خطبة عن الاعتدال.. في كل شيء

خطبة عن الاعتدال.. في كل شيء

مقدمة الخطبة

الحمد لله الذي جعل التوسط في الأمور قائدا إلى الخيرات، والاعتدال دليلا على الوعي وسائقا إلى الطاعات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أكثر الناس حكمة ووعيا، وأشدهم للخير حبا وسعيا، ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين، وكل من تبع نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله: اتقوا الله تسعدوا، وتوسطوا في الأمور تفلحوا، واعتصموا بوصية الله في كتابه، الهادية إلى رضوانه ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾.

الخطبة الأولى

أيها المسلمون: اعلموا أن الإسلام حريص كل الحرص على أن يكون المرء وسطا في أموره، دون إفراط أو تفريط، يعطي كل شيء قيمته المناسبة، يقدر الأمور، ويعرف ما يأتي ويذر، لا يبالغ في الأمر، ولا يتهاون به؛ فحض الإسلام على امتثال الاعتدال، ولفضله وأهميته أكرم الله هذه الأمة بأن جعلها وسطا فقال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾.

ولم تكن السنة المطهرة بمعزل عن ذلك، بل كانت داعية إلى كل ما يدل على حكمة المسلم، ويجعله ذا روية في الأمور، غير مغال أو مقصر، فقد جاء عنه ﷺ: «إياكم والغلو في الدين»، فالغلو مجاوزة حد الشرع، وهو مذموم، بل إن القصد في الشيء والاعتدال فيه كان منهجا لرسول الله حتى في صلاته، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه، قال: “كنت أصلي مع رسول الله ﷺ، فكانت صلاته قصدا، وخطبته قصدا”، أي: معتدلة بين الطول والقصر، وجاء أيضا من حديث النبي ﷺ: «إذا صلى أحدكم للناس، فليخفف، فإن منهم الضعيف، والسقيم، والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه، فليطول ما شاء».

أيها المؤمنون: إن للاعتدال صورا حسنة، منها التوسط فيما يحتاج إليه الإنسان من لباس وطعام ونحوهما، فقد جاء عن الحبيب المصطفى: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا، ما لم يخالطه إسراف أو مخيلة» يعني كبرا.

ومن التوسط، الاعتدال في استعمال المال، فإن من الناس من يبالغ في الإنفاق على أمر معين؛ فيضيق على نفسه وأسرته، ومنهم من يبالغ في البخل، فلا يؤدي زكاة، ولا يعين محتاجا، والخير الأكمل في هذا هو امتثال قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا نَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾، وقوله واصفا المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾، بل كان الاعتدال -يا عباد الله- منهجا في سائر أمور الإنسان حتى في المشي والحديث، وقد جاءنا في القرآن الكريم نصح لقمان الحكيم لابنه: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ﴾.

فاتقوا الله -عباد الله-، وكونوا أمة وسطا كما وصفكم الله، وامتثلوا شرعه؛ لتنالوا محبته ورضاه.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

هنا أيضًا ⇐ خطبة: الوسطية والاعتدال والتوازن في الشريعة الإسلامية

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي حبب إلينا الحكمة، ورزقنا الوعي منة منه ورحمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أكثر الناس اعتدالا، وأفضلهم أقوالا وأفعالا، ﷺ وعلى آله وأصحابه الطيبين، ومن سلك مسلكهم إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا عباد الله: لكل شيء في الإسلام فوائد، ونتائج وعوائد، ومن فوائد التوسط في الأمور الأجر قبل كل شيء؛ فإن المعتدل إنما يطبق محتسبا شرع الله؛ وبالاعتدال يعامل الإنسان الناس بحكمة، ويحترم غيره إن خالفه، ويناقشه باحترام إن رأى رأيا غير رأيه، بل حتى إن كان الحوار مع مخالف له في الدين فإنه سيكون حكيما منصفا، معتدلا واعيا، مستحضرا قول الله ﷻ لنبيه ﷺ: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾، وقول الله -تقدست أسماؤه- لموسى وهارون -عليهما السلام- حين ذهبا إلى فرعون: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيْنَا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾.

فالاعتدال -يا معشر المسلمين- منهج للإنسان مع نفسه، وأسرته، ومع من حوله في مجتمعه؛ فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه، كيف والحبيب المصطفى ﷺ يؤكد لنا قائلا: «من يحرم الرفق يحرم الخير كله».

فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن اعتدالكم في الأمور دليل وعيكم، وأمارة حسن فهمكم، وسبيل إلى تقدمكم ورفعتكم.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

أضف تعليق

error: