خطبة: أعمال شهر رجب – مكتوبة.. جاهزة للاطلاع والطباعة والتنزيل

وبعد أنْ قدَّمنا لكم الكثير من الخطب المنبرية الرائعة حول شهر رجب؛ نوافيكم بالمزيد منها هنا. والتي عنونَّاها بـ: أعمال شهر رجب. وهي مكتوبة، كاملة، من المقدمة وحتى إقامة الصلاة. كل هذا جاهز من أجلك –أخي الخطيب– للاطلاع المُباشر، أو الطباعة، أو حتى تنزيل الصفحة كاملة على هاتف أو الحاسوب.

وفي كل حال، نحن نسعى لإرضائَك.

مقدمة الخطبة

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا | يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

أما بعد.. فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أَيُّها المؤمنون؛ اتَّقوا الله حقَّ التَّقوى، وأحسنوا فإِنَّ اللهَ يحبُّ المُحسنين، وتوبوا إلى الله جميعا فإنَّكم إليه لا محالة راجعون.

الخطبة الأولى

عباد الله؛ إنَّ النبي له في حجة الوداع خطب في الصحابة كما في الصحيحين من حديث أبي بَكْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ النبي: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» وهذه هي الأشهر الحرم التي عظمها الله عز وجل وأمر بحفظ النفس من الظلم فيها ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر.

وإنما أضاف ﷺ رجب إلى مصر وهي قبيلة من القبائل العدنانية؛ لأنهم أشدُّ القبائل تعظيمًا لهذا الشهر بترك القتال فيه في الجاهلية.

ويقال أيضا لرجب: الأصم؛ لأنهم يتركون القتال فيه فلا يسمع فيه صوت سلاح ولا استغاثة.

والأشهر الحرم ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز فقال: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ [التوبة: 36].

وقيل لأعرابي فقيه: كم الأشهر الحرم؟ فقال: أربعة: ثلاثة سرد وواحد فرد. يعني ثلاثة متتابعة وهي: ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وواحد لوحده وهو شهر رَجَبُ.

وروى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَفْرُوضَةِ صَلَاةٌ مِنَ اللَّيْلِ». قال بعض أهل العلم: شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ هو رجب. وقد رُوي هذا مرفوعًا ولا يثبت عن النبي ﷺ؛ والصّحيح أن هذا الشهر هو محرم الحرام لا غيره من الشُّهور.

وقد اتفق المسلمون لما أرخوا السَّنَة الهجرية في زمن عمر بن الخطاب كما ذكره السيوطي على ابتداء السَّنة بشهر الله المحرّم، والإضافة ها هنا في قول النبي ﷺ في الحديث السابق [شهر الله المحرم] إضافة تشريف، والله ﷻ يضيف إلى نفسه من شاء من المخلوقات تعظيما لها وتشريفا كإضافة بيت الله وناقة الله إليه ﷻ على وجه التشريف والتعظيم لها.

وكانوا في الجاهلية يعظمون رجبًا تعظيمًا شديدًا ويفضّلونه على شهور السنة. فجاء الإسلام وأبقى تعظيمه بعده من الأشهر الحرم؛ لكنه ليس مفضّلا على كل شهور السنة؛ فأفضل الشهور بالإجماع هو شهر رمضان وشهر ذي الحجة والمحرم هما أفضل من شهر رجب.

فما شرع من الصيام في سائر الأشهر يشرع صيامه في رجب ويكون فعله في رجب أفضل من غيره مما لا يساويه في الفضل أو يفوقه، فإنَّ العبادة تشرفُ بشرف زمنها، لأن رجب من الأشهر الحرم كما ذكرنا. وما ورد من الأحاديث من صيام رجب كاملا أو تضعيف الجزاء والثواب على الصيام فيه فكله موضوع أو ضعيف.

وكان من تعظيم أهل الجاهلية لشهر رجب ذبح العتائر، والعتيرة هي ذبيحة شهر رجب، وقد نقل النووي -رحمه الله- الاتفاق على أن العرب في الجاهلية كانت تذبحها في العشر الأول من شهر رجب، وذكر غيره أن الجاهليين يذبحونها في العشر الأول وغيره من رجب.

والمقصود أن العتيرة التي كانت تسمى بهذا الاسم في الجاهلية هي ذبيحة رجب، ثم أُقرت في أوّل الإسلام، ثم نُسخت، وكانت تُذبح لأجل تعظيمه. فلا يجوز ذبح ذبيحة بنية تعظيم شهر رجب فهو من أعمال الجاهلية.

ومن الأمور التي أحدثت في شهر رجب ما يفعله بعض الناس في هذه الأزمان من إخراج زكوات أموالهم في رجب دون غيره من الأشهر فهذا لا أصل له؛ بل حكم الشرع أنه يجب إخراج زكاة الأموال عند حولان حولها بشرطه سواء كان رجبًا أو غيره. نعم يجوز تعجيل زكاة عام أو عامين لسبب موجب لذلك. وإذا أراد أن يقدّم زكاة ماله في شهرٍ معين لئلا يغلط في عدها أو تحرى وقتًا فاضلا كان ذلك جائزا، أما اعتقاد أن إخراج الزكاة له فضيلة في رجب أو في رمضان أو في غيرهما من الأشهر فهذا لا فضيلة فيه.

