ومع واحِدة من أهم خُطَب الجمعة للأُسرة والمجتمع المسلم عامَّة؛ وهي خطبة عن أسباب السعادة الزوجية. وهي —كالعادة— مكتوبة بالكامل، مع تنسيق متكامل —بمشيئة الله ﷻ— حتى يتمكَّن زوارنا الأفاضِل من الخطباء والأئمة من الحصول على كامل الفائدة من لدُنّا؛ وذلك من خلال اطلاعهم المباشر على الخطبة على صفحة موقع المزيد.كوم، أو بطباعة الخطبة على أوراق ملموسة يستعين بها الخطيب عند إلقاءه لخطبته من على المنبر، أو حتى مشاركتها مع الزملاء الخطباء في مجموعات الواتس آب أو الفيس بوك، وغيره من مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي.
لن تنتظروا طويلا؛ فقط، قوموا بالنزول قليلًا للأسفل لقراءة هذه الخطبة المُبارَكة.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهْدِهِ الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبد الله ورسوله نشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف علينا من الدين الغمة، وجاهد في الله حق الجهاد، فصلوات الله وسلامه على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد… فيا أيُّها المؤمنون، اتقوا الله حق التقوى..
الخطبة الأولى
عِبادَ الله، إن الله ﷻ جعل بيت الزوجية سَكَنًا للعباد، وجعله سكنًا للرجل، وجعله سكنًا للمرأة، وبيت الزوجية إنما يقوم على إسعاد كل من الزوجين للآخر، وعلى أن يكون ذلك البيت سعيدًا متوافقًا، أرواحه متوافقة غير مختلفة، والأرواحُ جُنودٌ مُجَنَّدَةٌ، ما تَعارَفَ منها ائتلف، وما تَناكَرَ منها اختلف» كما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ.
ولم يتزوج رجل ولم تتزوج امرأة إلا وهي تطلب كمال سعادتها وكمال سعادته، وهو يطلب كمال راحته وكمال سَكَنه وطمأنينته، فالرجل والمرأة متكاملان خلق الله ﷻ كلا منهما للآخر، فالرجل والمرأة يُسْعِدُ كل منهما الآخر، وإذا قام البيت على إسعاد كل من الزوجين للآخر، كانت نفس المؤمن مطمئنةً وكانت نفس الرجل مطمئنة سعيدة يمكنها أن تقوم بالأعمال الواجبة التي أوجبها الله عليها من العمل وغيره مما هو من مُقْتَضَيات الرعاية للبيت، وإذا كان البيت مختلا فإنه يكون من ذلك الخلل ما يُعكّر صَفْوَ الحياة، وكل من الرجل والمرأة لم يتزوج إلا لأجل أن يكون سعيدًا في ذلك، ولكن كثير من البيوت وكثير من الأزواج والزوجات يَحْصُل بينهم عدم توافق ويحصل بينهم اختلاف، ويحصل بينهم عدم رضا، وتكبر المشاكل شيئًا فشيئًا، ثم يكثُر السؤال ويوسّطون لحل المشاكل، ويكون البيت بدل أن يكون بيتا للسعادة يكون بيتا فيه كل عَكَر أو فيه كل يأس، أو فيه ما يُنغص الحياة بجميع أنواع ذلك.
وأرى أن السبب في ذلك هو عدم رعاية ما جاء في النصوص مما تقوم به البيوت الزوجية، وما يكون به الإسعاد؛ لأن الشرع جاء لإسعاد الناس جميعًا، وإذا راعينا الشرع وطبقناه وامتثلناه وسرنا به فإننا نكون سعداء، وما يكون الناس في بُعدِ عن السعادة في أمورهم الخاصة ولا أمورهم العامة إلا لأجل تفريطهم في أوامر الله ﷻ، أو ارتكابهم لما نهى الله ﷻ عنه؛ فإن الوفاق والسعادة الزوجية مبنيان على أسباب ذكرها الله ﷻ وبينها رسوله ﷺ فيما بيَّن من مُجمَل القرآن، ومن أسباب الوفاق التي جاءت الإشارة إليها في الأحاديث النبوية:
ترك الغضب والتغاضب بين الزوجين؛ فإن النبي ﷺ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، أوصني.
