يتجدَّد اللقاء المبارك مع الإخوة الخطباء والأئمة عمومًا في شتَّى البقاع الإسلامية على وجه المعمورة. وهذه خطبة إيمانية مكتوبة، تتناول شرح حديث من جوامع الكلم “الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَان…” لفضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ -حفظه الله تعالى-.
مقدمة الخطبة
الحمد لله، بَعَث مُحمَّدًا بالحق بَشِيرًا ونَذِيرًا، فَبَلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وأقامنا على بَيْضَاءَ نَقِيَّةٍ، لا يَزِيغ بعده عنها ﷺ إلا هالك، الحمد لله الذي شَرَّفنا باتباع محمد ﷺ، ومَنَّ علينا بهذه الرسالة العظيمة ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ [آل عمران].
فالحمد الله أَوَّلاً وآخرًا على نعمة الإسلام، وعلى نعمة التوحيد والسُّنة، وعلى نعمة الصحة والأمن، وعلى عُموم نِعَم الله ﷻ، له الحمد عليها سِرًّا وجَهْرًا، له الحمد عليها لُطْفًا وإعلانًا وخفاء، له الحمد كله، وله الفضل كله كما هو لذلك أهل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن مُحَمَّدًا عبدُ اللهِ ورسوله، صَلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسَلَّم تسليمًا كَثِيرًا.
أما بعد… فيا أيها المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله ﷻ بالعمل بالطاعة، وبالبعد عن المعصية، بالشكر على النعم، وبالاستغفار من الذنوب، فإن المغفرة تَجُبُّ الذنب، والتوبة تَجُبُّ ما قبلها، فاتقوا الله بالاستغفار، واتقوا الله بالإنابة، واتقوا الله بالتوبة، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون، بعث نبينا ﷺ بالهدى ودين الحق، بعث وأُوتِي جوامع الكلم، لهذا يرى الناظر في حديث المصطفى ﷺ وجوامع الكلم وجوامع المعاني، فهو ﷺ يُوجز المعاني الكثيرة للمتأمل في الألفاظ القليلة؛ وذلك لأنه رسول الله ﷺ، فأرشد إرشادات عامة بجوامع كلمه ﷺ في كل المناحي والمجالات التي تحتاجها الأمة، ويحتاجها المُكلَّف في عُبودِيَّتِه لربه، فقد أُوتِيَ ﷺ البلاغة بحذافيرها، وجَمَع من لغة العرب ما لم يجمعه أحد سواه ﷺ، فقد أُنْزِلَ عليه القرآن على سبعة أحرف، فجمع مناحي كلام العرب ولهجتها بما أُنْزِلَ في القرآن على سبعة أحرف، لهذا كان ﷺ يرشدنا بكلمات وجيزة في إرشادات تحتاج منا إلى تأمل، وكلما مرَّ عليك حديث للنبي ﷺ فأَرْعِه سَمْعَك وتأمله، ولا تعجل عليه، فإن فيه من المنطوق والمفهوم ما يفتح لك أبواب الإيمان ومصاريع الخير.
أسأل الله ﷻ أن يجعلني وإياكم من المتفقهين في كلامه وكلام رسوله ﷺ.
روى مسلم بن الحجاج -رحمه الله- في كتابه [الصحيح] عن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه، فمعتقها أو موبقها».