وليس من أحكام شهر رجب أيضا أن يمتنع المسلم فيها من صيد أو نحوه إلا إن كان ممنوعا لمانع آخر كما هو الحال في وقتنا، إنما يمتنع في شهر رجب عن التورّط في سيئ العمل؛ دقيقه وجليله صغيره وكبيره، ظاهره وباطنه.

وقد عظم الله الاعتداء في هذه الأشهر الأربع؛ فقال: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: 217]؛ أي: إنّه إثم عظيم كبير، وكذا سائر المعاصي والسيئات، فإذا زلت بك قدم أو هوت بك خطيئة فافزع إلى الرب جل في علاه بالتوبة إليه، فإنه يغفر الذنوب مهما عظمت ومهما كبرت سبحانه.

واسمعوا قول الله ﷻ: أعوذُ بالله من الشَّيطان الرَّحِيمِ ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكُم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّه هو التَّوَّابِ الرَّحيم.

كذلك؛ نجِد هنا خطبة عن شهر رجب.. مكتوبة جاهزة، مشكولة الآيات وقوية المفردات

الخطبة الثانية

الحمد لله حق حمده، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، نشهد أنّه بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد، حتَّى أتاه اليقين، فصلَّى الله وسلَّم عليه تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد؛ فأوصيكم عباد الله بتقوى الله، فهي وصيةُ ربِّكم للأوَّلين وعباد الله، ومن الأمور المحدثة في هذا الشهر تقصُّدُ الاعتمارِ في رجب وتسميتها بالعمرة الرجبية، ولم يثبت في فضل العمرة في رجب شيء، ولا كان هذا

من هدي السلف أنهم يتقصدون رجب في أداء العمرة فيه.

والشرع إنما جاء بمدح تقصد رمضان بأداء العمرة فيه للحديث المخرج في سنن أبي داود والترمذي عن أم معقل -رضي الله عنها- أن النبي ﷺ قَالَ: «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةٌ»، على أنّ أهل العلم مختلفون أيضًا في عموم هذا الحديث وخصوصه والصحيح أنه عام في حق كل أحد.

ونختم بما رواه البغوي في معرفة الصحابة بسند على شرط الصحيح عن عبد الله بن هشام -رضي الله عنه- أنه قال: كان أصحاب النبي ﷺ يتعلمون الدُّعاء كما يتعلمون القرآن إذا دخل الشهر أو السَّنة: «اللهم أدخله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام وجوارٍ من الشَّيْطان ورضوان من الرَّحمن».

واعلموا -رحمني الله وإيَّاكم – أنَّ الله جَلَّ جَلالُهُ أمر بأمرٍ بدأ فيه بنفسه وثنّى بملائكته؛ فقال قولا كريمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارْضَ اللهم عن الأربعة الخُلفاء، الأئمة الحنفاء، أبي بكر وعُمر وعُثمان وعلي، الذين قضوا بالحقِّ وبه كانوا يعدلون، وعنا معهم بعفوك ورحمتك، يا أرحم الراحمين.

هنا أيضًا: خطبة عن فضل شهر شعبان «الصحيح والضعيف»

الدُّعـاء

• اللهم أعزّ الإسلام والمُسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين.
• اللهُمَّ إِنَّا نسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى.
• اللهُمَّ آتِ نفوسنا تقواها وزكها أنت خير مَنْ زَكَّاها، أنت وليها ومولاها.
• اللهم إنا نسألك صلاحًا في أنفسنا، وصلاحًا في أزواجنا، وصلاحًا في أولادنا، وصلاحًا في والدينا، وصلاحًا في علمائنا، وصلاحًا في ولاتنا، أنت أرحم الراحمين، وأجود الأجودين.
• اللهم فرج كُرب المكروبين، ونفّس هموم المهمومين، واقض الدين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المُسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين.
• اللَّهُمَّ ارفَعْ عنا الرّبَا والزنا وأسبابهما، وادفع عنا الزلازل والمحن وسوء الفتن؛ ما ظهر منها وما بطن، يا أكرم الأكرمين.
• اللهم تقبل توبتنا، وثبت حُجَّتنا، واغسل حَوْبتنا، واغفر زلتنا، وأقل عثرتنا يا ذا الجلال والإكرام.
• اللَّهمَّ قِنَا بِرَحمَتِكَ عَذابَ الجَحِيمِ، واجْعَلْ مَنَازِلَنَا وَوَالِدِينَا وجميع المسلمين، فِي جَنَّاتِكَ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، يا أرحم الراحمين.

عباد الرحمن: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النَّحل]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

وأقِـم الصَّـلاة..

انتهينا الآن! أعتقد أنه قد حان الوقت للاعتراف بذلك؛ ولو أن فراق الأَحِبَّة مر، إلا أنني سأفعله مع إضافة أخيرة؛ وهي خطبة: فضل شهر رجب الحرام – مكتوبة كاملة. نسأل الله اللطيف الكريم ﷻ أن ينفعنا بكل ما جاء بهذه الصَّفحة، وأن يكتب لنا ولكم كل التوفيق والسَّداد.