فقال: «لا تَغضَبْ». فردد ذلك مرارًا، والنبي الله يقول له: «لا تغضب» رواه البخاري وغيره.
قال أهل العلم: معنى قوله: «لا تغضب»: لا تفعل الأسباب التي تجلب الغضب، ولا تأخذ بمقتضى الغضب بعد وقوعه؛ فإن امتلاك النفس عند الغضب من صفات العقلاء، ومن صفات المتقين كما قال ﷻ في صفات المؤمنين: ﴿وَإِذَا مَا عَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ [الشورى]. وكما قال: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الغيظ﴾ [آل عمران: ١٣٤].
فالتغاضب بين الرجل والمرأة لأدنى الأسباب ولأتفهها كثيرًا ما يترتب عليه أشياء، وتتناكر النفوسُ شيئًا فشيئًا، ويوما بعد يوم، حتى يكون بعد المحبَّةِ البُعْضُ والكراهية، والنبي ﷺ أوصى بعدم الغضب، يعني بعدم الأخذ في أسباب الغضب؛ فإن الغضب له أسباب تثيره، فإذا راعت المرأة ترك الأسباب التي تثير غضب الزوج وترك الزوج الأسباب التي تثير غضب المرأة، يعني في أمور الدنيا، فإن ذلكم فيه ما يكون به أسباب الوفاق.
وعماد ذلك أن يكون المرء متغافلا؛ إن إحقاق الأمور على آخرها، وأن يريد كل من الرجل أو المرأة ما يتمناه تاما وألا تتسامح المرأة في شيء، وألا يتسامح الرجل في شيء؛ هذا فيه ترك للتغافل، وتركُ التغافل شرّ، كما أن الغضب مفتاح كل شر؛ كما قال جعفر بن محمد.
وسئل ابن المُبَارَك عن حُسْن الخُلُق، فقال: حُسن الخُلق تَرْك الغضب.
وكذلك حسن الخلق وعماد السعادة في المعاملات في البيت وفي غيره التغافل، وقد قال الإمام الشافعي —رحمه الله تعالى—: الكيس العاقل هو الفَطِن المُتَغَافِل ولما قيل للإمام أحمد: إن فلانًا يقول: العافية عشرة أجزاء، تسعة منها في التغافل، قال الإمام أحمد: العافية عشرة أجزاء، كلها في التغافل أخذ ذلك مما جاء عن عائشة —رضي الله عنها— أنه دخل رَهْطُ من اليهود على رسول الله ﷺ فقالوا: السام عليكم. قالت: ففَهمْتُها فقلتُ عليكم السام واللعنة. فقال رسول الله ﷺ: «مَهْلًا يا عَائِشَةُ؛ فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرَّفْقَ فِي الأمْرِ كُلِّهِ». فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ ما قالوا؟ قال رسول الله ﷺ: «فَقَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ».
وقال ﷺ لعائشة —رضي الله عنها—: «إِنَّ الرَّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» وقال ﷺ لها: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرَّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ». وإن عماد الرفق التغافل، فإن الرجل قد يرى من المرأة على غفلة ما لا يَسُرُّه من أمور دنياه، وقد ترى المرأة من الرجل ذلك، وإذا رأى الزوجان ذلك فإن عليهما أن يتغافلا؛ أن يغفل هذا ما رآه، وأن تغفل تلك ما رأت.
أما إذا أخذ الرجل زوجه بإحقاق كل ما رأى، وتقصي الأمور إلى آخرها، فإن ذلك بعد عن التغافل، والخير كله في التغافل؛ لأن استقصاء الأمور لا يمكن أن يكون إلا فيما نَدَرَ، وانظر إلى زوجات النبي ﷺ كيف طالبنه بالنفقة، حتى شَقَّ ذلك عليه، وحتى وقع ذلك في نفسه، فهجر رسول الله ﷺ بيته شهرا كاملا من جراء ما فعل به أزواجه عليه الصلاة والسلام.
