اقتربت و/أو حلَّت فترة الاختبارات العصيبة. وها نحن أتيناكم لنوفِّر لكُم خطبة عن الامتحانات المدرسية آملين أن ينتفع بها كل إمام وخطيب وطالِب ووليّ أمر. الخطبة مكتوبة وجاهزة ومشتملة على ما يلزم من الوعظ والإرشاد، وعظيم الحِكَم والمواعظ والنصائِح.
هنا، وكعادتنا معكم في ملتقى الخطباء وصوت الدعاة بموقع المزيد نوفِّر لكم واحِدة من أجمل الخطب عن الاختبارات الدراسية. آملين أن تنتفعوا بها وتنال استحسانكُم.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن صار على طريقته ونهجِه، وعنا معهم بمَنِّه وعفوه وكرمه.
أما بعد فيا عباد الله اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
الخطبة الأولى
معاشر المصلين، يستقبل الطلاب والطالبات أيام الامتحانات؛ وأسأل الله العليم أن يعلمهم وأن يفهمهم وأن يسدد أقوالهم وأعمالهم وأن يرزقهم النجاح في الدنيا والآخرة.
وصايا للطالب وولي أمره في فترة الامتحانات
بهذه المناسبة أُذَكِّر الجميع من الآباء والمعلمين والأمهات والطلاب بأمور ينبغي أن نتواصى بها؛ منها (١) الإخلاص لله -جل وعلا-، يُذَكِّر بعضنا بعضا بالإخلاص، فطلب العلم عِبادةٌ جليلة عظيمة، لا بد فيها من الإخلاص.
فالذي يطلب العِلم الشرعي بأي مدرسةٍ أو جامعةٍ يُدرِك النصوص ويدرك الفضائل التي وردت في فضل العلم الشرعي بنيّته الصادقة.
والذي يطلب العلوم التي يحتاج إليها المسلمون كالطب والهندسة وغيرها، يؤجَر على نيته بنفع أُمَّته الإسلامية.
نعم، فالإخلاص أمرٌ أمهِم.
ومن الأمور أيضا التي ينبغي أن نتواصى بها (٢) تقوى الله -جل وعلا-. قال -تبارك وتعالى- في سورة البقرة ﴿وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾. فالمعلم هو الله -جل في علاه-.
وتقوى الله -سبحانه وتعالى- سببٌ للفوز والنجاح والتوفيق. ومعصية الله -جل وعلا- سببٌ للفشل وقِلة التوفيق والحرمان.
لما ذهب إلى الإمام الشافعي إلى الإمام مالك بالمدينة، ورأى ذكائه وفطنته، قال له الإمام مالك: يا هذا، إن الله ألقى في قلبك نورًا فلا تطفئه بظلمة المعصية.
فالمعصية ظُلمَةٌ في العقل وفي القلب، فاجتنبوها أيها الطلاب واحذروا منها.
ومن الوصايا -أيضًا- ما نجِده في سورة البقرة ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾. قال ابن كثير -رحمه الله-: أمر الله عباده أن (٣) يستعينوا بالصبر والصلاة فيما يؤملون من أمر الدنيا والآخرة.
فالصلاة فالصلاة أيها الشباب وأيتها الفتيات؛ استعينوا بالصبر والصلاة. كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّى.
حافظوا على الصلاة في أوقاتها مع جماعة المسلمين، حافظوا على صلاة الفجر في المسجد. واعلموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول «من صلى الفجر فهو في ذمة الله».
ومما يُدخِل الأسى على القلوب والنفوس أن بعض الطلاب والآباء يُعنَى بدراسة ابنه ويوقِظه للدراسة، ويتألم لو يتأخَّر لدقائق معدودة؛ ولكن لا يتوجَّع قلبه لترك صلاة الجماعة، لتارك الصلاة مع جماعة المسلمين.
أيها الآباء، يا من تريدون التوفيق والسعادة والنجاح لأولادكم، اعلموا أن ذلك في المحافظة على الصلاة، بتقوى الله -جل وعلا-، بفِعل طاعته وترك معصيته؛ هذه هي السعادة الحقيقية، أن يدخلوا جنة الدنيا قبل جنة الآخرة.
واقرأ هذه الآية المباركة، التي جاءت في سورة الإنفطار وفي سورة المطففين ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴾. قال أهل العلم: في نعيم في دورهم الثلاثة، في الدنيا وفي البرزخ وفي يوم القيامة.