هذا الحديث الجليل العظيم الذي احتوى على جوامع الكلم من كلمه ﷺ، وهو يحتاج منا إلى تأمل وشرح وتدبر، ففيه بيان أنواع الإيمان، وفيه بيان الذكر وفضله، وفيه بيان فضل الطهارة بأنواعها، وفيه بيان حق القرآن، وفيه بيان منزلته، وفيه بيان خطر المعصية وخطر الذنب، وفيه بیان فضل الطاعة بأنواعها، فجمع هذا الحديث بأمثلته الشَّرِيعة كُلَّها بما فيه صلاح العبد في تعامله ومعاملاته بينه وبين ربه، وبينه وبين الخلق حتى يَصِحَ أن نقول: إن هذا الحديث فيه كل ما تحتاجه في أمر دينك فيما بينك وبين ربك، وفيما بينك وبين العباد. تأمل قوله ﷺ: الطُّهورُ شَطْرُ الإيمان. الشطر في اللغة: هو النصف، والعرب تقول للشيء إذا كان ينقسم إلى قسمين: هذا نصف، وهذا نصف. ولو لم يكن النصفان متساويين، فهذا نصف وهذا نصف، يعني أن هذا قسم وهذا قسم، كما قال ﷺ: «إن الله تعالى يقول: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل…».
والصلاة مشتملة على دعاء من العبد لحاجاته، ومشتملة على أنواع من الذكر والتمجيد الله ﷻ، فالطهور شطر الإيمان، نظر أهل العلم في معنى كون الطهور شطرا للإيمان فقال أكثر أهل العلم: إن الإيمان هنا هو الصلاة، والطهور شطر الصلاة، يعني أنه نصف الصلاة، يعني أنه أحد قسمي صحة الصلاة. فإن الصلاة تُشترط لها شُروط قبلها، وأعظمها الوضوء والطهارة، وتشترط لها شروط فيها يعني أنها الأركان والواجبات ولا تصح إلا بها، قالوا: والإيمان هنا هو الصلاة، كما قال ﷻ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ [البقرة] يعني: صلاتكم.
قال ﷺ: «الطَّهُورُ شَطْرُ الإِيمانِ». يعني: أن الوضوء لِمَنْ أَحْسَنهُ ولِمَن كَمَّله شَطْرُ الصلاة، فإن الصلاة في نفسها ناهية عن الفحشاء والمنكر، والصلاة في نفسها مُكَفِّرة لِمَا سبقها من الذنوب ما أُجتنبت الكبائر، لكن ذلك بشرط أن يكون الوضوء صَحِيحًا على السنة، وأن يكون العبد توضأ بما أمر الله ﷻ به، كما ثبت في الصحيح أنه ﷺ قال: «من توضأ كما أمره الله ثم صلى الصلاة المكتوبة كانت له كفارة فيما بينها وبين الصلاة الأخرى ما اجتنبت الكبائر». قال أهل العلم: الصلاة إلى الصلاة مكفرات بشرط تمام خشوعها وركوعها وسجودها، وبشرط أن يسبقها وضوء توضأه صاحبه كما أمر الله. يعني: أسبغ الوضوء ولم يُفَرِّط في شيء منه.
وقال آخرون من أهل العلم في قوله: «الطُّهورُ شَطْرُ الإيمان»: إن الإيمان ينقسم إلى قسمين: ينقسم إلى أوامر تأتي بها، وإلى نواءٍ، فمن ترك المنهيات وفعل الأوامر فقد حصل على شطر الإيمان، وهو التطهر من الذنوب التي تُغلق القلب والتي تَصُدُّ عن الحق.
فالإيمان إذن نصفان عمل يعمله العبد يرفعه، ويتقرب به إلى الله، وعمل إذا عمله فإنه يُطَهِّر نَفْسَه، ويُطَهِّر بدنه، ويُطَهِّر رُوحَه، قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُم﴾ [التوبة].
وقال جل من قائل: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَر﴾ [العنكبوت]. فإذن الأعمال الصالحة التي يأتي بها العبد والأعمال التي ينتهي منها من المُحَرَّمات في فعله الأَمْرَ، واجتنابه للمنهي طهارة له في رُوحِه وبدنه وجوارحه وقلبه، والطهارة إذن شطر الإيمان، والقلب الذي لم يتطهر لم يتقرب إلى الله بشيء.
