عناصر الخطبة
- الأخوة المؤمنة: مفهومها وأهميتها في الإسلام
- أساس الأخوة في الإيمان وترابط المسلمين
- الأخوة في الإسلام: التعاون والتضامن في الخير
- حفظ الأخوة: عناية الإسلام بالتماسك الاجتماعي
- قيمة الإخوة في الإسلام: سعادة الدنيا والآخرة
- مدح القرآن الكريم لأهل الإيمان والأخوة
مقدمة الخطبة
الحمد لله إيماناً بكماله وجلاله وعظيم سلطانه، ويقيناً بعلمه وحكمته، ورضاً وطُمأنينةً بعدله ورحمته، أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبدُ الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً مزيداً.
أما بعد: فاتقوا الله ربكم واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون.
الخطبة الأولى
الإيمان هو الركن الثاني من أركان الدين العظيم، وهو الأصل الذي يؤلف بين قلوب المؤمنين، ويجعلهم إخوة متحابين في الدنيا، وعلى سرر متقابلين في الآخرة. يقول الله ﷻ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ الحجرات: 10. وفي هذه الآية دعوة صريحة إلى أن يتواصل المؤمنون مع بعضهم البعض. يتراحموا ويتكافلوا في جلب الخير ودفع الضرّ. وقد وصف سيدنا رسول الله ﷺ حال المؤمن مع أخيه المؤمن بالبُنيان يشدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً. يقول ﷺ: «إنَّ المُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. وشَبَّكَ أصَابِعَهُ» أخرجه البخاري.
وتتحقق هذه الأخوة بالمعنى القلبي والعملي معاً. أما المعنى القلبي فيتمثل في أن يحبَّ المؤمنُ لأخيه ما يحبُّ لنفسه من الخير، فيفرحُ لفرحه، ويحزنُ لحزْنه. يقول ﷺ: «لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» أخرجه البخاري. وقال ﷺ: «مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ. مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى» أخرجه البخاري.
وأما المعنى العملي فقد أمرنا سيدنا رسول الله ﷺ ونهانا. أمرنا ﷺ بأمر عظيم بقوله (وكونوا عباد الله إخواناً) وهذا الأمر ملزم لا يصح أن نحيد عنه أو نخالفه لأجل دنيا فانية، أو رغبة جامحة. ونهانا ﷺ عن الحسد، والتباغض، والتجسس، وكل ما يؤدي الى العداوة. يقول ﷺ: «لا تَحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَناجَشُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا» أخرجه البخاري ومسلم.
إن من صفات المؤمن أنه لا يحملُ في قلبه حقداً على مسلم. ولا يتعدى على غيره بقول أو فعل. وبهذا نحافظ على قوة المجتمع المسلم وتماسكه، ووحدة صفه، والالفة والمحبة بين أبنائه، لأن الجامع في هذه الصور التي نهى عنها رسول الله ﷺ هو بغضٌ في القلب. أو ضررٌ في الفعل. يقول الله ﷻ: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ آل عمران: 103.ويقول الله ﷻ: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾ الحجر: 47.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: “من علامات الصادق في أخوة أخيه أن يقبل علله ويسدد خلله ويغفر زلته. وقد قِيل قديماً: خير الإخوان من أقبل عليك إذا أدبر الزمان عنك”.
وقال الشافعي رحمه الله ﷻ:
أُحِبُّ مِنَ الإِخْوَانِ كُلَّ مُوَاتِي
كُلَّ غَضِيضِ الطَّرْفِ عَنْ عَثَرَاتِي
يُوَافِقُنِي فِي كُلِّ أَمْرٍ أُرِيدُهُ
وَيَحْفَظُنِي حَيًّا وَبَعْدَ مَمَاتِي
فَمَنْ لِي بِهَذَا لَيْتَ أَنِّي أَصَبْتُهُ
فَقَاسَمْتُهُ مَا لِي مِنَ الحَسَنَاتِ
تَصَفَّحْتُ إِخْوَانِي فَكَانَ أَقَلَّهُمْ
عَلَى كَثْرَةِ الإِخْوَانِ أَهْلُ ثِقَاتِ
وقد مدح القرآن الكريم من سار على طريق الايمان طهارةً في قلبه وسماحةً في نفسه اتجاه المؤمنين حتى من سبقه منهم. يقول الله ﷻ: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ الحشر: 10.
ومن علامات رسوخ الإيمان، وثباته في الجَنان أن ندعو بقلوبنا وألسنتنا لإخواننا في غزة وفلسطين. اللهم إنا نتوجه اليك في أهل غزة والضفة وأهل فلسطين أن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين. وارحم شهداءهم وتقبلهم في الصالحين. وخصَّ برحمتك أولئك الذين قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من الوصول اليهم أو الصلاة عليهم أو العثور عليهم من حجم الدمار وتطاير الأشلاء. اللهم وأنزل عليهم السكينة والطمأنينة، وشافي الجرحى والمصابين والمكلومين منهم. وخفف عنهم واربط على قلوبهم يا رب. ونذكّر أن الصلاة على الغائب من الشهداء والذين هم تحت الأنقاض بعد الصلاة والاذكار والسنة البعدية للجمعة.
⇐ هنا أيضًا: خطبة عن الأخوة والتكافل في الإسلام – رسالة واجبة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران: 102.
واعلموا عباد الله ان الله قد أمركم بأمر عظيم بدأ به بنفسه وثنى بملائكة قدسه، فيقول الله ﷻ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب: الآية 56، وعن أُبي بن كعب رضي الله عنه: (أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، يقول الله ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ سورة الأحزاب: الآية 43، وهذا يتطلب التخلق بأخلاقه ﷺ ونقتدي بسنته في البأساء والضراء وحين البأس.
واعلموا أن من دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: «سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر».
وفي المصائب والكرب والشدة أوصى الرسول ﷺ بدعاء الكرب وهو: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم» رَوَاه الْبُخَارِيّ. فندعو به في شدائدنا وشدائد أهل غزة وفلسطين، واعلموا أن هذا الدعاء يناجي الله ﷻ في اسمه العظيم تذللاً لعظمة الله، والحليم رجاءً لحِلم الله، وربّ السموات والأرض ربّ العرش العظيم يقيناً بأن الأمر كله بيد الله، وأكثروا عند تكالب الأعداء علينا من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)،لأنّ الله ﷻ يقول: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ آل عمران: 173،174
والحمد لله ربّ العالمين..
ولا يفوتكم يا أكارم أيضًا أن لدينا ⇐ خطبة عن الأخوة في الله والمتحابون فيه ﷻ
وفَّقنا الله ﷻ وإياكم لكل خير وسداد.