إن المرء المتغافل يَكْسِب خيرًا كثيرًا في بيته، فليتغافل عن كلمةٍ سمعها لا تسره من امرأته؛ فإنه إذا كان ذلك تَعَدَّتْهُ الكلمة ولم تؤثر فيه، وكذلك المرأة لتتغافل عن الرجل؛ فإنها إذا تغافلت عن كأنه لم يسمع كانت الحياة على قوامة صحيحة، والرجل نفس بشرية، والمرأة كذلك لها متطلباتها، تغضب وترضى وتَحِنّ وتكون متكدرة بعض الأحيان.. وهكذا، فإذا لم يرع كل واحد من الزوجين هذه الأمور النفسية وقعت المشاكل، وبالعلم والعقل ومتابعة الشرع قبل ذلك يكون الخير كله.
ولهذا، نرى أن من الناس من لا يرعى حالات الغضب عند الرجل من المرأة، وحالات الغضب عند المرأة من الرجال، فإن المرأة فيها أحوال بدنية وتركيبات نفسية وعضوية تؤدي بها إلى أن يكون في نفسها الغضب، وربما تكون نفسها متعكرة فتغضب لكلمة فلا تنفّذ، أو تكون متعكرة فتقوم تعاكر الزوج ولا تطلب رضاه، وهذا لأنه تأتيها بعض الحالات عند بعض النساء ما يكون من طغيان الحيض عند المرأة أو بعض النفسيات المعروفة، فينبغي للرجل الذي يريد سعادته في بيته أن يعرف أحوال زوجه.
ولكل امرأة أحوال، ولكل رجل أحوال، فإذا رأى ذلك تجنب ما يسخطه، وتجنب ما يسبب إسخاطه، وتجنب ما يسبب تعكير حياته، والحياة حياتك، فإن أنت تَمَهَّلْتَ وتغافلت وعلمت حال المرأة فإن ذلك يكون به السعادة، وكذلك المرأة لا بد أن ترعي حال الزوج؛ لأن الزوج ربما أتى من مخالطة الرجال في العمل ونفسه غَضُوبة أو نفسه متعكّرة، وهو يريد بيتًا هادئًا يكون فيه سعادته، ويكون فيه سكنه، فإذا لم ترع المرأة هذه الأحوال وأرادت أن يكون الرجل لها في حال التعب كحال السرور والرخاء، فإن في ذلك حملًا له على غير طبيعته التي خلقه الله ﷻ عليها.
وهكذا أيها المؤمنون، إن رعاية الحال النفسية فيما بين الرجل والمرأة تسبب خيرًا كثيرًا، فإذا رعى الرجل زوجه، وإذا رعت المرأة زوجها كان ذلك من أسباب الخير في نفسية كل واحد منهما؛ رعايته لحال رضاه ولحال غضبه.
ومن أسباب الوفاق أن يكون المرء ناظرًا من جهة زوجته إلى الأخلاق الحسنة التي فيها، ويعظم ذلك إذا رأى أن هذه الصفات الحسنة أكثر من الأخلاق التي هي سيئة فيها، وكذلك المرأة تنظر في الرجل إلى أخلاقه الحسنة وإلى ما تَسَبَّبَ لها من جهته من الخير، فتعظم ذلك في نفسها، وتغفر له الزلات، كما أن الرجل يغفر للمرأة الزلات، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال: «لا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مؤمنةً، إذا كرة منها خُلُقًا رضِي منها آخر».
يعني: لا يُبْغِضُ مؤمن مؤمنة في بيت الزوجية؛ فإنه إذا كره منها خُلقًا نظر إلى أخلاقها الأخرى التي ترضيه، ما دامت الأرواح متوافقةً فإنه يعجبه ذلك ويُسَرُّ به، وعماد ذلك أن يعظم الرجل الحسنات التي يراها، ويقلل السيئات، ويعظم الأخلاق الحسنة، ويقلل من شأن الأخلاق السيئة حتى يقوم في قلبه حبُّ زوجته ومودتها، وكذلك المرأة تعظم الأخلاق الحسنة في زوجها وتقلل من شأن الأخلاق السيئة فيعظم في قلبها الرجل بما حببت إلى نفسها من شأنه، وهذا امتثال لنهي النبي في قوله ﷺ: «لا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً».