فهذا بعض ما في قوله ﷺ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمانِ». ثم قال ﷺ: «والحَمْدُ للهِ تَمْلأُ المِيزَانَ». الحمد لله يوم القيامة تُمَثَّل جِسْمًا، فيوضع في الميزان، فتملأ الحمد الله الميزان، فترجح كفة من قال: الحمد الله. وهو يعقل معناها ويعلم سعة معانيها، فإن إثبات المحامد لله يقتضي أن الله واحد في ربوبيته، وواحد في إلهيته، وواحد لا سَمِيَّ له، ولا مثل له في أسمائه وصفاته، وأنه سبحانه له الكمال المطلق في شرعه وأمره، وله الكمال المطلق في أنواع حكمه القدري الذي يُصَرِّف به هذا الملكوت فمن قال: الحمد لله مُقرًا بهذه الأنواع الخمسة بربوبية الله، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، وشرعه وأمره، وفي أوامره الكونية موافقا للحكمة، مُعْتَرِفًا بها فقد أتى بكل أنواع عبودية القلب، والحمد لله تملأ الميزان لما اشتملت عليه من إثبات أنواع الكمالات لربنا ﷻ.
ثم قال ﷺ وسُبْحانَ اللهِ والحَمْدُ للهِ تَمْلَآنِ مَا بَيْنَ السَّماءِ والأَرْض؛ لأن من في السماء وما في السماء يسبح بحمد الله ﷻ: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء].
فكل شيء امتلأ ب الله بتسبيح وتحميده، ويقول بلسانه ولغته سبحان الله وبحمده، أو يقول: سبحان الله والحمد لله. وهذان اللفظان يجمعان الكمال، فإن التسبيح معناه: نفي النقائص بأنواعها عن الرب ﷻ، فإذا قلت في الصلاة أو في خارج الصلاة: سبحان الله. فمعناه أنك تنادي ربك بقولك: تنزيها لك يا رب عن كل أنواع النقص وإثباتًا لأنواع الكمالات التي تستحقها يا رب. وهذا يدل على أن التسبيح والحمد إذا اقترنا جَمَعا نفي النقائص عن الله، وإثبات أنواع الكمالات الله ﷻ، لهذا قال: «وسُبْحَانَ اللهِ والحَمْدُ اللهِ تَمْلآنِ مَا بَيْنَ السَّماءِ والأَرْضِ».
ثم قال ﷺ «والصَّلاة نُورٌ، والصَّدَقةُ بُرْهانُ، والصَّبَرُ ضِيَاءُ».
النور والبرهان والضياء كلها مشتركة في أنها أنوار يبصر بها من فعلها الطريق، ويكون معه نور في الدنيا، ويكون معه نور في الآخرة، فالصلاة نور في الدنيا، ونور في الآخرة، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ والنَّاسُ نِيَام، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامِ.
وقال ﷺ وقد ذكر الصلاة: «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
فالصلاة نور في قلوب أصحابها في الدنيا، ونور في قلوب أصحابها، وفيما بين أيديهم يوم القيامة، ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم﴾ [الحديد].
ثم قال ﷺ: «والصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ». البرهان في اللغة: هو أول ما يخرج به شعاع الشمس يتمسز به طلوع الشمس من الصبح الذي ليس فيه شك، ولهذا سميت الحُجَّة القاطعة برهانا؛ لأنها في الوضوح كوضوح برهان الشمس ونوره إذا خرجت ليس فيها التباس.
قال ﷺ: «الصَّدَقَةُ بُرهان» وخاصة إذا كانت الصدقة خَفِيَّةً لا يَعْلَم بها إلا الربُّ ﷻ، لهذا قال ﷺ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلَّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ…» إلى أن قال: «وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَىٰ حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًّا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ».
فقوله: «الصَّدَقَةُ بُرْهانُ». يعني: أنها نور في قلب العبد لتُخَلِّصه من الشُّح، وتُخَلَّصه من حب المال، وأيضًا هي دليل وحجّة على أن هذا المتصدق بالمال مُحِبُّ الله مُؤْثِرُ مَرْضاة الله ﷻ، مؤثر الآخرة على المال والدنيا، ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر].
