توَّاقون بشِدَّة، تنتظرون بشَغف هذه الخطبة؛ نعم، أعي ذلك جيدًا. الآن أتيتكم وهي في طيَّات صفحتي، إنها خطبة الجمعة القادمة، بعنوان: “ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً” — السلام النفسي والمجتمعي والدولي. وهي التي نتناول من خِلالها هذا الموضوع الذي تكرَّر معنا من قبل، ولا عجَب؛ فهو من الأهميَّة بمكان.
وقبل أن ندخل إلى محتوى الخطبة؛ لديّ تنويه هام؛ وهو أنَّ: هذه الخطبة مأخوذة من عدة مقالات لمعالي أ.د/ محمد مختار جمعة —وزير الأوقاف المصري— في هذا الموضوع.
مقدمة الخطبة
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾.
وأَشهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشْهدُ أنَّ سيدَنا ونبيَّنا مُحَمَّدًا عبده ورسوله، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلَّمْ وبارك عليه، وعلى آله وصحبهِ ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسان إلى يوم الدِّينِ.
الخطبة الأولى
وبعد.. فإن السلام غاية إنسانية نبيلة وقضية راسخة في الفكر الإسلامي، فالإسلام دين السلام، وربنا ﷻ هو السلام ونبينا ﷺ نبي السلام وتحية المسلمين في الدنيا والآخرة،السلام والجنة هي دار السلام، وتحية أهل الجنة في الجنة السلام، حيث يقول الحق ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾. ويقول ﷻ: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ﴾. ويقول ﷻ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رحِيم﴾. ويقول ﷻ: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ﴾. ويقول ﷻ: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلام عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾. ويقول ﷻ: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾.
والمسلم الحق يحقق السلام مع نفسه، وينشر السلام في مجتمعه، وفي العالم أجمع، فالسلام النفسي يجعل الإنسان يعيش في جو من السكينة والطمأنينة ومحبة الخير للغير، وسلامة الصدر، فلا يحقد، ولا يحسد، ولا يغش، ولا يخون، وتراه مفتاحا للخير مغلاقًا للشر، حيث يقول الحق ﷻ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، ويقول نبينا ﷺ: «المُؤْمِنُ يَأْلَفُ ويُؤْلَفُ، وَلا خَيْرَ فِيمَنْ لا يَأْلَفُ وَلا يُؤْلَفُ»، ويقول ﷺ: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبُّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، ويقول ﷺ: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ».
وكما أن المسلم الحقَّ سلام مع نفسه فهو سلام مع مجتمعه، منضبط في معاملاته مع الناس جميعًا على اختلاف معتقداتهم، يعتقد بأن فلسفة السلام في الإسلام تنبع من أنه دين يعدل بين الناس جميعًا في الحقوق وفي الواجبات، ويؤمن بقبول الآخر والمختلف، حيث يقول الحق ﷻ: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾، ويقول ﷻ: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾، ويقول ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾، أي: لتتعارفوا وتتعاونوا وتتكاملوا، فتُصان الدماء في المجتمع، وتُحفظ الأعراض والأموال، ويعيش المجتمع في مناخ من العدل والوفاء، فيتوفّر الأمن والاستقرار، وتتحقق التنمية والرخاء والازدهار.
ولا أدل على أهمية تحقيق السلام المجتمعي من “وثيقة” المدينة” التي أبرمها نبينا ﷺ مع يهود المدينة، حيث تُعد هذه الوثيقة أفضل أنموذج في تاريخ البشرية للعيش الإنساني السلمي المشترك، والسلام بين أبناء المجتمع الواحد على اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم، في إطار من الإنسانية الراقية، والمواطنة المتكافئة، ونشر قيم الرحمة والتكافل والتعاون والتسامح.
هنا أيضًا: خطبة عن فضل إفشاء السلام مكتوبة ومشتملة على أجمل قصص ومواقف معبرة ومؤثرة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا شك أن تحقيق السلام العالمي مطلب إنساني ووطني، وضرورة حضارية راسخة وأصل ثابت عمَّق الإسلام جذوره في نفوس الناس، حيث يقول نبينا ﷺ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ»، فقد وجه النبي ﷺ حديثه إلى الناس جميعًا، لا إلى المسلمين وحدهم، كما أنه ﷺ قدم إفشاء السلام على إطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام؛ تأكيدًا على مكانة السلام وأهميته للبشرية قاطبة، لينعموا معًا بالأمن والسعادة، ويحرصوا جميعًا على نشره في الأرض.
السلام يقتضي الحرص على تحقيق الأمن والأمان، والحفاظ على الأوطان، ديننا دين البناء والتعمير لا الهدم ولا التخريب ولا الفساد ولا الإفساد، فالله ﷻ لا يحب الفساد ولا المفسدين. السلام الحق يقتضي حسن التعايش والتكافل والتراحم؛ لتنعم معًا بالسلام والأمن والأمان.
اللهم احفظ مصرنا، وارفع رايتها في العالمين.
خطبة قصيرة لكنها هادِفة وشيّقة؛ أليس كذلك؟ حسنًا، دعني أُقدم لك اقتراحًا آخر، وهي: خطبة عن السلام مع النفس والكون — مدققة إملائيًا ومصاغة لغويًا.
كل هذا بمثابة مساعدة —ولو بسيطة— من جانبي كي تقوموا بتحضير خطبة جمعة قويَّة، وتستند إلى الكثير من المصادر، سواء خطبة واحِدة أو تجميعة من عِدَّة خُطَب.