري.

والأيمان الكاذبة توجب غضب الله ﷻ، قال النبي ﷺ في اليمين: «من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان»، وتلا النبي ﷺ هذه الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ آل عمران77.

ومن صور الغشّ الإهمال في أداء الواجب في الوظائف العامة والخاصة وعدم مراعاة حقوق العباد والبلاد، وقد قال النبي ﷺ: «ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة» ← متفق عليه.

فعلى المسلم ومن تكلّف بشيء من أمر الناس أن يحافظ على أموالهم وأن يرعى مقدرات وطنه، ويراعي حقوق أبنائه، وأن يحافظ على المال العام كما يحافظ على ماله من السرقة، فكل مسؤول أو موظّف سواء في القطاع العام أو الخاص مسؤول عن رعيته، يقول النبي ﷺ: «ألَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» ← متفق عليه.

⬛️ وهنا: خطبة مكتوبة عن الغش والاحتكار واستغلال حاجة الناس

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من لا نبيَ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102.

عباد الله: فلنسارع بالتوبة الى الله ﷻ عمّا اقترفنا من الذنوب وقد قال الله ﷻ ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ الزمر: 53-54، وعلى من اقتطع شيئاً من حق أخيه أن يسارع بإرجاعه إليه إن علمه، لقول النبي ﷺ: « فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» ← متفق عليه.

فمن لمن يستطع إرجاع الحقوق إلى أصحابها، فلا بد له أن يطهّر ماله ويزكّيه بالصدقة، لقول النبي ﷺ: «يا معشر التجار، إن البيع يحضره اللغو والحلف، فشوبوه بالصدقة» ← سنن أبي داود.

فإذا حقق المسلمون هذه الأخلاق الكريمة بالتوبة والإنابة ورفعوا أكف الضراعة إلى ربهم سبحانه بطلب الغيث ونزول المطر سحاً طبقاً مجللاً فإن الله ﷻ يغيث المستغيثين.

اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين وارحمنا برحمتك يا حي يا قيوم، إنا نستغفرك استغفارا فأرسل السماء علينا مدراراً.

والحمد لله ربّ العالمين..