إخواني الخطباء؛ جئتكم اليوم ومعي خطبة مختصرة ومشكولة عن أصحاب اليمين. نعم؛ إنهم الذين نالوا هذا الوصف الرَّباني من الله ﷻ.
الخطبة مكتوبة؛ متاحة للإلقاء المباشر أو الطباعة أو المشاركة والنَّشر.
مقدمة الخطبة
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَعَدَ أَصْحَابَ الْيَمِينِ بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ، قَالَ ﷻ: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ ~ [1].
الخطبة الأولى
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ. حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ؛ قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ. فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ بِيَمِينِهِ» ~ [2].
فَيَقْرَأُهُ مَسْرُورًا بِإِيمَانِهِ، مُبْتَهِجًا بِصَالِحِ أَعْمَالِهِ، فَرِحًا بِمَا يَنْتَظِرُهُ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ وَعَطَائِهِ، قَالَ ﷻ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ ~ [3]، وَمِنْ شِدَّةِ فَرَحِهِ يَقُولُ لِكُلِّ مَنْ يَلْقَاهُ: ﴿هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ﴾ ~ [4] أَيْ: خُذُوا اقْرَؤُوا صَحِيفَةَ أَعْمَالِي؛ فَفِيهَا مَا قَدَّمْتُ مِنْ صَالِحَاتٍ، وَمَا أَسْلَفْتُ مِنْ خَيْرَاتٍ وَحَسَنَاتٍ. فَمَا أَسْعَدَهُ بِمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ نَعِيمٍ، قَالَ ﷻ: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ ~ [5].
وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾» ~ [6].
وَيَدْخُلُ أَصْحَابُ الْيَمِينِ الْجَنَّةَ هُمْ وَأَهْلُهُمْ، تُهَنِّئُهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِرِضَا رَبِّهِمْ، قَالَ ﷻ: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ ~ [7]، فَمَا أَطْيَبَ عَيْشَهُمْ، قَالَ ﷻ وَاصِفًا طِيبَ مَقَامِهِمْ: ﴿فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ ~ [8].
فَاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، الْفَائِزِينَ بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَوَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ أَجْمَعِينَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ ﷺ وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ، عَمَلًا بِقَوْلِكَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
وقد تودّون -أيضًا- الاطلاع على خطبة: أخلاقيات البيع والشراء وآدابه
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، جَعَلَ الْإِيمَانَ وَالرَّحْمَةَ مِنْ سِمَاتِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَصَلِّ اللَّهُمْ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: كَيْفَ نَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ؟ لَقَدْ عَدَّدَ اللَّهُ ﷻ أَعْمَالَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، فَقَالَ ﷻ: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ ~ [9]، أَيِ: الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ، وَأَطَاعُوا خَالِقَهُمْ، فَأَكْثَرُوا مِنَ الْحَسَنَاتِ، وَعَمَلُوا الصَّالِحَاتِ، وَتَرَكُوا الْمَنْهِيَّاتِ، وَبَذَلُوا الصَّدَقَاتِ، وَأَطْعَمُوا أَصْحَابَ الْحَاجَاتِ وَذَوِي الْقَرَابَاتِ، وَصَبَرُوا فِي الْمُلِمَّاتِ، وَامْتَلَأَتْ قُلُوبُهُمْ رَحْمَةً لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ، مُوقِنِينَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» ~ [10].
فَشَمِلَتْهُمْ رَحْمَةُ بَارِئِهِمْ، وَأَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ الَّتِي وَصَفَهَا لَهُمْ. فَاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا بِطَاعَتِكَ عَامِلِينَ، وَلِأَرْحَامِنَا وَاصِلِينَ، وَإِلَى النَّاسِ مُحْسِنِينَ، وَارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الْأَكْرَمِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. اللَّهُمَّ احْفَظْ لِدَوْلَةِ الْإِمَارَاتِ أَمَانَهَا وَاسْتِقْرَارَهَا، وَأَدِمْ رَخَاءَهَا وَازْدِهَارَهَا، وَبَارِكْ فِي خَيْرَاتِهَا، وَاكْلَأْهَا بِرِعَايَتِكَ، وَاشْمَلْهَا بِعِنَايَتِكَ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
- [1] القلم: 34.
- [2] متفق عليه.
- [3] الانشقاق: 7-9.
- [4] الحاقة: 19.
- [5] الواقعة: 27- 34.
- [6] متفق عليه.
- [7] الرعد: 23- 24.
- [8] الحاقة: 22- 24.
- [9] البلد: 17- 18.
- [10] أبو داود: 4941، والترمذي: 1924.
وبعْد؛ فقد قدَّمنا لكم -أيها الخطباء الأجِلّاء- خطبة عن أصحاب اليمين؛ نسأل الله ﷻ أن ينتفع بها كل مسلم؛ إمام ومأموم، اللهم آمين.