بحوزتنا اليوم خطبة الأسبوع لهذه الجمعة؛ وتأتيكُم بعنوان: عقيدة أهل السنة والجماعة تجاه أصحاب النبي ﷺ. وهي خطبة مكتوبة وجاهزة؛ ومُقسَّمة إلى عناصر وفقرات ومقدمة وخاتمة، ومختتمة بأدعية مبارَكة في نفس السّياق.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله -تعالى- نحمده، ونستعينه ونستغفره. ونعوذ بالله -تعالى- من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله -تعالى- فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﷺ.
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتاب الله. وخير الهدي هدي محمد ﷺ. وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الخطبة الأولى
أما بعد، عباد الله؛ فقد أخرج الإمام احمد في مسنده، وحسنه الشيخ الإمام -رحمه الله-، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: إن الله -تبارك وتعالى- نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد ﷺ خير القلوب؛ فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته. ثم نظر -سبحانه وتعالى- في قلوب العباد بعد قلب محمد -صلى الله وسلم وبارك عليه- فوجد قلوب أصحابه خير القلوب، فاختارهم لصحبة نبيه وجعلهم وزراء رسوله. يدافعون عن دينه -رضي الله عنهم أجمعين-.
ما أجمل أن يكون الحديث عن أصحاب رسول الله -صلى الله وسلم وبارك على جميعهم-. ما أجمل أن يكون الحديث عن أفضل جيلٍ في هذه الأمة. وعن أفضل الناس بعد رسول الله -صلى الله وسلم وبارك عليه-. وعن الذين اصطفاهم الله -تعالى- واختارهم لصحبة رسول الله. وعن الذين -رضي الله عنهم وأرضاهم.
ما أجمل أن يكون الحديث عن أول الذين آمنوا برسول الله -صلى الله وسلم وبارك عليه-. وهاجروا وجاهدوا. آووا ونصروا، وقدموا كل شيء فِداء لنبيهم ونصرة لدينهم؛ -رضي الله عنهم أجمعين.
من هم الصحابة؟
الصحابي هو كل من لقي النبي ﷺ وآمن به ومات على ذلك. هذا هو صحابي من أصحاب رسول الله ﷺ.
رأى رسول الله ﷺ بعينه أم لم يرى رسول الله لعارضٍ، كالعمى. جلس مع رسول الله كثيرا أو جلس مع رسول الله قليلا. روى عن رسول الله ﷺ أو لم يروي عن رسول الله. غزا مع رسول الله وجاهد، أو لم مع رسول الله ﷺ.
هذا هو الصحابي -رضي الله عنه-. حتى تعلم أن الذين نافقوا على عهد رسول الله، لا يقال عنهم أنهم من أصحاب رسول الله ﷺ. أهل النفاق ليسوا بمعدودين في الصحابة الكِرام. الذين ارتدوا عن الإسلام في عهد رسول الله أو بعد موت رسول الله ﷺ لا يقال عنهم هؤلاء اصحاب رسول الله -صلى الله وسلم وبارك عليه-. إنما الصحابي هو الذي لقي رسول الله وآمن برسول الله. وأما أهل النفاق فكانوا ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾. وماتوا على الإسلام.
والذين ارتدوا ولم يتوبوا ولم يعودوا إلى الإسلام؛ ماتوا على الكفر والشرك، والعياذ بالله رب العالمين.
فلا يقال أن الصحابة كان فيه نفاق. فهذا اتهام لأصحاب رسول الله ﷺ. وإنما ظَهر النفاق على عهد رسول الله. فأهل النفاق ليسوا بمعدودين في الصحابة؛ أصحاب النبي الكريم ﷺ.
