عناصر الخطبة
- من اليقين تلازمُ أركان الدين الثلاثة “الإسلام والإيمان والإحسان” وبكمال استقامة قلب الإنسان وروحه وعقله في مقام الإحسان يتحقق الإيمان ؛ وتستقيم الجوارح في مقام الإسلام، ومن ثَمَّ يبني هذا الإنسان وطنه خاصة والأوطان عامة لتصبح واحة أمن وأمان، بعيداً عن الظلم والطغيان.
- بالإحسان المنطلق من العلم والإيمان يحقق الإنسان صفة الإنسانية في حياته، وقد دلّت أول الآيات نزولاً على هذا المعنى، قال الله ﷻ:(اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم)، علّمه ربه كل ما يحتاج إليه لتهذيب نفسه و تنقية مجتمعه، وبناء وطنه.
- ومن الإحسان الإخلاص، ولا يتحقق الإخلاص إلاّ بتحقق صفاء الإحسان في نفس الإنسان فيصير جندياً من جنود الله ﷻ يقوم على ثغور الوطن دفاعاً عنه حسّاً ومعنى استجابة لأمر الله ﷻ في قوله جل وعز ﴿وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون﴾
- المحافظة على دعاء سيدنا يونس عليه السلام (لا إله إلاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) لما يتضمنه من الإحسان في التسبيح والتنزيه وجعله الذاكر صالحاً مستغفراً منيباً إلى الله ﷻ.
الخطبة الأولى
من اليقين تلازمُ أركان الدين الثلاثة “الإسلام والإيمان والإحسان” وبكمال استقامة قلب الإنسان وروحه وعقله في مقام الإحسان يتحقق الإيمان؛ وتستقيم الجوارح في مقام الإسلام، ومن ثَمَّ يبني هذا الإنسان وطنه خاصة والأوطان عامة لتصبح واحة أمن وأمان، بعيداً عن الظلم والطغيان.
فالإحسان قيمة أخلاقية عظيمة، بل هو أعلى مراتب العبادة والتقرب إلى الله ﷻ، لما يشتمل عليه من معاني المراقبة لله ﷻ والإخلاص في القول والعمل، قال ﷻ: (وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) وورد في الحديث الشريف في معنى الإحسان: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» ← متفق عليه.
ولا شكّ أن من أعظم مراتب الإحسان هو إشاعة مظاهر الإحسان والانتماء إلى الوطن الذي تربى فيه الإنسان، وترعرع في ربوعه وأكل من خيراته، واشتد عوده بين جنباته، فالواجب على كل واحد أن يقدر هذه النعمة العظيمة بالإحسان لوطنه ونشر الخير بين أفراده وأن يبذل الإنسان جهده لبناء أركانه، وإعلاء صروحه، فإن ذلك يعد عبادة من العبادات التي يؤجر المسلم عليها، فالمسلم الصادق يدرك قيمة الوطن ومعاني الوطنية والانتماء، خاصة ونحن في أرض مباركة، قال عنها الله ﷻ بأنها: (الأرض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء:71، وأرضه تضم آلاف الشهداء من الصحابة والصالحين، استشهدوا في اليرموك، ومؤتة، وحطين، وعين جالوت، واللطرون، وباب الواد، والكرامة، ومازالت قوافل الشهداء مستمرة جيلاً بعد جيل.
ومن اهم عناصر الإحسان التي تبني الأوطان هو بناء الإنسان من خلال تربيته تربية صالحة وتنشئته تنشئة واعيه فيخرج جيلاً مثقفاً واعياً قادراً على حمل أمته والارتقاء بها نحو المعالي، فأول ما نزل من القرآن الكريم هو قوله ﷻ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ العلق 1–5.
وقد فهم المسلمون من هذه الآيات أنه ينبغي الحرص على الاستثمار في الإنسان لتصبح الأمة رائدة في مجال العلم والحضارة والتميز، وقد تميز المسلمون في مختلف العلوم وفي جميع مجالات الحياة العلمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتركوا حضارة شهد لها غير المسلمين من المستشرقين الذين درسوا الحضارة الإسلامية وبينوا اثر هذه الحضارة في الحضارة الأوروبية المعاصرة.
والحق أن من أهم أسس الإحسان توجه أفراده إلى فعل الخيرات، والحرص على استثمار الطاقات وعدم تضييعها فيما لا فائدة فيه ولا قيمة، وبذل الجهد الفكري والجسدي لإظهار الوطن بأحسن صورة فإن ذلك يعتبر ركيزة أساسية لقيام الحضارات وعمارة الأرض، ورقي الأمم، قال ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» ← مسند الإمام أحمد.
وقد بنى النبي ﷺ دولة حضارة تقوم على أسس راسخة يسعى فيها كل فرد فيها لخدمة أمته، ويسخر مواهبه لنصرة قضاياها، ولنا الأسوة الحسنة برسول الله ﷺ الذي أشاع روح الجماعة، واستنهض الهمم، ووضع كل فرد في موضعه الذي يحسنه ويتقنه يقول ﷺ: «المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز» ← صحيح مسلم، ولا بد أن يظل المسلم محسناً لأن الله ﷻ قال: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
وبذلك استطاع الصحابة الكرام رضي الله عنهم ومن خلال توجيهات الرسول ﷺ بناء أمة منتجة قادرة على العطاء وبذل الجهد بالإخلاص لله ﷻ ومراقبته في كل أعمالهم، فشاع بينهم خشية الله ﷻ والابتعاد عن الغش والغدر والخيانة، قال ﷻ: ﴿وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون﴾ التوبة: 105.
كما أرشدنا الله ﷻ ونبيه الكريم إلى أساس مهم من أسس الإحسان في بناء الأوطان وهو استنهاض همم بناء الأمة وإطلاق قدراتهم وطاقاتهم المبني على أساس الكفاءة المناسبة والملائمة لتأدية الواجبات على أكمل وجه، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم حين أرسل طالوت ملكاً فقال ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ البقرة: 247.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يبادرون لطرح الأفكار الإبداعية والريادية التي يمكن تطبيقها على أرض الواقع، وتؤدي إلى نتائج إيجابية في المجتمع فها هو الحباب بن المنذر رضي الله عنه في غزوة بدر يقدم أفكاره الريادية إلى النبي ﷺ بتغيير موقع الجيش مما يضمن الاستفادة من أرض المعركة على أكمل وجه، فأخذ الرسول ﷺ برأيه وطبق مبادرته الريادية على أرض الواقع، مما شكل عاملاً رئيسياً في نصر المسلمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران: 102.
إن أهم عنصر من عناصر الإحسان، هو أداء الشكر لله ﷻ على نعمة البلد الطيب الآمن لأن في ذلك ملاك الدنيا، وطيب معيشتها، وقد قال النبي ﷺ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» ← سنن الترمذي.
ويكون شكر هذه النعمة بأن يحافظ الإنسان على مكتسبات وطنه، فلا يهدم بنيانه، ولا يحقر منجزاته، ولا يعتدي على إخوانه، بل كل شخص في مكانه هو جندي من جنود هذا الوطن، قائم على ثغر من ثغوره، والمسلم شعاره في الحياة الجد والاجتهاد، والمبادرة والاستعاذة من العجز والكسل، فقد كان النبي ﷺ من دعائه: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والبخل والكسل وغلبة الدين وقهر الرجال» ← متفق عليه.
فيتوجب على المجتمع الإسلامي أن يكون مجتمعاً منتجاً فاعلاً، لا يقبل أن يكون عالة على غيره، ولا يرضَ لأمته أن تكون أمة عاجزة متأخرة في دروب الحياة.
والحمد لله رب العالمين..