خطبة جمعة حول خُلُق الاعتراف بالجميل

خطبة جمعة حول خُلُق الاعتراف بالجميل

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي حث على عمل الخير وحض عليه، وأثنى على شاكر الإحسان وكل داع إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أكثر الناس امتنانا للجميل، وأحرصهم على كل خلق نبيل، ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين، وكل من تبع نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، واجعلوا شعاركم الإحسان دوما، والاعتراف بالجميل منهجا؛ فإنه نعم الخلق، وخير الفضائل، وشعار المسلمين، وسيما الصالحين.

الخطبة الأولى

أيها المسلمون: اعلموا -رحمني الله وإياكم- أن نكران الجميل خلق ذميم، ورذيلة منبوذة؛ فإن طبع المسلم الوفاء، وعادته بين الناس نقاء القلب والصفاء، فهو مبادر معطاء لمن لم يقدم له المعروف، فكيف مع من هو بالخير والفضل موصوف، فإنه يكافئه على إحسانه إليه، وإكرامه له.

وقد ذكر الله -تبارك وتعالى- في كتابه الكريم طبع الإنسان فيما يتعلق بالنعمة وشكرها، فقال: (إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ)، ووصف حاله حين يستغني فقال: (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى)، بل أوضح المولى -جلت قدرته- أن الإنسان يلجأ إلى خالقه وقت شدته، فإن زالت الشدة رجع إلى حاله، قال تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا).

وقد ذمت السنة النبوية إنكار الجميل، فقد جاء عنه قوله عن طبع بعض النساء: «يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خيرا قط»، والأصل أن يشكر الإنسان من أحسن إليه، ويكافئه بالإحسان، والامتنان، وإشعاره بفضله، قال ﷺ: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس»، وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: «من أعطي عطاء فوجد، فليجز به، فإن لم يجد فليثن به، فمن أثنى به فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره».

أيها المؤمنون: إن من أشد أنواع النكران خطرا نسيان نعم الله التي أنعم -تبارك وتعالى- بها على الإنسان، وعصيانه، والعياذ بالله، فواجب المرء أن يشكر الله بالقول، والفعل (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، وقال تعالى آمرا عباده بشكره: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ).

ومن صور إنكار الجميل عقوق الوالدين بإهمالهما، وترك رعايتهما، ولذلك جاء عن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- قوله: «لا تصحبن عاقا؛ فإنه لن يقبلك وقد عق والديه».

وهكذا يا عباد الله، يجب على الإنسان ألا ينكر جميل من أحسن إليه، فلا تنكر الزوجة جميل زوجها، ولا الزوج جميل زوجه، ولا الأخ جميل أخته، ولا الأخت جميل أخيها ولا أختها، ولا الصاحب جميل صاحبه؛ فإن كل ذلك ليس من شيم الصالحين، ولا هدي المقربين.

فاتقوا الله -عباد الله-، واذكروا معروف من أحسن إليكم ولا تنسوه، وجازوه بإحسانه إحسانا ولا تكفروه.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

هنا أيضًا ⇐ خطبة عن الوفاء وحفظ الجميل – عُزِّزَتْ بأطيب القصص والمواقف في التاريخ الإسلامي

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي حبب إلى عباده صنائع المعروف، وجعلها ديدنهم في مختلف الأوقات والظروف، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أكثر الناس تقديرا للمعروف، ومكافأة بمثله، ﷺ وعلى آله وأصحابه الطيبين، ومن سلك مسلكهم إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله: أرأيتم لو انتشر صنع المعروف في كل مكان، ورد الجميل دون نكران في مختلف المجتمعات والأزمان، أكان هذا مؤثرا في الأفراد؟ ليس في ذلك شك، فإن مجتمعا ينتشر فيه مثل هذا لجدير بأن يكون مثالا في وحدة الصف، وقدوة في التكاتف والتعاون، فإن حصل ذلك الترابط والتلاحم فأي شيء يصدر عنهما؟ سنرى -بعون الله- مجتمعا يقدر للإحسان قيمته، ولفعل المعروف قدره؛ لأنه يعرف الأجر الجزيل الذي أعده الله لعباده المحسنين (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، ويعرف هذا المحسن أنه سيجذب بإحسانه قلب المحسن إليه، فيسود التواد والتراحم، والألفة والتكافل، فيحب هذا ذاك، ويعين كل واحد الآخر، ويحسن كل إنسان إلى غيره بما يقدر عليه، فهذا يحسن إلى غيره بالمال، وذاك بالتعليم، وثالث بالمواساة، ورابع بالدعاء، وهكذا.

فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن تذكر إحسان المحسنين يورث جمال الحياة، ويبلغ جنة النعيم.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top