ولما قال النبي عنهم -في صحيح البخاري– «لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه». فهذا بحسب الظَّاهر للعرب وللناس. أن هؤلاء في الظاهر من أصحاب رسول الله ﷺ، يصلون مع رسول الله ويحضرون في المسجد مع رسول الله. ففي ظاهرهم أمام الناس وأمام العرب أن هؤلاء من أصحاب رسول الله ﷺ. فإن قَتَل أحدًا منهم كان في ذلك فتنة. وحدث بسبب ذلك مِحنة. فترك ﷺ ذلك مراعاة للمصلحة الراجحة.
فضل الصحابة ومكانتهم
الصحابة رضي الله -تعالى- عن جميعهم هم خير هذه الأمة، وهم أفضل هذه الأمة بعد رسول الله ﷺ. والله -عز وجل- هو الذي شَهد لهم بذلك. فقال سبحانه ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس﴾. وأول الذين خوطبوا بهذه الآية هم أصحاب محمد -صلى الله وسلم وبارك عليه-.
وشَهد لهم النبي ﷺ بالخيريّة أيضًا؛ فقال -كما في صحيح البخاري- «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم».
وقال ﷺ -في صحيح مسلم- «النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون».
يعني ما دامت النجوم باقية فالسماء باقية؛ فإذا سقطت وتناثرت، سقطت السماء، وقامت الساعة. والنبي أمنة لأصحابه. فهو ﷺ أمن وأمان من الفِتن والاختلافات. والصحابة أمنة لأُمَّةِ رسول الله، فإذا ذهبوا وقعت الفِتن، ووقعت الحروب، ووقعت القلاقل، وظهرت البدع والأهواء؛ فوقع الأمر كما أخبر إمام الأنبياء -صلى الله وسلم وبارك عليه-.
أفضل الأمة بعد رسول الله هم الصحابة الكرام رضي الله -تعالى- عن جميعهم.
سُئل الإمام أحمد -رحمه الله-: معاوية -رضي الله عنه- أفضل؟ أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال: معاوية. إنا لا نقيس أحدا بأصحاب رسول الله أبدًا. من جاء بعدهم، مهما بلغ في العلم والإيمان والدين والعمل، لا يصل أبدا إلى مرتبة أقل رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله وسلم وبارك عليه-.
ونؤمن أن أفضل الصحابة أبو بكر -رضي الله عنه-. ثم عمر -رضي الله عنه-. ثم عثمان -رضي الله عنه-. ثم علي -رضي الله عنه-. على هذا الترتيب الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة.
سُئِل علي -رضي الله عنه-، سأله ولده محمد ابن الحنفية. قال: يا أبت، أي الناس أفضل بعد رسول الله؟ فقال: أبو بكر -رضي الله عنه-. قال: ثم من؟ قال: ثم عمر. قال: فخشيت أن يقول عثمان. فقلت: ثم أنت يا أبتي؟ قال: يا بني ما أنا إلا رجلٌ من المسلمين.
وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: كنا نُخيّر بين الصحابة على عهد رسول الله ﷺ، فنُخير الصِّديق، ثم عمر، ثم عثمان رضي الله -تعالى- عن جميع أصحاب النبي.
ونشهد بالجنة لمن شهد له رسول الله -صلى الله وسلم وبارك عليه-. فمن شهد له النبي ﷺ بالجنة فنحن نشهد له أيضًا بالجنة كما شهد له رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى. فنشهد للخلفاء الأربعة. ونشهد لسائر العَشرة. ونشهد لكل صحابي بشّره النبي ﷺ بالجنة كما شهِد له رسول الله -صلى الله وسلم وبارك عليه-.
عقيدة أهل السنة والجماعة
نُحِب أصحاب النبي ﷺ جميعا. من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يحبون جميع أصحاب محمد -رضي الله عن جميعهم-. ويعتقدون أن حُب الصحابة -رضي الله عنهم- دين وإيمان وإحسان، وأن بُغض الصحابة طغيان وكفران. فنحب أصحاب رسول الله، لأن الله -تعالى- أحبَّهم. ونحب أصحاب رسول الله لمحبَّة النبي ﷺ لهم. ونحب أصحاب رسول الله لإيمانهم بربهم وبنبيهم. ونحب أصحاب رسول الله لِما قاموا به من نُصرة هذا الدين، والتضحية والفداء بكل غالٍ ونفيس في سبيل الله، وفي سبيل إعزاز كلمة الله. ونحب أصحاب رسول الله لِما لهم من المقام، ولما لهم من العمل الصالح والحال. فهم أفضل منا في كل عقيدةٍ وعبادة ودين وخير وعمل. رضي الله -تعالى- عن جميع أصحاب محمد ﷺ.
