يا صاحب الأمنيات.. أنت في رمضان. نعم، بهذا العنوان المبارك نسوق لكم خطبة الجمعة القادمة «قصيرة وسهلة» في استقبال شهر رمضان، وما به من –بعض– الفضائل والبركات والرَّحمات.
مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي أكرم عباده بشهر الرحمات، وتفضل عليهم فيه بإجابة الدعوات، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ﴿يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾، ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، سيد الأولين، وإمام أهل الفضل المتقين، ﷺ وعلى آله وصحبه المقتفين آثاره إلى يوم الدين.
أما بعد، فأوصيكم ونفسي –عباد الله– بتقوى الله، والصبر على طاعته سبحانه، فإنها المنجية من عذابه، والمقربة إلى لطفه وجزيل ثوابه، يقول ربنا ﷻ في كتابه: ﴿إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
الخطبة الأولى
واعلموا –رحمنا الله جميعا– أنا كنا في الأيام الماضية نتطلع رغبة إلى لقاء رمضان، ونبذل دعاءنا لله العلي المنان، أن يمن علينا ببلوغ شهر الغفران، تأملت قلوب العاشقين للقائه شوقا، وتطلعت نفوس المريدين الأجر إليه توقا، كيف لا؟! والنبي ﷺ يقول :«إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين»، فيا باغي الخير أقبل مشمرا في طاعتك، فهذا رمضان قد أرخى ستار رحمات الله، وجاء محملا بفضائله «ولو علمتم ما في فضل رمضان لتمنيتم أن يكون سنة».
أيها المؤمنون: يقول ربنا جلت قدرته وتعالت عظمته: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾، فشهر جعله الله ﷻ لائقا بنزول القرآن فيه لا بد أن يكون ذا مكانة عالية، ومنزلة مرموقة، وفضائل عظيمة، فهو محطة تزود بالتقوى، يقول الله ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
وفي رمضان تغفر السيئات وتحط الذنوب المهلكات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وبصيامه يفرح المؤمنون عند لقاء ربهم «للصائم فرحتان :فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه»، فيا عبد الله، أي إحسان أعظم من هذا؟! وأي كرم أجدر بالمرء أن يفرح به كهذا؟! فهل من العقل أن يضيع الإنسان وقته في رمضان؟! فالحذر الحذر؛ فإن المصطفى ﷺ يقول: «رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له».
أيها المسلمون: إن باب ربكم لا يغلق في وجه من أتاه راغبا، فارغبوا في الرجوع إليه، فإنه ﷻ يقبل توبة العبد إذا تاب، ويعفو عن زلته إذا أناب ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾، ورمضان باب عظيم لتكفير الذنوب، يقول نبي الرحمة ودواء القلوب ﷺ: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر»، فلا قنوط من رحمته، ولا يأس مع عفوه.
يقول ربنا تقدست أسماؤه: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.
ولا ريب أن الأوبة إلى الله ﷻ سبب لدخول الجنة والفوز بنعيمها، ودافع لدفع المخزيات بألوانها، وباعث يبعث النور لأهلها، يقول ربنا عز من قائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
فاتقوا الله –عباد الله–، وتيقنوا أن فرصة التوبة متاحة، وساحة التقرب إلى الله ﷻ مفتوحة، فالبدار البدار إلى عمل يقربكم من ربكم، وينجيكم من عذابه ويعصمكم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
الخطبة الثانية
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، ﷺ، وعلى آله وصحبه وأتباعه المقتفين آثاره وخطاه.
أما بعد، فاتقوا الله –عباد الله–، واعلموا أنه على قدر المنافسة تأتي الهبات، وعلى اجتهادك وبذلك لنفسك في الخير تكون الأعطيات، وهذا شهر الصوم فتهيأوا للسباق في مضمار الطاعات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، قال الله ﷻ: إلا الصوم؛ فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي».
وإن من أعظم ما يسهل للإنسان عمله، ويطوع نفسه في الاجتهاد أن يتوكل على الله ﷻ، فالتوكل وصية الله لنبيه ومصطفاه ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾، ومعرفة أن الله ﷻ مطلع على أعمالنا، ومراقب لأفعالنا يشحذ هممنا، ويرفع عزائمنا، ويأخذ بنا إلى مضاعفة تقربنا، فالله ﷻ يقول في الحديث القدسي: «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه».
فاتقوا الله –عباد الله–، واغتنموا أوقاتكم، ونافسوا أنفسكم، وتوجهوا إلى الله بكلياتكم، وتذكروا قول ربكم: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.
هذا، وصلوا وسلموا على رسول الله الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.
المزيد من الخُطَب المقترحة
وفي المكتبة «مكتوبة موقع المزيد.كوم للخطب المنبرية» المزيد من خطب الجمعة الرائِعة؛ ومنها:
- ↵ خطبة: كيف نستقبل شهر رمضان – مكتوبة
- ↵ خطبة: الهدي النبوي في استقبال شهر رمضان
- ↵ خطبة: شهر رمضان المبارك وافد كريم – مكتوبة
وفَّقكم الله ﷻ جميعًا.