فعَلِّقوا قلوب الأبناء في بيوت الله. قال رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين».
وتوكلوا على الله؛ وهذا من الوصايا المهمة. (٤) توكلوا على الله -جل وعلا- ولا تعتمدوا على ذكائكم وفِطنتكُم ومذاكرتكم. اعتمدوا على الله -جل وعلا-.
رَدِّد أيها الطالب «يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين». لأن الإنسان إذا وُكِلَ إلى نفسه وذكائِه وعقله هلك.
ومن شعر علي بن أبي طالب -كرَّم الله وجهه-
إِذا لَم يَكُن عَونٌ مِنَ اللَهِ للِفَتى … فَأَكثَرُ ما يَجني عَلَيهِ اِجتِهادُهُ
دعاء الحفظ والفهم
نعم؛ (٥) واِلْجَأُوا إلى الله بالدعاء وقولوا: يا معلم آدم وإبراهيم علمنا، ويا مفهم سليمان فهمنا.
قال الله -جل وعلا- في سورة طه ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾. وقال -سبحانه- في سورة الأنبياء ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾. فالعِلم من العَلِيم والفَهم من الله العليم -سبحانه وتعالى-.
فالفهم ليس من عقلك يا عبد الله. العلم والفهم من عِند الله -جل وعلا-.
وأكثروا من قول: اللهم اهدني وسددني. فقد جاء في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي «قل: اللهم اهدني وسددني»، وفي روايةٍ أُخرى «اللهم إني أسألك الهدى والسداد».
وحين تذهب إلى قاعة الامتحانات قُل: اللهم اهدني وسددني، اللهم صوب رأيي وقولي يا حي يا قيوم.
حسن الظن بالله
ومن الوصايا -أيضًا- للأبناء والآباء أن يحذروا ويجتنبوا القلق، (٦) ويحسِنوا الظن بالله -جل في علاه-. وإذا أحسَن الطالب الظن بالله حقق أمنيته.
واعلموا أنه لن يكون في هذا الكون إلا ما أراده رب الكون. واعلموا أن كل شيءٍ بقضاءٍ وقدر. إذا توكلتم على الله وحده وفعلتهم الأسباب فلتطمئِن النفوس.
وتيقنوا أنه لن يكون إلا ما قدَّره رب العالمين. وهذا لا شك ولا ريب أنه يجلِب السكينة والطمأنينة والراحة.
احذروا الغش
أيها الطلاب؛ (٧) احذروا الغش فإنه مُحَرَّم. وقد جاء في صحيح مسلم من رواية أبو هريرة -رضي الله عنه-؛ قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- «من غش فليس مني».
فالغِش محرم. قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: الغش في الامتحانات محرم، بل هو من كبائر الذنوب. قال -رحمه الله-: لأنه يترتب عليه الراتب والمرتبة.
نعم؛ فعلى الإنسان أن يتقي الله -جل وعلا- ويبتعد عن الغِش.
واحذروا التجمعات بعد الامتحانات أيها الآباء وأيها الطلاب، لأن فيها من المفاسِد ما لا يخفى. فإذا انتهت الامتحانات فلينصرف الطالب إلى بيته وليحذر التجمعات المشبوهة.
رسالة عدل ورحمة
أيها المعلمون، أيها المربون؛ (٨) أجمعوا بين العدل والرحمة. واعلموا أن الله -جل وعلا- يرحم من عباده الرحماء.
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
واجعلوا شعاركم: لأن نخطئ في العفو خير من أن نخطئ في العقوبة.
ولا تتسرَّع في تصحيح الاختبارات والإجابات. واعلم بأنَّ هذه حقوق العباد. هذه حقوقٌ للعباد، وحقوق العباد مبنية على المشاحّة. فكلٌّ سوف يطلب حقه يوم القيامة. والظلم ظلمات؛ فاجتهدوا واتعبوا أنفسكم لتصلوا إلى العدل؛ والله -سبحانه وتعالى- يأمر بالعدل.
وتحرَّوا واجتنبوا واجتهدوا واسألوا الله -سبحانه وتعالى- التوفيق والسداد.