حب صحابة رسول الله
يقول النبي ﷺ في شأن الأنصار «آية الإيمان -يعني: علامة الإيمان- حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار».
وقال أيضًا في حديث يدل على محبة الرسول للأنصار «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله».
وقال ﷺ في شأنهم الكثير والكثير.
كان ما سبق بعض ما جاء في فضل الأنصار وحب النبي لهم وحثّه على حب الأنصار الذين آووا ونصروا؛ فكيف بالمهاجرين! وهم أفضل عند الله من الأنصار، وكلهم من أصحاب النبي المختار، رضي الله -تعالى- عن جميعهم. ﴿وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾. وكُلاًّ -رضي الله عنه-. وكُلاًّ غفر الله -تعالى- له. رضي الله عن الجميع.
فنحب أصحاب رسول الله -صلى الله وسلم وبارك عليه-، تمتلئ قلوب الموحدين محبة وإجلالا وتقديرا وإعظاما للصحابة الكِرام، رضي الله -تعالى- عن جميعهم.
وكذلك -عباد الله- يجب على المسلم سلامة القلب واللسان لجميع أصحاب رسول الله -صلى الله وسلم وبارك عليه-. سلامة القلب، فليس في القلب غِل، وليس في القلب حقد، وليس في القلب بُغض، وليس في القلب كره لأي أحد من أصحاب رسول الله -صلى الله وسلم وبارك عليه-.
وسلامة اللسان؛ فلا سَبّ ولا شتم، ولا لعن، ولا اتهام لأحدٍ من أصحاب رسول الله بشيء فيه حَطٌّ من قدره ولو بحرف. فيسلمون من قلوبنا، ويسلمون من ألسنتنا، رضي الله -تعالى- عن جميعهم.
قال -تعالى- ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾. كل من كان في قلبه غِل على أحدٍ من أصحاب رسول الله -صلى الله وسلم وبارك عليه-، وكل من انتقص واحدًا مِنهم فاتهمه على الإسلام، كما قال أئمة الشَّرع وعلماء الدين.
إذا سلمت القلوب لأصحاب رسول الله امتلأت بالمحبة والإجلال والتقدير والتعظيم. وإذا سلِموا من الألسُن ارتفعت الألسن بذكر محاسنهم، وبالاستغفار لهم، وبالترحم عليهم، وبالترضي عن جميعهم، -رضي الله عنهم أجمعين-.
إنك لتعجب أشد العجب من رجل من أتباع رسول الله ﷺ في قلبه غل أو في قلبه كره لأحد من أصحاب رسول الله. لمعاوية مثلا -رضي الله عنه-، أو لأبي سفيان -رضي الله عنه-، أو لهند -رضي الله عنها-. فالكل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فعلى العبد أن يمتلئ محبة وإجلالا وتعظيما لهؤلاء القوم جميعا -رضي الله عنهم-. قائلا: ربنا لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا.
وكذلك يجب علينا -عباد الله- التأسي بأصحاب رسول الله، والاقتداء بهم، والسير على منهاجهم، والتمسك بآثارهم. فهذا فيه الخير، وفيه العِصمة من الضلال. قال ﷺ «إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ».
وقال «إن أمتي ستفترق علي اثنتين وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة».
ولو قال ما أنا عليه، وسكت، لكان كافيًا. لكن لما ذكر الصحابة، علِم الناس أن لذلك غرض. وذلك لأن الكل -جميع الفرق بلا استثناء- يدَّعون أنهم على الكِتاب والسنة.
