خطبة (إن رحمت الله قريب من المحسنين) مكتوبة كاملة

خطبة (إن رحمت الله قريب من المحسنين) مكتوبة كاملة

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أنعم على خلقه بنعم كثيرة لا تُعد ولا تُحصى. نِعَم تدعونا إلى الشكر والتسبيح، وتذكرنا بأن رحمة الله وسعت كل شيء.

عباد الله: إن رحمة الله ﷻ قريبة من المحسنين، والمحسنون هم من اجتمعت فيهم الفضائل، لأن الحسنى هي الفضيلة. يقول الله ﷻ: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا﴾—[الأعراف: 180]. أي أن الله ﷻ جميلٌ في كل اسماءه وصفاته. وهذا يتطلب من العبد المسلم أن يتصف بكل صفات الفضائل التي تعطيه جمالاً ومحبةً. فيكون عبداً لله ﷻ يعبده في الضراء كما يعبده في الرخاء. والإحسان أن يستشعر العبد رقابة الله ﷻ له في كل أحواله فيعبده كأنه يراه، فيتصف بصفات الجمال والفضائل كلها، فإن لم يراه بذلك المعنى فليعلم أن الله ﷻ يراه مطلع على سره ونجواه كما هو مطلع على ظاهره واحواله كلها، فيستحي أن يراه الله ﷻ على معصية او يفتقده عند الطاعات، ويكون بذلك من المحسنين الذي ينطبق عليهم قول سيدنا رسول الله ﷺ حينما عرف الاحسان بأنه: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) أخرجه البخاري.

ومتى وصل العبد لهذه المرتبة استحق معية الله ﷻ. يقول الله ﷻ ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ العنكبوت: 69. وهي الآية الوحيدة التي جاءت فيها معية الله ﷻ مؤكدة باللام، لتدل على استقرار معية الله ﷻ في نفس العبد، فالله ﷻ مع جميع عباده بالقدرة والإحاطة، ومع المحسنين منهم بالنصرة والمعونة والحفظ والهداية، فبين المعييتين بوناً واسعاً.

ومتى تحقق العبد بالإحسان صار أهلاً لرحمة الله ﷻ التي وعد الله ﷻ بها عباده المحسنين، وهي رحمة خاصة. يقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾—[الأعراف: 56]. بالإضافة إلى رحمة الله ﷻ العامة لجميع خلقه فرحمته وسعت كل شيء. يقول الله ﷻ: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ الأعراف: 156.

كما أن رحمة الله ومعيته تكون مع عباده المتقين. يقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾—[سورة النحل: 128]. ومن بديع إعجاز هذه الآية الكريمة أن الله ﷻ عطف المحسنين على الذين اتقوا، وذلك فضل من الله ونعمة. يقول الله ﷻ: ﴿ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ الجمعة: 4.

والحقُّ أن رحمة الله لا يستحقها إلا الرحماء. يقول ﷺ: (ولا يَرْحَمُ اللَّهُ مِن عِبادِهِ إلَّا الرُّحَماءَ) أخرجه البخاري، وقال ﷺ: (من لا يَرحم لا يُرحم) متفق عليه.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (والذي نفسي بيدِهِ لا يضعُ اللهُ رحمتَهُ إلا على رحيمٍ قالوا يا رسولَ اللهِ كلُّنا يرحمُ قال ليس برحمةِ أحدِكم صاحِبَه يرحمُ الناسَ كافَّةً) رواه الطبراني.

فعلينا أن نتحقق بالإحسان في أنفسنا بتزكية النفس وتهذيبها وتحليتها بالفضائل كلها. وأن نكون رحماء على خلق الله ﷻ، لنستحق بذلك معية الله الخاصة والعامة.

إن أمتنا الإسلامية تعيش الآن في أيام عجاف لم تعشها في تاريخها المجيد، مما يدعوها للتآلف والتراحم والإحسان في كل حال من احوالها، لتتصدر الأمم في الحياة الدنيا، وتشهد على الأمم يوم القيامة، وأنعم بها من أمة مرحومة، رسولها ﷺ رؤوف رحيم، فكان ﷺ الرحمة المهداة، وهو ﷺ رحمة للعالمين. يقول الله ﷻ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾—[سورة الأنبياء: 107].

وهذه أيضًا ⇐ خطبة عن الرحمة والتراحم بين الناس

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده…

أيها المؤمنون، لقد تحدثنا اليوم عن رحمة الله الواسعة وكيف أنها قريبة من المحسنين. فلتكن هذه الكلمات دافعًا لنا جميعًا إلى زيادة أعمالنا الصالحة، والتقرب إلى الله تعالى بالطاعات والقربات. ولنتذكر أن رحمة الله وسعت كل شيء، وأنها تنتظر منا أن نكون من أهل الإحسان.

أيها الأحبة، إن الدنيا دار عمل والآخرة دار جزاء. فلنعمل صالحًا في هذه الدنيا لننال أجرًا عظيماً في الآخرة. ولنتذكر أن الله تعالى وعد المحسنين بجنات عدن، ونعيم مقيم. فلتكن أعمالنا الصالحة زادنا في سفرنا إلى الآخرة.

والحمد لله ربّ العالمين…

أضف تعليق

error: