لدينا اليوم صيد ثمين لكل الخطباء والأئمة الأكارم. انها خطبة جمعة قصيرة عن الإحسان إلى الوالدين. نوفرها لكم مكتوبة وجاهزة للقراءة والاطلاع أو الطباعة. آملين أن تنتفعوا بها جميعًا، أئمة ومأمومين.
مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين، دعانا إلى الإحسان ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرحم الراحمين وموفي الصابرين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أكرم المرسلين وخير البارين، ﷺ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- وأحسنوا ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون؛ إن من عظيم حق الوالدين أن الله أوصى بهما، والله ﷻ لا يوصي إلا بعظيم؛ فاسمعوا – عباد الله – قول ربكم ﷻ: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾، فإن في هذه الوصية آية ما من بعدها آية على عظيم حقهما، ودلالة على جليل قدرهما.
كيف لا! وربنا ذكر حقهما بعد ذكر حقه فقال: ﴿وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، وإذا ما رجع الإنسان البصر كرتين وجد أن القرآن الكريم يذكر كلمة {الوالدين}. ولا شك أن في ذلك سرا، وقد يكون من سر ذلك أن رب العالمين يريد من الإنسان أن يجعل لأمه درجة فوق درجة أبيه من الإحسان؛ فدل على ذلك بذكر الوالدية التي تشير إلى الولادة التي تكون من الأم؛ فاستحقت رتبة فوق رتبة الأب ومقاما فوق مقامه.
ومن الشواهد على هذا المعنى -أيها المؤمنون- قول النبي ﷺ الذي أجاب به رجلا عن سؤاله عمن أحق الناس بحسن صحبته؛ فقد «جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك».
الإحسان إلى الوالدين
يا أيها الذين آمنوا؛ إن الوالدين باب من أبواب الجنة؛ فحري بالكيس الفطن أن يطرق هذا الباب، وإن من أعظم الناس شقاء وأعدمهم حظا من أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخل بهما الجنة، وفي هذا المعنى العظيم يقول النبي الكريم ﷺ: «من أدرك والديه ولم يدخل بهما الجنة، فلا أدركهما».
وقد كان الأنبياء والمرسلون من عظمة إحسانهم إلى والديهم يدعون لهم كلما دعوا لأنفسهم، فهذا نبي الله سليمان عليه السلام يقول: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾.
بل إن الإنسان سوي الفطرة هو الذي يذكر إحسان والديه إليه وما كان لأمه عند ولادته من المخاض، ويذكر الرضاع والحضانة والسهر عليه عند بكائه ومرضه، ويذكر إيثار والديه له على أنفسهما حتى في الطعام والشراب واللباس، لا يمكن لذلك الإنسان إلا أن يكون كمن أخبر الله عنه في قوله ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.
وانظروا -عباد الله- نظر المتدبر إلى هذه الآية الكريمة؛ فإن ربنا ﷻ ذكر بعد أن ذكر شكر الإنسان نعمة الله عليه وعلى والديه، وذكر عمل صالح يرضاه الله، ذكر صلاح الذريات بعد ذلك، وفي ذلك إشارة أن القيام على حق الوالدين وعمل الصالح الذي يرضاه الله من أسباب صلاح الذرية، بل إن في الآية ما هو أعجب؛ فإن الإحسان إلى الوالدين من عمل الصالح الذي يرضاه الله ﷻ، ولكنه ذكر مستقلا على جهة الخصوص، وذكر عمل الصالح الذي يرضاه الله بعده، وفي ذلك إشارة أخرى أن الإحسان إلى الوالدين مقدم على غيره من الأعمال الصالحة.
ولذلك ذكر بعد عبادة الله وحده؛ فقال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، ﷺ وعلى آله وصحبه الأبرار المتقين.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن ربنا ﷻ أمرنا أن نتواضع غاية التواضع مع الوالدين؛ فيستفرغ الإنسان جهده في التواضع لهما، فلا يكون تواضع بتلك الدرجة بعد ذلك التواضع.
ووصينا الإنسان بوالديه
قد عبر القرآن الكريم بعبارة في التواضع لهما لم تكن لشيء آخر في القرآن؛ فقال الله ﷻ: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾، مستحضرا الإنسان ما كان منهما من تعب وجد واجتهاد وصبر ومصابرة في ولادته وتربيته، قائلا من أعماق قلبه ﴿رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾، وخصوصا عند الكبر؛ فإن الكبر والمرض قد يجعلهما يقولان قولا ثقيلا على قلب الولد، أو قد يتصرفان تصرفا يحزنه أو يغضبه.
وهنا – عباد الله – يظهر البر من غيره؛ فمن كان صادق البر ازداد برا فوق بره في هذه الحال، ومن كان كاذب البر فسيغضب ويرد عليهما، أو يسيء إليهما – والعياذ بالله – وقد نبه القرآن على هذا المعنى؛ فإذا كان الإنسان قد خلق من ضعف، فإنه يصير عند الكبر إلى ضعف وشيبة؛ ولذلك كان التوجيه الرباني للولد ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا | وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.
وقد قيل إن رجلا كان يطوف حول البيت الحرام حاملا أمه على عنقه، فرأى الصحابي الجليل عبد الله بن عمر؛ فقال له: هل ترى جازيتها يا ابن عمر؟ قال: لا، ولا بزفرة من زفراتها.
وتذكروا قول المولى -عز وجل- في سورة الكهف ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا﴾.
هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
الدعاء
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.
اللهم أعز الإسلام واهد المسلمين إلى الحق، واجمع كلمتهم على الخير، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.
اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز ولاة أمورنا وأيدهم بالحق وأيد بهم الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليهم نعمتك، وأيدهم بنور حكمتك، وسددهم بتوفيقك، واحفظهم بعين رعايتك.
اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم اغفر لكل من آمن بك، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.
هنا أيضًا لدينا: خطبة عن بر الوالدين مكتوبة كاملة ومعززة بما يلزم