عناصر الخطبة
- أهمية الأخلاق والقيم في بناء الأوطان
- رسول الله ﷺ: نموذج الأخلاق العظيمة
- أهمية القيم الفردية في حياة المسلم
- القيم الاجتماعية ودورها في توحيد المجتمع
- أهمية الهوية والانتماء للوطن
- الالتزام بالكلام والأفعال التي ترفع من شأن الوطن
مقدمة الخطبة
الحمد لله الآمر بحسن الأخلاق والقيم، الداعي إلى محاسن الأفعال وحسن الشيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أحسن الناس خلقا، وأكثرهم بالناس رفقا، ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين، وكل من سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد، فـ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾، واعتصموا بحسن الأخلاق؛ فإنها خير سبيل إلى مرضاة الخلاق.
الخطبة الأولى
أيها الصانعون لمجد أوطانكم: لا شيء يجعل الأوطان في رفعة ومجد كانتشار الأخلاق القويمة، والتحلي بالقيم الكريمة، والمبادئ العالية النبيلة؛ فهي عدة المخلصين لأوطانهم، وسراج الطامحين إلى مجدها ورفعتها، ولهذا جاء امتداح المولى -تبارك وتعالى- لخيرة خلقه، وصفوة رسله محمد ﷺ؛ إذ توجه بتاج لا يزول أبد الدهر، وكساه كسوة لا تبلى مهما تغير الزمان، واختلف المكان، إنه قوله -تقدست أسماؤه-: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، ليس أي خلق، بل هو موصوف بالعظيم من العظيم، فما أحلاه من وصف، وما أحرى بالمؤمنين أن يمتثلوه وساما، ويغدوا به بين الناس كراما.
ليست القيم ممتثلة في كلام الشخص أو أفعاله فحسب، بل هي شاملة لذلك كله في التعبير والتدبير والتفكير، وهو محاسب عليها جميعا ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾، فهي عمل كريم مبارك مؤسس على الدين الإسلامي الحنيف، ومنبع الدين الشريف ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾.
أيها المؤمنون: لما كان تطبيق القيم مطلوبا في حين، والعمل بها مأمولا من الناس أجمعين، كانت العناية بها حاصلة في كل المجالات، ومختلف الأماكن والتوجهات، سواء أكانت متعلقة بالفرد، أم الجماعة، أم الجانب الحضاري.
فأما جانب الفرد فينبغي للفرد أن يعتصم بعرى الأخلاق السليمة، ووشائج القيم الكريمة، ومنها: الإخلاص؛ أن يعمل لله، ويبتغي بخدمة وطنه الأجر من الله ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾، وكذلك الصدق الذي جعله الله من خير ما ينفع المؤمن يوم القيامة حين قال تبارك وتعالى: ﴿اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾، وأثنى عليه المصطفى ﷺ بقوله: «وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا»، وكذلك يكون أمينا في عمله ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾، وملتزما بمواعيده، حافظا لحقوق العباد، لا يغش ولا يتخلف عن أي عمل أنيط به.
وأما الجانب الاجتماعي المتعلق بالقيم فينبغي كذلك أن يكون حاضرا؛ فهو وسيلة وئام، وحلقة وصل والتئام.
ومن أهم القيم الاجتماعية أن يكون المجتمع حريصا على معاني الوحدة والتآلف، والتماسك والتكاتف، معنيا بشأن الجمع بين الناس، والتقارب والتعايش، وغرس المودة بينهم، مبتعدا عن سوء الأخلاق المؤدية إلى وباء الشقاق، والجالبة للشتات والتنافر، وكذلك ينبغي للمجتمع وأفراده أن يكونوا بعيدين عن كل ما يعكر صفو أمنه ورخائه ﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبُّ غَفُورٌ﴾.
فاتقوا الله -عباد الله-، وتذكروا دوما أنه على قدر انتشار القيم ترتقي الأمم وتعلو، وتزدهر دائما، وتنمو.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
وهذه أيضًا ⇐ خطبة عن حسن الخلق.. مكتوبة ومحتوية على ما يلزم من الآيات والأحاديث والقصص
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أكرمنا بالانتماء إلى هذا الدين، وجعلنا بفضله مواطنين صالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، ﷺ الهادي الأمين.
أما بعد، فيا عباد الله: الهوية معنى عظيم، والانتماء إلى الأوطان خلق كريم، وهو هدي العقلاء، وشعار ذوي الإخلاص والوفاء.
إن المسلم الحريص على مجتمعه يشغل باله رفعة مجتمعه، والمضي به قدما نحو معالي الأمور، فلا يرضى له إلا السبق، ولا يقنع إلا بالعلا، يبذل جهده لأن يكون متفانيا، وفيا عاملا، باذلا جهده نافعا؛ إذ المجتمع لن يرقى إلا بأفراده، ولن يصلح إلا بمن يعيش مستشعرا قيمته وأهميته.
هذا، وإن من واجب الانتماء -يا عباد الله- أن يكون الإنسان حريصا على الذب عن حياض وطنه، يدفع عنه كل ضرر، ويحميه بكل ما أوتي من قوة، سواء بالأقوال أم بالأفعال، فأما الأقوال فعليه أن يكون حريصا على نشر الكلام الطيب عنه، باذلا جهده في انتقاء أحسن الكلام، ناشرا له بين الناس ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾، وأما الأفعال فيكون خير ممثل لوطنه، يرضيه ما يرضي وطنه، ويسيء إليه ما يسيء إلى سمعة وطنه.
فاتقوا الله -أيها المسلمون-، وابنوا القيم وارعوها، واغرسوا معاني الهوية والانتماء واسقوها.
هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَيْكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.