اللهم وفق الطلاب والطالبات وارزقهم النجاح في الدنيا والاخرة يا رب الأرض والسماوات.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا يليق بجلال الله وعظمته؛ اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا، ولك الحمد على كل حال.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد، فيا عباد الله؛ اتقوا الله حق تقاته وراقبوه في السر والعلانية.
أيها المصلون، أيها المسلمون؛ إذا دخل الطلاب إلى صالة الامتحانات تغيَّرت الوجوه واضطربت القلوب وهم يدخلون في امتحانٍ دنيوي، وغالبا أن النجاح يحصل لهم، لأن النسبة الكبرى تكون في النجاح؛ وفيه فرصةٌ أخرى وأخرى للنجاح، ومع ذلك يضطربون.
أعِدّ للسؤال جوابا
أيها المؤمنون؛ (٩) أعِدّوا للأسئلة الكبرى التي إذا رسب فيها الإنسان لا نجاح بها. وكل واحدٍ مِنا سوف يُسأل في قبره ثلاثة أسئلة؛ عن دينه وعن نبيه وعن إسلامه.
ما دينك ومن ربك ومن نبيك؟ إذا كان ممن حفظ الله في هذه الدنيا، ممن استجاب لله ولرسوله؛ ثبَّته الله في حفرةٍ مُظلِمة موحِشة.
نعم؛ هناك تضطَّرِب القلوب وتذهل العقول والنفوس ولا يثبت إلا من ثبَّته الله. أسأل الله أن يثبتنا وإياكم. ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء﴾ ~ سورة إبراهيم.
عبد الله، عظِّم الله في قلبك، حقق توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، واحفظ أسماء الله -جل وعلا-، وتعبَّد المولى بها -سبحانه وتعالى-.
واعلم حق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، واستجب لرسول الهدى -عليه أفضلُ الصلاة وأطيب السلام-، وتذكَّر قول الله -تعالى- في هذه الآية القرآنية من سورة الأنفال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾. وفي سورة آل عمران ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾.
فيا من تحبون رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- اتبعوا أمره واحذروا نهيه. واقرأوا هذه الآية من سورة ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
ويوم القيامة سوف يُسأَل كل واحد مِنّا هذه الأسئلة. قال عنها رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه».
عبد الله، أيها المؤمن؛ دائِما وأبدا يا من تسعى للنجاة يوم القيامة استحضِر هذه الأسئلة، وأعِد للسؤال جوابا، وللجواب صوابا.
إحذر أن تتعامل في ما حرمه الله في بيعك وشرائك، إحذر أن تغِش الناس. حتى تكون حاضر القلب والعقل لتجيب عن أسئلة الدنيا والآخِرة.
الدعاء
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك؛ وارزقنا الاستقامة على دينك حتى تتوفانا وأنت راضٍ عنا.
اللهم أرضنا وتولى أمرنا وسدد أقوالنا وأعمالنا، وبارك في حياتنا يا رب العالمين.
اللهم وفق الطلاب والطالبات لما تحب وترضى، اللهم اشرح صدورهم ويسر أمورهم وأقرّ أعينهم وأعين آبائهم بالنجاح والتوفيق يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم يا حي يا قيوم تولّ أمرهم وارزقهم العلم النافع والعمل الصالح.
اللهم انفع بهم أمتهم يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك يا حي يا قيوم سعادة الدنيا والآخرة.
اللهم اجمعنا بأعلى الجنان مع سيد الأنام، عليه الصلاة والسلام.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.
خطبة عن الامتحانات المدرسية
وفَّرنا لكم خطبة أبناءنا والاختبارات هذه من إلقاء فضيلة الشَّيخ عبدالعزيز الفايز، جزاه الله كل خيْر.
أطنب الخطيب هنا بشكلٍ جميل في خطبة عن الاستعداد للاختبارات هذه؛ سواء من جِهة الأبناء الطلاب أو أوليا الأمور الآباء والأمهات. فكان ما كان من هذا العِلم النافِع والنصائِح العملية التي لطالما كانت نافِعة في امتحان الدنيا والاخرة.
كنا على موعِد جدُّ مهم مع وقفات مع الاختبارات لأبنائنا الطلبة والطالبات الذين يمرون على فترة الاختبارات الصَّعبة والعصيبة هذه، نسأل الله -الحليم- أن تنتفعوا بها؛ أئِمة وخطباء وطلبة وأولياء أمور.