ثم قال ﷺ: وَالصَّبْرُ ضِيَاءُ. والضياء هو نور الشمس الذي فيه حرارة، وناسب أن يكون الضياء للصبر؛ لأن الصبر فيه شدة، كما أن ضياء الشمس فيه شدة إذا احترت الشمس، قال ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا﴾ [يونس]. فالنور ليس معه حرارة، وأما الضياء معه حرارة، وهكذا الصبر للصابر معه حرارة، فلن يصبر الصابر إلا بشيء يصبر عليه، لهذا تنوع الصبر بأنواعه، فهناك الصبر على الطاعة، وهناك الصبر عن المعصية، وهناك الصبر على المصائب، وكله يحتاج إلى معالجة، وكله له ألمه، سواء في الابتعاد عن المحرمات، أو الرضا بقضاء الله والصبر عليه، وكله له حرارة وألم في النفس، لكن العبد المؤمن إذا صبر فإن الصبر يكون له أيضا نورًا عظيمًا يوم القيامة أيضًا، فالناس يجتازون على الصراط على قدر أعمالهم، ويجتازون بأنوار على قدر أعمالهم، ولهذا قال تعالى في سورة الزمر: ﴿إِنَّمَا يُوَفَى الصَّبِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
ومن أجر الصابرين أن تُؤْتَى لهم الأنوار يوم القيامة، فمنهم من يكون له في الظلمات كالنور العظيم لِقَاءَ ما عمل وتَقَرَّب وصبر، ومنهم دون ذلك، كلِّ يُعْطَى نورًا بحسب عمله الصالح، وبحسب تقربه إلى الله ﷻ.
ثم قال لنا ﷺ: «والقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أو حُجَّةٌ عَلَيْكَ». القرآن يشتمل على عقيدة يجب عليك أن تُصَدِّق بها، فعليك أن تصدق الخبر الذي في القرآن في أمور الاعتقاد وفي كل أمر غيبي حُجَّةً عليك إن لم تصدق، وحجة لك إن صدقت بها ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ [الأنعام]. صِدْقًا في الأخبار، وعدلاً في الأمر والنهي، فالقرآن حُجَّة لك إن صدقت بأخباره، وحجة عليك إن ترددت أو ارتبت فيما جاء فيه، وكذلك حجة عليك في الأوامر والنواهي، وفي أمور العبادة، وفي أمور المعاملات، وفي كل أنواع علاقاتك بالناس، فالقرآن يمشي بيننا وهو حجة لنا أو حجة علينا. وختم ﷺ هذه الكلمات العظيمة بقوله: «كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها أو موبقها».
كل الناس يغدو يعني صباحًا، ويخرج من بيته، وهم على قسمين: منهم من يغدو فيبيع نفسه فيعتقها، يبيع نفسه ابتغاء مرضاة الله يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله، يبيع نفسه لقاء رضوان الله ﷻ، يعني أنه يخرج من بيته فلا يعمل إلا بالطاعة فيتقرب إلى الله، ويخشى عقاب الله، ويرجو ثواب الله، ويسارع في الخيرات، ويتذكر يوم الحساب، فلتَسْعَ في فكاك رقبتك من عذاب الله ومن النار.
«كل الناس يغدو يعني يذهب صباحًا فبائع نفسه في طاعة الله، فمعتقها من عذاب الله، «أو موبقها يعني في العذاب، إن ذهب وخرج صباحًا ثم عاد وقد حُمِّلَ بالأوزار والآثام التي تُوبقه في العذاب. نسأل الله ﷻ أن يجنبنا عذابه، وأن يجنبنا سخطه، وأن يَمُنَّ علينا بالهدى والاهتداء والتوفيق إنه سبحانه جواد كريم.