حتى الإرهابيين، حتى الخوارج الذين يستحلون الدماء المعصومة؛ الذين يُقَتّلون ويذبحون ويُفَجّرون؛ يدَّعون أنهم على الكتاب والسنة.
حتى أهل البِدَع والأهواء والضلال، يرفعون راية الكتاب والسنة. ولكن العصمة في فهم الكتاب والسنة بفهم أصحاب رسول الله -صلى الله وسلم وبارك عليه-.
العصمة من الضلال، والعصمة من الانحراف، والعصمة من الأهواء، والعصمة من الزَّيف، والعصمة من كل انحراف. بل إن نشر العقائد الصحيحة، ونشر الفِكر الإسلامي الوسطي المُعتدل لا يكون إلا في ضوء اتباع أصحاب رسول الله -صلى الله وسلم وبارك عليه-.
يقول الصحابي عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: من كان مستنا؛ فليستن بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة.
هؤلاء أصحاب محمد ﷺ. هم خير هذه الأمة وأبرّها قلوبا، وأعمقها عِلما، وأقلّها تكلفا. قومٌ اختارهم الله لصُحبة نبيه ﷺ ولإقامة دينه. فاعرفوا لهم فضلهم، وتمسكوا بآثارهم، وسيروا على مِنهاجهم، وتمسكوا بما كان من سيرهم وأخلاقهم. رجاءً أن تكونوا يوم القيامة معهم.
أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يحشرنا جميعا يوم القيامة تحت لواء نبينا، وأن يجمعنا مع أصحاب حبيبنا، رضي الله عنهم وأرضاهم.
وصلى الله وسلم وبارك على إمامنا ونبينا ﷺ.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده. وصلاة وسلامًا على من لا نبيّ بعدَه. إمامنا ونبينا محمد -صلى الله وسلم وبارك عليه- وعلى من تبعه وسار على نهجه.
أما بعد، عباد الله. فإن هذا الموضوع الذي نتحدث فيه اليوم من الأهمية بمكان. لأنه يتعلق بأصل عظيم من أصول عقيدة المسلمين، ألا وهو المُعتقد الصحيح فيما يجب لأصحاب النبي -صلى الله وسلم وبارك عليه-. مما يجِب لأصحاب النبي ﷺ الكَفّ والإمساك عما شَجَر بينهم.
موقف المسلم فيما شجر بين الصحابة من خلاف بينهم
بعد موت رسول الله ﷺ، وبعد موت الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه-. حدث بين الصحابة أمور. حدث بين الصحابة أشياء. كانت هناك بعض الفِتن. حدث هناك حروب. لم يشهدها إلا نفر قليل قليل من أصحاب رسول الله ﷺ.
موقف العبد المسلم من هذه الأحداث وجوب الإمساك. وتأمَّل: وجوب. لا استحباب ولا الندب. وإنما وجوب، يعني يجب على المسلم أن يُمسِك لسانه عما شجر بين الصحابة الكرام، وألا يخوض في شيءٍ من ذلك، وألا يدخل في شيء مما حدث بينهم. وإنما ينبغي عليه أن يعلم أنهم جميعًا من أهل الاجتهاد. فمن اجتهد منهم وأصاب له أجران، ومن أخطأ منهم فله أجر واحِد، وكلا وعد الله الحسنى، وكلا -رضي الله عنه-، وكلا أصحاب رسول الله -صلى الله وسلم وبارك عليه-.
لا يحُطّ ذلك من قدرهم، ولا يقلل هذا من شأنهم. فشأنهم في القرآن معظما، وفضلهم في الكتاب مذكورا مكرما، رضي الله -تعالى- عن جميعهم.
وكما قال الإمام أحمد، وقد سُئل: يا إمام، ما تقول ما حدث بين الصحابة الكرام؟ فقرأ الآية في سورة البقرة ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
وسُئل عمر بن عبد العزيز؛ ما تقول فيما حدث بين الصحابة الكرام؟ قال: هذه حروب طهَّر الله منها سيوفنا، فلنُطهر منها ألسنتنا.