ومقتضى ذلك لا تَفْرَكُ مؤمنة مؤمناً، يعني لا يُبغض المؤمن المؤمنة، ولا المؤمنة المؤمن، بل إذا كره منها خُلقا رضي منها خلقا آخر. ولهذا قال بعض السلف: إذا سَرَّتْكَ الحسنة من زوجك فعظم ذلك في نفسك؛ فإنه أجلب لسعادتك، وإذا نظرت إلى السيئة من زوجك فقلل ذلك في نفسك؛ فإن تقليل ذلك أعظم لسعادتك.
وإذا رأينا كثيرًا من البيوت وكثيرًا من العلاقات الزوجية، وجدنا أن الرجل يرى من امرأته ربما دمامة في الخلقة، ويرى ربما منها عدم قيام بشؤون البيت كما ينبغي، وربما رأى من النساء أو سمع عمن هنَّ أحسن خلقة من زوجته، فيعظم ذلك في نفسه، ويُعقبه ذلك كراهية لها، وذلك ليس مما أمر به النبي، بل إذا كرهت منها خُلقًا أو خَلقًا ربما رَضِيتَ منها خلقا آخر ما دامت الأرواح غير متنافرة وغير مختلفة، والأرواح كما قال النبي ﷺ: «جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، مَا تَعارَفَ مِنْهَا اخْتَلَفَ، وَمَا تَناكَرَ منها اخْتَلَفَ».
أيضًا من أسباب الوفاق: عدم الشح من الرجل في النفقة على أهله، وكذلك عدم مطالبة المرأة بالنفقات ما لا يقدر عليه الزوج؛ فإن في بيوت الزوجية ما يكون الرجال فيه شَحِيحِينَ على النساء، فيُعقب ذلك النساء بغضًا لأزواجهن وكراهية لهم، وإذا كرهت المرأة الزوج ربما لم تقم بحق الله الذي أمرها به تجاه زوجها، كذلك المرأة عليها أن تكون في طلب نفقاتها غير مُرْهِقَة للرجل، وغير ناظرة إلى غيرها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «انظُروا إلى مَنْ هُوَ دُونَكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَىٰ مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَلَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ﷻ»
وقد قال ﷺ أيضًا كما ثبت ذلك في الصحيح عن النساء: «يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ» فترى المرأة من الرجل يومًا واحدًا يسوؤها، وقد أسبغ عليها خيره في أيام وسنوات طوالا، فتقول: ما رأيت منك خيرًا قطّ، فيكون ذلك منها كفرًا للعشير، وكفرًا للنعمة؛ فإن النعمة تستحق أن يُشكر من أسداها، والذي أسدى النعم هو الله ﷻ، ثم من أجرى النعم على يديه من الزوج فيما يُنفق على زوجته، ومن الزوجة فيما تقوم به لزوجها.
وقد مر النبي ﷺ على نسوة مسلّما عليهن فقال لهن: «إِيَّاكُنَّ وَكُفْرَ الْمُنْعِمِينَ». قلن: يا رسول الله، وما كفر المنعمين؟ قال: «لعلَّ إحداكنَّ أن تطول أَيْمَتُها بينَ أَبَوَيْها وتَعْنَسَ، فيرزقها الله على زوجًا ويرزقها منه مالا، وولدا، فتَغْضَب الغضبة فراحت تقول: ما رأيتُ منه يومًا خيرا قط».
فعلى المرأة أن ترعى شكر زوجها، وأن تعلم أن الرجل ربما لم ينشط للإنفاق، ولم ينشط للإعطاء، أو ربما لم يكن عنده ذلك في كل أيامه، والرجل إذا كان كذلك فإن المرأة تصبر عليه، وهو إذا صبر واحتسب ورام الفضل من الله؛ فإنه يوسع عليه، أما إذا كان في الجهة الأخرى، والله ﷻ أعطى وهو يمنع زوجه الحق الذي فرضه الله لها في قوله: ﴿وَلهَنَ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، يعني بما أنفقوا، وبما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أتى الله الرجال من المال؛ فإن الرجل إذا شح وبخل بالحق الواجب فإنه يكون مقصرًا، وقد تكون عقوبته في تعكير حياته التي في بيته، وفي اختلاف زوجه عليه و اختلاف العلاقة فيما بينهما.