لهذا أيها المؤمنون، أعود بما ابتدأت به من الوصية بسنة النبي ﷺ والفقه فيها، وتأمل حديث المصطفى ﷺ، وما قاله العلماء في بيانه، فقد بلغ ﷺ وأقام علينا الحُجَّة ونَصَحَ وأَرْشَدَ وبَيَّنَ، فلا خَيْرَ إلا دَلَّ عليه ولا شَرَّ إلا حَذَرَنا منه، ﷺ.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
هنا أيضًا نجِد خطبة: عناية القرآن بالزمن وحديثه عن الأيام والسنين — مكتوبة
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحمد لله على إحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن مُحَمَّدًا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد، فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخَيْرَ الهَدْي هَدْيُ مُحَمَّد بن عبد الله، وشَرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وعليكم بالجماعة، فإن يدَ الله مع الجماعة..
وأوصيكم ونفسي بتقوى الله وأن نخشى الله ونخشى لقاءه، وأن نُعَظَّم الله في نفوسنا، وأن نراقب الله ﷻ في كل أحوالنا، فإن غفلنا فلنسارع بالتوبة والاستغفار والإنابة، فإن الله سبحانه يحب منا أن نتوب يحب منا أن نستغفر، يحب منا أن نتذلل بين يديه منيبين مستغفرين تائبين وجلين خائفين، والله سبحانه يحب المتقين، ويحب التوابين، ويحب الصابرين، ويحب المتطهرين، ويحب من أطاعه، ويكره ربنا ﷻ من عصاه. أسأله سبحانه أن يعينني وإياكم على الطاعة.
هذا واعلموا -رحمني الله وإياكم- أن الله ﷻ أمرنا بالصلاة على نبيه، فقال ﷻ قولا كريما: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَبِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصَّحْبِ والآل والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
تابعوا أيضًا الاطلاع على خطبة منبرية جاهزة.. بعنوان: الركن الوثيق — مكتوبة
الدُّعاء
- اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وَاحْم حَوْزة الدين، اللهم وانصر عبادك المُوَحَدِين.
- اللهم كن لنا، ولا تكن علينا، اللهم نعوذ بك من الفتن كلها، صغيرها وكبيرها، اللهم احمنا من كل سوء، واصرف عنا كل بلاء، واجعلنا من المتقين الراشدين.
- اللهم أصلح، أئمتنا، وولاة أمورنا، ودلهم اللهم على الرشاد، وباعد بينهم وبين سبل أهل البغي والفساد، اللهم وفقهم بتوفيقك، اللهم ومُنَّ عليهم بالختام الصالح، اللهم ومن عليهم بكل عمل تُحِبه وترضاه، فإنك على كل شيء قدير.
- نعوذ بك اللهم أن نَضل أو نضل، أو نَذل أو نذل، أو نَجهل أو يُجهل علينا، أو نظلم أو نظلم.
- اللهم نسألك أن ترفع عنا الربا والزنا وأسبابهما، وأن تدفع عنا الزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن هذه البلاد بخاصة، وعن سائر بلاد المؤمنين بعامة يا رب العالمين.
- اللهم نسألك صلاحًا في قلوبنا لا يُغادر منا أحدًا، اللهم مَن كان مِنَّا مُطِيعًا تَرْضَى قوله وعمله فثَبِّتْه واختم له بخاتمة السعادة، ومن كان منا مُقَصِّرًا فدله اللهم على ما تُحِب وترضى، ووفقه وَأَعِنْهُ على الخير والهُدَى.
- اللَّهم من كان منا عاصيا فمُنَّ عليه بالتوبة وأيقظ قلبه من الغفلة، فإنك على كل شيء قدير.
عباد الرحمن، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَنِ وَإِيتَايِ ذِي الْقُرْنَ وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على عموم النعم يزدكم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت].