مقدمة الخطبة
الحمد لله الولي الحليم، الكبير المجيد؛ اصطفى من خلقه أقواما وسمَّاهم الذاكرين، أقواما فأشربهم حبه، وفرغهم لتكريس حياتهم له، فأنار لهم طريقهم.. نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار التائبين، ونسأله من فضله العظيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
الخطبة الأولى
اعلموا أيها المؤمنون أن أسهلَ الأذكار، وأهمها بعد قراءة القرآن الكريم الأذكارُ المسنونةُ بعد الصلوات فحافظوا عليها لما فيها من نور وأجور، وأولها: آية الكرسي بعد كل صلاة. صحّ عن النبي -ﷺ- أنّه قال: (مَن قرأَ آيةَ الكرسيِّ دُبر كلِّ صلاةٍ مَكْتوبةٍ، لم يمنَعهُ مِن دخولِ الجنَّةِ، إلَّا الموت) رواه النسائي.
وتصوروا عظمة الأجر على هذا العمل الذي لا يستغرق إلاّ ثوانيَ معدودة بعد كل صلاة، أي من مات بعد قراءتها فلا حساب ولا عتاب ولا عذاب إن قُبلت.
ومن هذه الأذكار قراءة سورة الإخلاص عشر مرات بعد الصلاة فمن قرأها دخل من أي أبواب الجنة شاء. قال ﷺ: (ثلاثٌ مَن جاء بهنَّ مع إيمانٍ دخَل مِن أيِّ أبوابٍ الجَنَّةِ شاء…) منها من (…. قرَأ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ عَشْرَ مرَّاتٍ { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } قال: فقال: أبو بكرٍ أوْ إحداهنَّ يا رسولَ اللهِ قال: أوْ إحداهنَّ) رواه أبو يعلى.
وقد أمر النبي ﷺ، بقراءة سورة الفلق والناس بعد كل صلاة. فعن عُقبةَ بنِ عامرٍ رضي الله عنه، قالَ: (أمرَني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ أن أقرأَ بالمعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ) رواه أبو داود
ومَنْ الأذكار المسنونة بعد الصلاة والتي تكون سبباً في غفران الذنوب. ما جاء عن النبي ﷺ، أنه من قالَ: (أَستغفِرُ اللهَ الَّذي لا إلَهَ إلَّا هو الحيُّ القيُّومُ، وأَتوبُ إليه ثلاثًا، غُفِرتْ له ذُنوبُه، وإنْ كان فارًّا مِنَ الزَّحفِ.) حديث صحيح.
أيها المؤمنون: تأملوا هذا العطاء الرباني العظيم على هذا العمل القليل فإنه يدل على فيض الكرم الإلهي الذي لا ينضب مما يدعو المسلم للالتزام به.
وعنْ رَسولِ اللهِ ﷺ قال: (مَن سَبَّحَ اللَّهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ، وقالَ: تَمامَ المِئَةِ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ) رواه مسلم. فهنيئاً للمسلم هذا الثواب الجزيل بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل.
وكانَ رَسولُ اللهِ ﷺ: (إذَا انْصَرَفَ مِن صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ…) رواه مسلم
وورد أن النَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يقولُ أيضاً في دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ: (لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ، وله الحَمْدُ، وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِما أعْطَيْتَ، ولَا مُعْطِيَ لِما مَنَعْتَ، ولَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ) رواه البخاري
ومن الأمور التي كان النبي ﷺ يوصي بها سيدنا معاذ رضي الله عنه أنه قال له: (يا مُعاذُ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّكَ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّك، فقالَ: أوصيكَ يا معاذُ لا تدَعنَّ في دُبُرَ كلِّ صلاةٍ تقولُ: اللَّهمَّ أعنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسنِ عبادتِكَ) رواه أبو داود
فقولوا هذا القول فعسى أن ينال المسلم حبَّ رسول الله ﷺ بهذه الأقوال والاذكار المسنونة بعد الصلوات الخمس، ولم يأت بهن ترتيب معين.