كذلك —أيها المؤمنون— عماد الأسباب في قيام الحياة الزوجية السعيدة في البيوت أن تقام البيوت على تقوى من الله، وأن تقام البيوت على رضوان من الله، أما إن قامت البيوت على تفريط في الواجبات والرجل يسكت عن تفريط زوجه والمرأة تسكت عن تفريط زوجها، فإن البيوت إذن لم تقم على رضوان كامل من الله ﷻ، وإذا كان كذلك ربما عُوقب أهل البيت بالاختلاف فيما بينهم؛ لأن الله المرأة التي تعين زوجها على الخير، ويحب الله الرجل الذي يأمر أهله بالخير، وقد قال ﷻ: ﴿وَأمُر أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْتَلْكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه].
فمن الخلل الذي يكون في البيوت أن تكون المرأة متساهلة مع زوجها، فتراه ينام عن الصلوات ولا يؤديها في أوقاتها وتسكت عن ذلك ولا تحته، وكذلك الرجل يرى زوجته ترتكب بعض المنهيات من أنواع اللباس أو من أنواع النظر، أو من أنواع المخالطة المحرمة، أو تترك بعض الواجبات كأداء الصلاة في أوقاتها، أو كالطمأنينة فيها، ونحو ذلك، ولا يقوم بيت الزوجية بالمناصحة فيما بين الزوج والزوجة، فعند ذلك ربما يقع الاختلاف.
وعماد ما ذكرتُ جميعًا أن البيوت الزوجية إذا كانت على علم من الرجل وتعليم، وعلم من المرأة وتعليم، قامت البيوت على أحسن ما يكون، ولا يمكن أن يتصور بيت لا مشكلة فيه ولا اختلاف فيه، ولكن بحُسْن عقل الرجل، وقبل ذلك متابعته للشرع، وكذلك تعقل المرأة وعلمها بحقوق زوجها، وحقوق بيت الزوجية، وأن الله ﷻ جعل للرجل على المرأة درجة، وأنه يجب عليها أن تطيعه؛ فإن ذلكم إذا رُوعي قامت أسباب السعادة، وإذا تُرك ذلك قامت أسباب الاختلاف، ولهذا ينبغي أن يعلّم الرجال النساء ما فرض الله عليهن، وأن تقوم البيوت على طاعة الله ﷻ.
ثم من أسباب الاختلاف أن تكون المرأة ناظرة إلى أنها مساوية للرجل في جميع شؤونها، فترى أن لها أن تخرج متى ما أرادت وأن تزور من شاءت دون رضا الرجل، ويأتي الزوج إلى بيته لا يدري أين ذهبت امرأته، وهذا من جراء التفريط فيما أمر الله ﷻ به وأمر به رسوله فإن النبي ﷺ أمر المرأة بطاعة زوجها، ونهاها عن أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه.
وتساهل الرجل فى أول الأمر ربما نَغَّص عليه الأمر بعد مُضِيّ سنوات من الزواج، فالرفق الرفق، والحكمة الحكمة في معاشرة النساء، وفي أن يُصلح الرجل زوجته بما يرضى منها، ويكون ذلك في مبتديات الحياة الزوجية، أما إذا تساهل فربما استعصى العود عن أن يُلان بعد ذلك، وهذا معروف ونذكره لكثرة ما سمع من المشاكل الزوجية، ومن كثرة وقوع الطلاق في الناس في هذه الأيام والقضاة يشكون في هذه الأيام من كثرة وقوع الخلافات، وكثرة الطلاق بين الناس، وذلك راجع إلى عدم تفهم الشرع، وعدم تفهم الحقوق التي فرض الله ﷻ لكل من الزوجين على الآخر، وكذلك ضعف العقل أو عدم الحكمة فيما بين الزوجين، أو ما ذكرت من الأسباب، والأسباب كثيرة.
