هذا وقتها؛ نعم، لدينا خطبة عن إجازة منتصف العام «أو كما تُسمَّى: الإجازة الصيفية». نسوق لكم من خلالها الوعظ والإرشاد والنُصح لهذه الفترة من حياة الأبناء.
أولادنا على أبواب الإجازة الصيفية؛ فما أنسب أن يبدأ الأئمة والخطباء في المساجد، خطب جمعة ودروس توجيهيَّة- في حَث الأبناء، وكذلك أوليا الأمور، على الانتفاع بكل الطيّب النافع والبعد عن كل ما هو عكس ذلك؛ خلال هذا الوقت.
مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي جعل لنا الأولاد والأحفاد، وأمرنا بتربيتهم على مكارم الأخلاق وإعدادهم أحسن الإعداد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، اختصه ربه بوصفه بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ﷺ، وعلى آله وصحبه وأتباعه ذوي القول الحسن والفعل الكريم.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- فالتقوى خير الزاد، ونشئوا عليها الأولاد والأحفاد ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾.
الخطبة الأولى
يا -عبد الله- ويا أمة الله: ألا يحب أحدكم أن يبعثه الله يوم القيامة ويكون معه أهله وأولاده وأحفاده! ألا يحب أحدكم أن يكون أهله وأولاده وأحفاده معه في الجنة جيرانا لرسول الله ﷺ! إن الطريق إلى ذلك الإيمان، هو إيمان الوالدين وإيمان الذرية، وإن إيمان الذرية من إيمان الوالدين، ولذلك جعل الله الذرية إلى الوالدين يربونهم وينشئونهم على الإيمان، ويصنعونهم على أعينهم بالهدى ومكارم الأخلاق، يتابعونهم عن قرب وعن بعد حتى تستقيم أحوالهم، وتصلح شؤونهم، ويأمرونهم بكل خير وفضيلة، ويقونهم من كل شر ورذيلة، ومن رعى أهله وأولاده هذه الرعاية ما كان الله ليضيع عمله؛ فإن هذا المسلك مسلك عباد الرحمن الذين يجزيهم الله الغرفة بما صبروا.
فإن عباد الرحمن – أيها المؤمنون – يرعون أزواجهم وذرياتهم، وقد تعهدوهم بالتربية فكانوا لهم قدوة حسنة، فقد رآهم أولادهم متواضعين فتواضعوا، ورأوهم يدرؤون السيئة بالحسنة فدرؤوا السيئة بالحسنة، ورأوهم يؤدون فرائض الله ويتقربون بالنوافل ففعلوا ما يفعلون، ورأوهم إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا فصنعوا صنعهم، ورأوهم لا يشركون بالله ولا يؤذون الناس ولا يرتكبون الفواحش ولا يشهدون الزور ولا يكذبون فاجتنبوا تلك الموبقات، ورأوهم إذا ذكروا تذكروا فإذا هم مبصرون فتذكر أولادهم، فكان ذلك بابا لصلاح الأزواج والأولاد، وطريقا إلى الاستقامة التي أمر الله بها نبيه والمؤمنين بقوله: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.
فكان الجزاء إحسانا بإحسان ﴿هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ﴾، وأمانا من الخوف والحزن، وبشارة بالجنة، وما أدراك ما الجنة! واسمعوا سمع من وعى لقول ربكم جل جلاله:﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ | نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ | نُزُلا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ﴾.
ولم يكتفوا أن يكونوا لأولادهم قدوة حسنة، بل علموا أن التوفيق أصل كل نجاح، وباب كل فلاح، وأن من طرق النجاح والفلاح الدعاء؛ فدعوا الله أن يجعل لهم من أزواجهم وذرياتهم قرة أعين؛ فيكونوا باب خير لمن بعدهم، وقدوة حسنة لمن خلفهم؛ فقال عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾.
وبذلك ينتقل الخير – عباد الله – من جيل إلى جيل، ومن أسرة إلى أسرة، ومن الآباء والأمهات إلى أولادهم، ومن الأولاد بعدهم إلى أولادهم؛ فتنشأ أمة مسلمة، ويكون جيل صالح يتعاونون على البر والتقوى، ولا يتعاونون على الإثم والعدوان، ويتفوقون في طلب العلم، ويجيدون عملهم ويأتون به على أحسن وجه، ويراقبون الله في أحوالهم جميعها؛ فتنهض بهم أوطانهم، ويسعد بهم آباؤهم وأمهاتهم، وينتفع بهم الناس.
وإن من الدعاء الذي لا ينبغي أن يفوته المؤمن وخصوصا إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم، إنه هو البر الكريم.
لا تفوتكم إخواني الخطباء: خطبة عن الامتحانات المدرسية
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا رسول الله الهادي الأمين، ﷺ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- وتذكروا قول نبيكم ﷺ: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته؛ فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته»، ما أحسنه من قول! وكيف لا يكون حسنا وقد خرج من مشكاة النبوة، ونطق به من زكى ربه نطقه بقوله: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾، ولو عمل الناس بهذا الهدي النبوي، كل في اختصاصه وعمله، لكان لهم ولأوطانهم وأمتهم شأن آخر؛ فليس هناك دافع إلى الإتقان أعظم من الشعور بالأمانة وحمل المسؤولية وأن الله سائل عن ذلك كله.
وإن من مسؤولية الآباء والأمهات – وأولادهم على أبواب الإجازة الصيفية – أن يتعهدوهم ويتابعوهم ويوجهوهم؛ فلا يتركوهم للفراغ، للفراغ الذي يأخذ الإنسان خطوات إلى طريق الغي؛ فيكون من حزب الشيطان؛ فتجد ذلك الصغير المسكين لا يدري ماذا يصنع؛ فمرة أمام شاشة التلفاز، ومرة مع الهاتف، ومرة مع قرناء السوء، ولا يدري والداه متى يخرج ومتى يدخل، ومتى ينام ومتى يستيقظ، وهل صلى أو لم يصل، وهل تكون هكذا رعاية الرجل في أهله، ورعاية المرأة في بيت زوجها!
املؤوا أوقاتهم بالنافع من العلم والعمل، وليكن لكم معهم برامج علمية وعملية، وإن خير ما تشغلون به أولادكم كتاب الله دراسة وحفظا وتدبرا، فشجعوهم في البيوت، ومن أهم وسائل تشجيعهم أن تدرسوا معهم، وتحفظوا كما يحفظون، وألحقوهم بالمدارس النافعة، وقوهم غوائل الفراغ وكيد شياطين الإنس والجن يفلحوا وتفلحوا.
هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
وهنا أيضًا: خطبة عن الدعاء مؤثرة مكتوبة