وما أحسن ما قال القحطاني في نونيّته، وقد أجاد:
دع ما جرى بين الصحابة في الوغى — بسيوفهم يوم التقى الجمعان
فقتيلهم منهم وقاتلهم لهم — وكلاهما في الحشر مرحومان
دع ما جرى؛ يعني: دع عنك ما حدث بين الصحابة من الحروب والمعارك.. فقاتلهم منهم وقاتلهم لهم؛ يعني: القاتل والمقتول من الصحابة الكرام.
وكلاهما في الحشر مرحومان؛ يعني: من أهل رحمة الله رب العالمين.
فعلى العبد ألا يخوض في شيءٍ من ذلِك. وعليه أن يعلم أن الذين يخوضون في هذه الأمور من الكُتَّاب، ومن أنصاف المثقفين، ومن البرامج في الإذاعة والتلفاز، يعلم أن ذلك إنما يريدون أن ينالوا من أصحاب رسول الله وأن يشوهوا الصَّحائِف البيضاء النقية. والله -عز وجل- حائِلٌ بينهم وبين ما يريدون.
فرضي الله -تعالى- عن جميع أصحاب رسول الله -صلى الله وسلم وبارك عليه-.
خطورة سب الصحابة
واختم عباد الله؛ بهذا الأصل الأصيل، وبهذا الأمر الخطير، ألا وهو حرمة سَبّ أحدٍ من أصحاب رسول الله -صلى الله وسلم وبارك عليه-.
السب من الكبائر. فكيف إذا تعلَّق بأصحاب رسول الله! كيف إذا تعلق بمن شهد الله لهم بالخيرية! كيف إذا تعلق بحَملَة الشريعة! كيف إذا تعلق بنَقلة الوحي! كيف إذا تعلق بمن شهد الله لهم بكل خير ورضي عنهم وبشرهم بالجنة!
يقول المولى -عَزّ وجَل- في سورة التوبة ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْه﴾.
رضي الله عنهم جميعا، مع أنه عَلِم ما يكون بينهم ومنهم؛ ومع ذلك رضي عنهم جميعا -سبحانه وتعالى-.
يقول النبي ﷺ «لا تسبوا أصحابي؛ فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه».
يعني لو أنك أنفقت كجبل أحد، طولا وعرضا، وعمقا وارتفاعا ووزنا. لو أنفقت مثل أحد ذهبًا في سبيل الله. ورجلٌ من الصحابة ملأ كفّيه طعامًا من بُر، أو ملأ كفّا واحدا؛ فالصحابي أفضل من كل من جاء بعده إلى يوم القيامة.
يعني: مهما تفعلوا ومهما تصنعوا لن تبلغوا مقدار أحد من أصحاب محمد -صلى الله وسلم وبارك عليه-.
وفي الحديث «من سبّ أصحابي، فعليه لعنة الله والملائكة، والناس أجمعين».
وفي حديثٍ آخر «الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم عرضاً، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم».
وفي حديثٍ رواه ابن البناء «من سب أصحابي فقد سبني ومن سبني فقد سب الله». لكِن الشيخ عائض القرني قال فيه: هذا حديث موضوع، فلا يصح عن الرسول، وهو كذب وليس من كلامه صلى الله عليه وسلم.
وعمومًا؛ فإلى كل الذين ينالون من أحد من أصحاب رسول الله؛ أبشروا ولا بشرى لكم، عليكم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. بنص حديث رسول الله -صلى الله وسلم وبارك عليه-.
وقال عبد الله بن عمر: لا تسبوا أحدًا من أصحاب محمد. فلمقام أحدهم ساعة مع رسول الله أفضل من عمل أحدكم عمره.
أي: ساعة واحدة مع الرسول ﷺ أفضل من عبادة أحدنا عمره كله.