ثم أيها المؤمنون، كل واحد له في بيته أسباب ربما لا تكون كأسباب الآخرين، فعليه أن يتحرى العلاج بالحكمة، وبما يوافق الشرع، فإن في ذلكم قيام البيوت على السعادة. أسأل الله ﷻ أن يجعلنا وإياكم وأزواجنا من الذين يتابعون الشرع، ويؤمنون بما أنزل الله، ويعملون بذلك، ويطبقونه على أنفسهم، وأن يُلْزِمَنَا كلمة التقوى في السر والعلن، وكلمة الحق في الغضب والرضا، وأن يلزمنا النَّصَفَة من أنفسنا، فإن في ذلكم الخير لنا، نسأل الله أن يَمُنَّ علينا بذلك.
واسمعوا قول الله ﷻ أعوذُ باللهِ مِنَ الشيطان الرجيم بسم اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه حقا وتوبوا إليه صدقًا، إنه هو الغفور الرحيم.
بالمُناسبة؛ تجدون هنا أيضًا: خطبة النكاح مكتوبة pdf لكل مناسبة عقد قران «زواج»
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد.. فيا أيها المؤمنون، اتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة، وعليكم بلزوم التقوى في السر والعلن في الخلوات وفي الإعلان وفي الإسرار، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران].
هذا واعلموا أن الله ﷻ أمركم بالصلاة على نبيه في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب].
وهنا تجِد الأسرة سكن ومودة — خطبة الجمعة مكتوبة وجاهزة ومُنسَّقة
الدُّعـاء
- اللهمَّ صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهمَّ عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين..
- اللهمَّ أَعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك الموحدين، يا أكرم الأكرمين.
- اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ودلهم على الرشاد، وحبب إليهم الخير وبغض إليهم الفساد، يا أكرم الأكرمين. اللهم نسألك أن ترفع عنا الربا والزنا وأسبابه، وأن تدفع عنا الزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلادنا هذه بخاصة، وعن سائر بلاد المؤمنين بعامة يا رب العالمين.
- اللهم إنا نسألك، وأنت خير مسئول، وأنت المجيب لمن سأل، المجيب لمن دعا، المعطي من سأل.
- اللهم نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تُوَفِّقَنا إلى ما تحب وترضى.
- اللهم وفقنا قبل الممات إلى عمل نَزْدَلِفُ به إلى رضاك يا أكرم الأكرمين، نعوذ بك اللهم من موت على عصيان، نعوذ بك اللهمَّ من موت على عصيان، ومن موت قبل التوبة، فنسألك أن توفقنا قبل الممات إلى ما به ترضى عنا يا أكرم مسؤول، نحن الفقراء وأنت الغني نحن المذنبون وأنت العفو فاعفُ عنا يا أكرم الأكرمين، ووفقنا إلى توبة نصوح قبل الممات يا أجود الأجودين.
عبادَ الرَّحمَن ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل]؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يَذْكُرْكُم، واشكروه على النعم يَزِدْكُم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت].
وأقِـم الصَّـلاة..
وبعد؛ فقد كانت هذه يا أكارم خطبة عن أسباب السعادة الزوجية، والتي ألقاها فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، ونحن —بدورنا— نوفرها لكم هاهُنا مكتوبة كاملة. والتي قد تناول فيها —فضيلته— أمور الخلافات الأسرية والعشرة الزوجية، وآداب وفن التعامل بين الزوجين في ضوء ما أوصَت به الشَّريعة الإسلامية في آيات قرآنية ووصايا نبوية مبارَكة.
حتى أنه يمكنكم الاستعانة بهذه الخطبة حين ترغبون في إعداد محاضرة عن الحياة الزوجية السعيدة، ومقوماتها.
وللتنويه؛ فيُمكنني أن أقترح أيضًا أن يكون عنوان خطبة الأسبوع هذه: خطبة ﴿وجعلنا بَيْنَكُمْ مودة وَرَحْمَةً﴾. أي في ضوء هذه الآية الكريمة.
كما أود أن أترككم مع اقتراحي الأخير هنا، وهي خطبة عن المشاكل الزوجية.. تحت عنوان «وجعل بينكم مودة ورحمة». نسأل الله ﷻ أن يعم السعادة والمودة والرحمة كل بيوت وأُسَر وعائلات المسلمين؛ اللهم آميـن.