مهام كبيرة وثقيلة تقع على عاتِق كل رَبّ أُسرة وعائِلة وبيت. ولذلك؛ فقد أتيناكم الآن ومعنا خطبة عن الأسرة والتربية. نسوقها إليم مكتوبة، مشكولة بالكامِل. ليبدأ بها الخطباء أو تكون ضمنًا لسلسلة من الخطب عن هذا الأمر الذي بدأ بالفِعل -للأسف- يفلت من بين أيدي الآباء وأرباب الأُسَر والعائلات.
مقدمة الخطبة
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، جَعَلَ الْأُسْرَةَ مَحْضِنَ الْأَبْنَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ، قَالَ ﷻ: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
الْخُطْبَةُ الأولَى
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الْأُسْرَةَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، ذَكَرَ اللَّهُ ﷻ مُكَوِّنَاتِهَا فِي قَوْلِهِ: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً).
وَجَعَلَ ﷻ الْمَوَدَّةَ وَالْمَحَبَّةَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ سَبَبًا فِي اسْتِقْرَارِ الْأُسْرَةِ وَتَمَاسُكِهَا، وَتَلَاحُمِهَا وَتَرَابُطِهَا، قَالَ ﷻ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً). فَيَجِدُ الْأَوْلَادُ فِي ظِلِّهَا الْحُبَّ وَالْحَنَانَ، وَالرِّعَايَةَ وَالِاهْتِمَامَ، وَتَقْوَى فِي رِحَابِهَا صِلَتُهُمْ بِرَبِّهِمْ، وَمُرَاقَبَتُهُمْ لِخَالِقِهِمْ، بِمَا يُعَزِّزُهُ الْوَالِدَانِ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ قِيَمٍ إِيمَانِيَّةٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ ﷻ حِكَايَةً عَنْ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ وَهُوَ يُوصِي ابْنَهُ: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ).
يَا أَيُّهَا الْآبَاءُ الْفُضَلَاءُ: إِنَّ الْأُسْرَةَ النَّاجِحَةَ؛ يُقَدِّرُ الْوَالِدَانِ فِيهَا مَسْؤُولِيَّتَهُمْ تُجَاهَ أَوْلَادِهِمْ؛ فَيَحْتَضِنُونَهُمْ، وَيُخَصِّصُونَ مِنْ أَوْقَاتِهِمْ لِتَرْبِيَتِهِمْ، وَيَسْتَثْمِرُونَ كُلَّ فُرْصَةٍ لِلْحَدِيثِ مَعَهُمْ، حَتَّى يَكْسَبُوا ثِقَتَهُمْ، وَيَكُونُوا بِمَثَابَةِ أَصْدِقَائِهِمْ؛ يُحَاوِرُونَهُمْ بِلُطْفٍ، وَيَسْتَمِعُونَ لِآرَائِهِمْ بِوَعْيٍ، وَيُشَارِكُونَهُمْ آمَالَهُمْ، وَيُعَالِجُونَ مُشْكِلَاتِهِمْ، وَيُوَجِّهُونَهُمْ لِحُسْنِ اخْتِيَارِ أَصْدِقَائِهِمْ، وَاسْتِثْمَارِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ فِيمَا يَنْفَعُهُمْ، وَاجْتِنَابِ مَا يَضُرُّهُمْ، عَمَلًا بِوَصِيَّةِ أَحَدِ الْحُكَمَاءِ لِابْنِهِ: «يَا بُنَيَّ مَنْ يَجْتَنِبْ مَدَاخِلَ السُّوءِ يَأْمَنْ، وَمَنْ يَصْحَبِ الصَّاحِبَ الصَّالِحَ يَغْنَمْ».
فَاللَّهُمَّ احْفَظْ أَوْلَادَنَا، وَبَارِكْ فِي ذُرِّيَّاتِنَا، وَوَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ أَجْمَعِينَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ عَمَلًا بِقَوْلِكَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
وهنا أيضًا: خطبة عن تربية الأبناء والعمل على إصلاح أحوالهم
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَوْجَبَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ حِمَايَةَ الْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «إِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا». وَإِنَّ مِنْ حُقُوقِ الْأَبْنَاءِ أَنْ يَعِيشُوا فِي أُسْرَةٍ هَادِئَةٍ هَانِئَةٍ، تَحْرِصُ عَلَى حِمَايَتِهِمْ مِنْ كُلِّ الْأَضْرَارِ وَالْآفَاتِ، وَصَوْنِهِمْ عَنِ الْوُقُوعِ فِي بَرَاثِنِ الْمُسْكِرَاتِ وَالْمُخَدِّرَاتِ، وَوِقَايَتِهِمْ مِنْ شُرُورِ مُرَوِّجِيهَا، وَتَوْعِيَتِهِمْ بِمَخَاطِرِهَا، فَالْمُخَدِّرَاتُ مَا دَخَلَتْ بَيْتًا إِلَّا زَلْزَلَتِ اسْتِقْرَارَهُ، وَأَذْهَبَتِ اطْمِئْنَانَهُ، وَمَا تَعَاطَاهَا شَخْصٌ إِلَّا أَفْسَدَتْ دِينَهُ، وَبَدَّدَتْ مَالَهُ، وَأَذْهَبَتْ صِحَّتَهُ، وَضَيَّعَتْ مُسْتَقْبَلَهُ، إِلَّا مَنْ تَدَارَكَ وَتَابَ، وَعَادَ إِلَى رُشْدِهِ وَأَنَابَ، فَيَا أَيُّهَا الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ: كُونُوا خَيْرَ مُعِينٍ لِأَبْنَائِكُمْ عَلَى اتِّقَاءِ الْمُخَدِّرَاتِ، وَأَفْضَلَ سَنَدٍ لِمَنْ وَقَعَ ضَحِيَّتَهَا؛ بِاحْتِوَائِهِ وَإِعَانَتِهِ، وَفَتْحِ فُرْصَةِ أَمَلٍ أَمَامَهُ؛ لِيَبْدَأَ مِنْ جَدِيدٍ حَيَاتَهُ، فَيَكُونَ نَافِعًا لِمُجْتَمَعِهِ، مُسْهِمًا فِي تَقَدُّمِ وَطَنِهِ.
هَذَا وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الْأَكْرَمِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد؛ فكانت هذه -إخواني الخطباء- خطبة عن الأسرة والتربية. أتتكم مكتوبة ومشكولة بالكامل. وهذه -كذلك- خطبة: تربية الأبناء من أهم واجبات الآباء. فاللهم بارِك لنا في أئمتنا وخطبائنا الأكارم وانفعنا وإياكم بكل الدروس والخطب والمحاضرات الدينية.