عناصر الخطبة:
- أهمية الاستغفار في حياة المسلم
- النبي ﷺ… القدوة في الاستغفار
- استغفار الصحابة وأثره في حياتهم
- فوائد الاستغفار وثمراته العظيمة
- الاستغفار سبب لنزول الأمطار وزيادة الرزق
- قصص عن فضل الاستغفار في حياة السلف الصالح
- دعوة للاستغفار في أوقات الشدة والبلاء
مقدمة الخطبة
الحمد لله المُنعِم الوهَّاب، أنار قلوبنا بطاعته، وألف بينها بحكمته، ومَنّ علينا بنعمة الرسالة، التي أرسَل بها رسولَه المصطفى ﷺ. فنشهد أنَّه بلَّغ الرسالةَ، ونصَح الأمةَ، فما علم خيرًا لأمته إلا دلَّها عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرَها منه، وترَكَنا على المحجَّة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالكٌ.
صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
الخطبة الأولى
الاستغفار: الاستغفار طلب المغفرة من الله تعالى ورجاء التجاوز عن الذنب وعدم المؤاخذة عليه بما يحويه هذا المعنى من إصلاح العبد حاله مع الله بإقلاعه عن الذنب واعراضه عنه وثباته على التوبة والطاعة، وكان سيدنا رسول الله ﷺ يستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من مئة مرة. قال رسول الله ﷺ: «إنَّه لَيُغَانُ علَى قَلْبِي، وإنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليَومِ مِائَةَ مَرَّةٍ» أخرجه مسلم.
والحق أن استغفاره ﷺ رفع درجات، وعلو مقامات عند رب الأرض والسموات ﷻ، وحاشاه ﷺ أن يستغفر من الذنوب فقد عصمه ربه ﷻ وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر: يقول الله تعالى: ﴿لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾ الفتح: 2.
وهذه المسألة حريٌ بكل مسلم أن يفقهها ويميز بين استغفار سيدنا رسول الله ﷺ برفع الدرجات وبين استغفارنا لحط الخطيئات وغفران السيئات.
وقد اقتدى الصحابة رضي الله عنهم برسول الله ﷺ فكانت ألسنتهم رطبة بذكر الله تعالى في كل حال، ولا تخلو أحوالهم من الاستغفار في السفر والحضر حتى صار الاستغفار جزءًا من سلوكهم لما فيه من الفضائل العظيمة، والثمرات الكثيرة، ذلك لأن في الاستغفار تخلية من الذنوب، ليتحلى المُستغفِر بالأخلاق الحميدة وبصبح ربانياً في حركاته وسكناته.
لقد عاش المسلمون في أصقاع الدنيا في ظلال مناسك الحج والوقوف على صعيد جبل عرفات حيث يتجلى ربنا على عباده بالمغفرة، ويعود الحاج كيوم ولدته أمه، يقول ﷺ: «مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ» أخرجه البخاري. وهذا فضل عظيم يقتضي من كل مسلم ومسلمة أن يكثر من الاستغفار لتظل صحيفته عند ربه بيضاء نقية من الذنوب، فكلما أذنب استغفر. لأنه: (ما كبيرةٌ بكبيرةٍ مع الاستغفارِ، و لا صغيرةٌ بصغيرةٍ مع الإصرارِ) أخرجه السيوطي في الجامع الصغير.
هذا، وقد فقه الصحابة والتابعون رضي الله عنهم معنى الاستغفار فكان لسان مقالهم وحالهم لما له من الثمرات العظيمة التي يقطفها المستغفرون في كل وقت وحين.
وإذا تدبرنا آيات سورة نوح أدركنا أن الاستغفار سببٌ لنزول الأمطار، والإمداد بالأموال، والبنين، والرزق الكثير. يقول الله تعالى: ﴿فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ سورة نوح: 10-12.
أن رجلاً جاء إلى التابعي الجليل الحسن البصري يشكو إليه الجدب والقحط فأجابه قائلاً يا هذا: “استغفر الله “، ثم جاءه رجلُ آخر يشكو الحاجة والفقر فقال له يا هذا: “استغفر الله”، ثم جاءه ثالثُ يشكو قلة الولد فقال له: “استغفر الله”، فعجب القوم من إجابته… وقالوا: لقد أتاك رجال يشكون أنواعاً من البلاء فأمرتهم كلهم بالاستغفار.. كيف ذلك. فقال لهم. ألم تقرؤا قول الله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا، مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا، وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}.
ومن صور فضل الاستغفار أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج يستسقي بالناس فلم يزد على الاستغفار حتى يرجع، فقيل له: ما سمعناك استسقيت. فقال طلبت الغيث ثم قرأ (استغفروا ربكم إنه كان غفاراً)، وهو درس عظيم يدعونا لنكثر من الاستغفار في هذه الأيام. يقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ الانفال: 33. فقد جعل الله ﷻ استغفار المؤمنين برفع العذاب عنهم كحال وجود النبي ﷺ بينهم في عدم عذابهم.
ولذلك يجب علينا أن نبادر بالأعمال الصالحة التي منها الاستغفار في السراء والضراء ليفرج الله عنا الهموم وينفس عنا الكروب، في المنشط والمكره، والعسر واليسر خاصة ونحن نرى إخواننا في غزة وفلسطين يعيشون في شدة وكرب، فلنكثر من قولنا: استغفر الله وأتوب إليه، والفرج من الله تعالى مفرج الكروب ﷻ، فليكن الاستغفار ورداً من أوراد الصباح والمساء.
اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافِ الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونؤكد على قيامنا بواجب أداء صلاة الغائب على شهدائنا في غزة و الضفة. ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والاذكار والسنة البعدية للجمعة. سائلين المولى عز وجل أن يتقبلهم في الشهداء ويتغمدهم بالرحمة والمغفرة.
وهذه أيضًا ⇐ خطبة جمعة قصيرة عن الاستغفار.. بالعناصر
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.
واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية 43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.
واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.
وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ.
فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله ﷻ في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، لأنّ الله ﷻ يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: 173،174
والحمد لله ربّ العالمين…