وفي المعجزة الكثير ما حُكي ومالم يُحكى. وهنا نوفر لكم خطبة الجمعة المكتوبة هذه عن حادثتي الإسراء والمعراج. نسوقها لكل الأئمة والخطباء في كل أركان المعمورة، ليُذَكروا الناس بهذه الحادثة الخالدة.
مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين ﴿أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى﴾، فضلا من الله ونعمة لنبيه الهادي الأمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يرفع عباده المتقين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صاحب المقام المحمود وأقرب المقربين، ﷺ وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- تبلغوا المنازل، وتكونوا عند الله من السابقين الأوائل ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون؛ إن مقام النبي ﷺ تنتهي عنده المقامات، ودرجته لا تبلغها الدرجات ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾، ولما كان مقامه خير المقامات كانت أمته خير الأمم، فاستحقت ثناء الله تبارك وتعالى عليها بقوله: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾، ولا عجب؛ لأن هذه الأمة تحمل أكمل الرسالات، وأفرادها مطالبون أن يكونوا خير مثل للمثل الأعلى وهو رسول الله ﷺ، ووالله الذي لا إله إلا هو، متى ما مثل كل فرد من أفراد الأمة نبيه ﷺ بامتثال أمره والسير في دربه، فاح هديه، وعرفت دعوته ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا﴾.
فكم من إنسان – عباد الله – تأثر بخلق إنسان مسلم، ولما عرف أن سر أخلاقه التزام أحكام الإسلام، والتأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام، سارع إلى الإيمان، وقد سأل المؤمنون الصادقون ربهم ألا يكونوا فتنة للذين كفروا، ومتى ما كان الإنسان بتعاملاته المخالفة للدين سببا في نفور الناس عن الإسلام وظنهم أنه ليس حقا، كان فتنة للذين كفروا – والعياذ بالله – فقد حكى الله عن عباده الصالحين دعاءهم له ﴿رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
ولذلك كانت حادثة الإسراء والمعراج – عباد الله – حادثة فارقة، ودرسا أبديا، واختبارا ربانيا، نجح فيه من نجح فبلغ درجة الصديقين، ورسب فيه من رسب فكان أسفل سافلين ﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ﴾، ولو لم تكن هذه الحادثة بهذا القدر من العظمة لما كان ذكرها مبدوءا بقول الله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى﴾، فالمقام مقام تنزيه، وليس للإنسان في هذا المقام إلا أن يؤمن بالغيب؛ ليكون من المتمكنين من الهدى، وليكون من المفلحين.
قال -سبحانه- في سورة البقرة ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ | الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ | وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ | أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
وما كان إقام الصلاة والإنفاق من رزق الله والإيمان بالمنزل إليه والمنزل من قبله إلا ثمرة الإيمان بالغيب ونتيجته التي لا تتخلف عنه.
ولذلك كانت درجة الصديقين – أيها المؤمنون – بعد درجة النبيين وقبل درجة الشهداء والصالحين، ولما “ذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا له: هل لك يا أبا بكر في صاحبك! يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس، وصلى فيه ورجع إلى مكة! فقال لهم أبو بكر: إنكم تكذبون عليه، فقالوا: لا، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس، قال أبو بكر: والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يعجبكم من ذلك! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون، ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله ﷺ فقال له: يا نبي الله، أحدثت هؤلاء القوم أنك أتيت بيت المقدس هذه الليلة؟ قال: نعم، قال: يا نبي الله، فصفه لي فإني قد جئته، فجعل رسول الله ﷺ يصفه لأبي بكر، ويقول أبو بكر: صدقت، أشهد أنك رسول الله، قال رسول الله ﷺ لأبي بكر: وأنت يا أبا بكر الصديق”.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، ﷺ وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن في آيات النجم الشريفة تكريما عظيما للرسول ﷺ؛ فقد نزه الله علمه عن الضلال ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ﴾، وعمله من الغواية ﴿وَمَا غَوَى﴾، ونطقه عن الهوى ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾، وفؤاده عن التكذيب ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾، وبصره عن الزيغ ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ﴾، وعن الطغيان ﴿وَمَا طَغَى﴾.
وإن في التعبير ﴿بِعَبْدِهِ﴾، في آية الإسراء ملمحا روحيا لا ينبغي أن يغفل عنه كل مؤمن؛ فإن النبي ﷺ ما بلغ ما بلغه إلا بتحقيقه العبودية على صفة لم يصل إليها أحد من المخلوقين، فاستحق منزلة لم يعطها أحد، وبمقدار امتلاء الروح من هذه الصفة، صفة العبودية لله، ترتفع المنزلة وتعلو الرتبة، وما أحوج الإنسان إلى تصفية روحه وتخليتها من الشوائب وتحليتها بأنوار الإيمان لتعرج به إلى أعلى الدرجات؛ فيكون ﴿مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم﴾، فيزداد معرفة بالله، ويرى آيات الله، ولن يكون ذلك إلا بتعهد الروح بالتطهير.
وقد كانت البداية من المسجد والنهاية إلى المسجد في الإسراء بيانا لمنزلة المسجد عند الله عموما، ومنزلة المسجد الحرام والمسجد الأقصى خصوصا، ولو كانت هناك بقعة أطهر من المسجد على الأرض لكانت البداية منها والنهاية إليها، وقد فرض الله على نبيه في حادثة الإسراء والمعراج الصلوات الخمس؛ لتكون معراجا للمؤمنين إلى الله خمس مرات في اليوم والليلة سجودا واقترابا ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾.
هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
مُقترَح: خطبة جمعة للتحذير من جماعة التبليغ والدعوة «مكتوبة»