وجاء قومٌ إلى عائشة. قالوا: يا أم المؤمنين، إن أناسا يتناولون أصحاب رسول الله، حتى أبا بكر وعمر؛ يسبونهم، يلعنونهم، ينالون منهم، يقدحون فيهم. فقالت -رضي الله عنها-: وما تعجبون من ذلك! هؤلاء قومٌ -يعني الصحابة- انقطعت عنهم أعمالهم. فأحَبّ الله -تعالى- ألا ينقطع الأجر عنهم بعد موتهم.
يعني: في قبورهم ويؤجرون. يأخذون من حسنات من سبَّهم يوم العرض على الله رب العالمين.
فسَب الصحابة الكرام من أعظم الجرائم، ومن أكبر الكبائر. لأن سب الصحابة فيه طعنٌ في الصحابة الكرام، وفيه في رسول الله، وفيه طعنٌ في الدين، وفيه طعنٌ في الله رب العالمين.
الذين ينتقصون الصحابة يريدون هدم الإسلام؛ لأن الإسلام كدار لها باب، ولن يستطيع هؤلاء أن يدخلوا الدار إلا إذا كسروا هذا الباب. والصحابة هم باب الإسلام. فمن نال منهم نال من دين رسول الله، ومن أسقطهم وصل بذلك إلى رسول الله.
الطعن في الصحابة
الطعن في الصحابة طعنٌ في الإسلام. لأنه من الذي بلغ لنا القرآن عن رسول الله؟ من الذي نقل لنا الأحاديث عن رسول الله؟ الصحابة.
طعنٌ في رسول الله، حتى يُقال: رجل سوء صحب قوم سوء، ولو كان رجلا صالحا لصحب أناس من أهل الخير والصلاح.
طعنٌ في الله؛ لأن الله اختارهم لصُحبة رسول الله، وأثنى عليهم في القرآن. فمن طعن فيهم فكأنما يُكذب كلام الله -عز وجل-.
الغرض من الطعن في الصحابة ليس الصحابة، وإنما المراد الطَّعن في الإسلام، والطعن في القرآن، والطعن في رسالة الرسول، والطعن في ذات الله رب العالمين.
الدعاء
اللهم صل على محمد وآل محمد؛ نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يحشرنا يوم القيامة مع أصحاب رسول الله.
اللهم إنا نشهدك أنا نحب أصحاب نبيك، والنبي أخبرنا أن المرء مع من أحب؛ فاللهم احشرنا يوم القيامة معه، بحبنا إياه. حتى وإن لم نعمل بأعمالهم.
اللهم املأ قلوبنا محبة لأصحاب نبينا وإمامنا محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم اغفر للصحابة أجمعين، وارض عنهم جميعا يا رب العالمين.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا.
اللهم عليك بمن قَصَد الصحابة بسوء، اللهم عليك به يا رب العالمين. اللهم أرنا فيه آية، ولا ترفع له راية، وشل أركانه، واقطع لسانه، وجمد الدم في عروقه؛ إنك على كل شيء قدير.
اللهم اجعلنا لهم متبعين، وعلى نهجهم سائرين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمن والمؤمنات؛ الأحياء منهم والأموات.
اللهم إنا نسألك حسن الختام، والوفاة على مِلة الإسلام، وأدخلنا الجنة بسلام؛ واجعل آخر كلامنا من الدنيا: لا إله إلا الله محمد رسول الله ﷺ.
هذه كانت خطبة الأسبوع لهذه الجمعة عن عقيدة أهل السنة والجماعة تجاه أصحاب النبي ﷺ. ألقاها فضيلة الشيخ هاني مصطفى نجم -حفظه الله-. فما رأيكم باقتراحٍ نعتقد أنه سينال اهتمامكم أيضًا؛ وهو: فضائل أصحاب رسول الله ﷺ وحقوقهم رضي الله عنهم.. خطبة جمعة مكتوبة وجاهزة