هنا خطبة جمعة قصيرة مكتوبة؛ نأتيكم بها تحت عنوان: الإنسان والإيمان. مشتملة على الوعظ الحسن، المدعم بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أفلح من آمن به وفاز من اهتدى بهداه. وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، من زكَّاه ربه وفضَّله على الخلق واصطفاه، ﷺ، وعلى آله وصحبه وأتباعه المقتفين آثاره وخُطاه.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- فقد أفلح من اتقاه، وسعد في دنياه وفاز في أُخراه ﴿فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى | وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى | فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون؛ إن الإيمان أكرم شيء يملكة الإنسان، وليس هناك شيء فوق الإيمان، والإيمان من أصل خِلقة الإنسان؛ فهو شيء مركب فيه، وتلك هي الفِطرة التي فطر الله الناس عليها، وذلك هو “أحسن تقويم”، الذي خلق الله الإنسان عليه. ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾.
ولننظر إلى الإنسان عندما تدور عليه الدوائِر، وتضيق عليه الأرض بما رحبت، ويظن ألا ملجأ له من الله إلا إليه، عند ذلك يتحرك الشعور الساكِن في القلب، وتنبعث تلك الطاقة الكامِنة في الروح ولا يجد الإنسان إلا شيئا واحدا ينجذب إليه، ويجد فيه المخلص والنجاة. وما من إنسان في هذا الوجود إلا وقد شعر بذلك الشغور، ومر بتلك الحال.
يا عبد الله، ويا أمة الله؛ ذلك الشيء الذي تنجذب إليه القلوب عند الشدة، وتتجه إليه الأرواح عند الضراء والضرورة ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ | هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ | هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
وإن الإنسان – عباد الله – قد يذهب عنه في الشدة كل شيء، ولا يبقى معه شيء سوى إيمانه، ذلك الإيمان الذي يبقى متعلقا به حتى آخر لحظة من لحظات حياته، وإن حادثة الريح والسفينة التي ذكرها الله في القرآن الكريم صورة واحِدة من تلك الصور، وقد تختلف صورها من إنسان إلى إنسان، ومن حال إلى حال، والمراد من تلك الصورۃ التنبيه على يقظة الضمير عند الشدة، ونفض الغبار عن الفطرة عند اشتداد الكرب.
وقد تكون تلك الصورة ضائِقة في المال، أو شِدة في المرض، أو انقطاعا عن الناس، والتيه في صحراء أو غابة، أو خوفا من عدو، عند ذلك أن يجد ذلك المضطر إلا الله.
وانظروا -أيها المسلمون- في قول الله تبارك وتعالى ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾.
فكم من حادثة نبَّهت الإنسان على وجود تلك الفطرة. وكم من مرة دعت الروح إلى الاستماع إليها، وكم نادت النفس معلنة ضرورتها إلى الإيمان وأنها لا تستغني عنه. وإذا كان ربنا -تبارك وتعالى- قد ركَّب الأبدان مضطرة إلى الطعام والشراب، فقد ركَّب الله الأرواح مضطرة إلى الإيمان.
وما أجلى حقيقة الإيمان في نفوس الصغار! ثم يبدأ ذلك النور يخفت شيئا فشيئا عند كثير من الناس، حتى يجد الإنسان نفسه آلة أو شبه آلة، لا يجد للحياة طعمًا ولا لونًا ولا رائِحة.
وكم من إنسان أهمل ضرورته إلى حاجة الروح إلى الإيمان؛ فحدثته نفسه بالتخلص من نِعمة الحياة، أو قادته إلى التخلص منها، وما كان ينقصة مالٌ أو طعام أو شراب.
بل هناك من كان كثير المال، واسع المسكن، طيب المأكل والمشرب، فتخلص من حياته؛ ليكون ما أخبر به المولى -جل جلاله-: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ | إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم، إنه هو البر الكريم.
وهنا أيضًا: الدين والإنسان.. خطبة تهز القلوب «مكتوبة»
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، وعلى آله وصحبه وأتباع المؤمنين الصادقين.
أما بعد، فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه ليس بعد قول الله من قول، ولا يمكن للدراسات الصادقة إلا أن تصل إلى ما أرشد إليه القرآن، وقد أثبتت كثير من الدراسات في الشرق والغرب أن الإنسان يولد على الإيمان بالله؛ لتصل إلى ما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه».
ولذلك كانت مسؤولية الآباء والأمهات عظيمة في تنمية الشعور بالإيمان في قلوب أولادهم، وحفظ فطرتهم التي فطر الله الناس عليها من الانطماس وتراكم الشوائب عليها.
فيا أيها الأب ويا أيتها الأم، ويا أيها المربون والمربيات، والمعلمون والمعلمات، اجعلوا الأولاد ينظرون إلى عجائِب الخلق في أنفسهم، وإلى طعامهم وشرابهم، وإلى السماء وما فيها، وإلى الأرض وما عليها، وإلى النبات والحيوان، وإلى هذه المخلوقات التي لا تُحصى، وقولوا لهم: من خلق هذا؟ ومن خلق ذاك؟ ومن أوجَد هذا؟ ومن أوجد ذاك؟ ليروا ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾، وليعلموا أنه ﴿أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ﴾.
هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
وهنا خطبة مقترحة أيضًا؛ بعنوان: سعة أبواب الخير في الرسالة المحمدية