وجاء بالخصوص أذكار بعد الفجر والمغرب وفوائدها عظيمة أيضاً منها، من قال: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، (عَشْرَ مَرَّاتٍ)، كُتِبَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمُحِيَ بِهِنَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكُنَّ لَهُ عَدْلَ عَتَاقَةِ أَرْبَعِ رِقَابٍ، وَكُنَّ لَهُ حَرَسًا مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَمَنْ قَالَهُنَّ إِذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ دُبُرَ صَلَاتِهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ). رواه أحمد
وأيضاً من قال: (اللهم أجرني من النار سبع مرات” فإنك إن متَّ مِن يومك ذلك كتب الله لك جواراً مِن النار، وإذا صليت المغرب فقل قبل أن تكلم أحداً من الناس اللهم إني أسألك الجنة، اللهم أجرني من النار سبع مرات فإنك إن متَّ مِن ليلتك كتب الله عز وجل لك جواراً مِن النَّار) رواه أحمد وأبو داود. فالمؤمن الكيس الفطن هو الذي يعمل على تأمين آخرته كما يعمل لدنياه.
وأيضاً جاء في فضل الذكر بعد صلاة الفجر. عن قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه قال: (علمني كلمات ينفعني الله بهن، فقال ﷺ “أما لدينك، فإذا صليت الغداة فقل ثلاث مرات سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فإنك إذا قلتهن أمنت من العمى والجذام والبرص والفالج) رواه احمد والنسائي. وهذا الذكر العظيم آمانٌ للأبصار والجلود والاجسام.
ويسنُّ بعد سنة الفجر أن تقول: (سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، اسْتَغْفِرِ اللَّهَ مِائَةَ مَرَّةٍ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى أَنْ تُصَلِّيَ الصُّبْحَ تَأْتِيكَ الدُّنْيَا صَاغِرَةً رَاغِمَةً وَيَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا مِنْ كُلِّ كَلِمَةٍ مَلِكًا يُسَبِّحُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَكَ ثَوَابُهُ) رواه الدارقطني.
وورد في أذكار التهجد أذكار مخصوصة منها؛ قوله ﷺ: (مَن تَعارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وسُبْحَانَ اللَّهِ، ولَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، ولَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أوْ دَعَا؛ اسْتُجِيبَ له، فإنْ تَوَضَّأَ وصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ) أخرجه البخاري.
فالمسلم يدعو بهذه الأذكار في صلاة التهجد والأذكار الواردة في القرآن والسنة، لينال المسلم رضا الله ﷻ وسؤله في الحياة الدنيا.
وورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ كان إذا استيقظ من الليل قال: (لا إله إلا أنت سبحانك، اللهم إني أستغفرك لذنبي، وأسألك برحمتك، اللهم زدني علماً، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) اسناده صحيح
وعنها أيضاً أن رسولَ اللهِ ﷺ: (كان إذا هبَّ من الليلِ كبَّر عشرًا وحمِد عشرًا، وقال: سبحانَ الله وبحمدِه عشرًا، وقال: سبحانَ الملكِ القدُّوسِ عشرًا، واستغفر اللهَ عشرًا، وهلَّل عشرًا، ثمَّ قال: اللهمَّ إني أعوذُ بكَ من ضيقِ الدنيا وضيقِ يومِ القيامةِ عشرًا، ثمَّ يفتحُ الصلاةَ).
أيها المؤمنون: إن في هذه الأحاديث أماناً لكم في كل مرحلة من مراحل الدنيا والآخرة، فاغتنموها وواظبوا عليها واعتبروها رأس مال لكم عند الله تعالى.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكُم.
وهذه ⇐ خطبة جمعة «ضرورية» عن الصلاة وبشراها للمؤمنين
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.
واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، عن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: “مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا”، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ سورة الأحزاب: الآية 43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.
واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: “سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر”.
وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم) رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله تعالى في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، لأنّ الله تعالى يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: 173،1 74
والحمد لله ربّ العالمين