كم مرَّة رأيت مسلمًا محافظًا على أن يردد أذكار الصباح والمساء في يومه؟ للأسف، كثير من المسلمون -إلا ما رحم ربي- لا يعرف فضل هذه الأذكار ودورها وأهميتها في حِفظ المسلم؛ نفسه وماله ودينه ودنياه. لذلك؛ نوَد اليوم أن نوفر لخطبائنا الأجلاء خطبة عن أذكار الصباح؛ وهم -بدورهم- يسوقونها إلى كافَّة المسلمين من على المنابر في الجوامع ودروس العلم والمحاضرات الدينية.. حتى يعم النفع والفائِدة.
مقدمة الخطبة
الحمد لله العزيز الرحيم، رب السماوات ورب الأرض رب العرش العظيم؛ الذي أعطى كُل شيءٍ خلقه ثم هَدى، وميَّز الناس بالعقول والنُّهى.
وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة الموحدين، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله وصَفوتُه من الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعه مُخلصًا إلى يوم الدِّين.
أما بعد: فاتقوا أيها المؤمنون؛ فإن الله ﷻ أمركم بِتقواه، وجعلها سِر نجاتكم والحصول على رضاه.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (١٠٢)﴾ [آل عمران].
الخطبة الأولى
واعلموا -رحمكم الله- أنَّ الله ﷻ لم يخلقنا ليستكثر بنا مِن قِلَّة، ولا ليَستعِز بنا من ذِلة، وإنما خلقنا لعبادته؛ قال الله ﷻ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)﴾ [الذاريات].
ولم تَزْل طريقة الشريعة: دوام التذكير بهذه الحقيقة صباح مساء، في مسالك مُختلفة، تُوقظ القلوب وتُنبهها أنَّ المُراد من وجودها في هذه الحياة: عبادة الله ﷻ.
ومن جملة ذلك: ما كان من هَدْيه ﷺ، وصار سُنَّة لمن بعده:
أنه كان ﷺ إذا أصبح قال: «أصْبَحْنا عَلَى فِطْرَةِ الإسْلاَمِ، وَعَلَى كَلِمَةِ الإِخْلاَصِ، وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ».
فلم تكن هؤلاء الكلمات الأربع من هَدْيه الدائم ﷺ إلا لإيقاظ النفوس، وتعريفها بأنَّها في هذه الدنيا موجودة لعبادة الله ﷻ، وأن مما يُحيي ذلك في القلوب: تذكارها بهؤلاء الكلمات الأربع؛ التي يُعلِن العبد فيها: أنَّه أصبح مُصبِحًا على فِطرة الإسلام، وعلى كلمة الإخلاص، وعلى دين نبينا مُحمد ﷺ، وعلى مِلَّة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
فأما فِطرة الإسلام: فهي قبول التوحيد، وإرادة الهِداية والحق، باعتقاد الاستسلام لله ﷻ؛ فهذه هي فِطرة الله ﷻ التي فطر الخلق عليها؛ بأن تكون قلوبهم سليمة مُريدة للحق، راغبة فيه، مُذْعِنة بالاستسلام لله ﷻ؛ لأنَّه خالقها ورازقها ومُدبرها؛ ومتى وَعَتْ هذا لم يكن لها تَوجُّه إلى غيره ﷻ.
ولهذا ناسب أن تُرادف فِطرة الإسلام بالتذكير بكلمة الإخلاص، وهي (لا إله إلا الله)، التي يُعلن فيها العبد أنَّه لا معبود حق إلا الله.
فإن أنواع المعبودات في الدنيا كثيرة، وكُلها معبودات باطلةٌ، وليس فيها معبود حق إلا الله ﷻ، فمن عبده كان مُخلصًا للدين له؛ إذ لا يُشرك معه غيره ﷻ.
وإذا قال العبد بعد ذلك: (وعلى دين نبينا محمد ﷺ)، فإنه يُعلن البراءة من سائر الأديان؛ فإن الدين الذي رضيه الله ﷻ لنا هو دين الإسلام؛ قال ﷻ: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: ١٩].
وقال ﷻ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ﴾ [المائدة: ٣].
فلا يُقبل من العبد دين سوى الإسلام، ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥)﴾ [آل عمران].
فالدين المقبول من العبد بعد بعثة النبي ﷺ هو دين الإسلام؛ الذي جاء به أبو القاسم ﷺ.
فكُل دين بعد دينه منسوخ، وكُل شَرْعٍ بعد شرعه ممسوح، ولا يقبل الله ﷻ من الخلق كافة إلا أن يدينوا له بالدين الذي بَعَث به مُحمدًا ﷺ.
ثم يقول العبد بعد ذلك: (وعلى مِلَّة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حنيفًا مُسلمًا، وما كان من المُشركين).
وحقيقة حَنِيفِيَّته عليه الصلاة والسلام: إقباله على الله ﷻ، وتعلقه به، ووثوقه بأمره ونهيه؛ فلا يكون في قلب العبد إقبال على غير الله؛ فتوكله وإرادته وخضوعه ومحبته كُلها لله ﷻ، واستعانتهُ واستغاثتهُ واستعاذتهُ كُلها بالله ﷻ.
فهؤلاء الكلمات الأربع التي كانت هَديه ﷺ إذا أصبح، وصارت من بعده ذِكرًا من أذكار الصباح = إعلان بالعبودية الكاملة لله ﷻ؛ إذ يقول العبد: (أصْبَحْنا عَلَى فِطْرَةِ الإسْلاَمِ، وَعَلَى كَلِمَةِ الإِخْلاَصِ، وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ).
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العليَّ العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
ستنتفعون أيضًا بالاطلاع على: أذكار الصباح والمساء الصحيحة وفضلها بالأدلة وبيان الضعيف وما لم يثبت منها
الخطب الثَّانية
الحمد لله حمدًا حمدًا، والشكر لله تواليًا وتَتْرًا، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له معبودًا حقًا، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صِدقًا.
اللهم صلَّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيدٌ.
أما بعد: أيها المؤمنون!
إن قول أحدنا إذا أصبح: (أصْبَحْنا عَلَى فِطْرَةِ الإسْلاَمِ، وَعَلَى كَلِمَةِ الإِخْلاَصِ، وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، حَنِيفاً مُسْلِماً، وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ) هو عقد بين العبد وربه.
وقد قال الله ﷻ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١].
وقال ﷻ: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ﴾ [النحل: ٩١].
فَجَريان اللسان بذلك ينبغي أن يُقارنه اعتقاد القلب، مع عمل الجوارح والأركان؛ بأن يكون العبد مُمتثلًا لحقيقة هذا العهد الذي يُردده بلسانه؛ بأن يكون على فِطرة الإسلام، وعلى كلمة الإخلاص، وعلى دين محمدٍ ﷺ، وعلى مِلة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
فتكرارها كُل صباح تذكير بهذا العهد، وإعانة على الوفاء به؛ فينبغي للعبد أن يجتهد في الوفاء بهذا العهد، وأن يَتَفَطَّن لمعانيه، وأن يعمل بما فيه، وأن يَذكُر نعمة الله ﷻ عليه السلام:
- فأنت قد أصبحت على فِطرة الإسلام وغيرك قد أصبح وقد غُيِّرت فِطرته وبُدِّلت.
- وأنت أصبحت على كلمة الإخلاص، وغيرك قد أصبح على كلمة الشِّرك.
- وأنت قد أصبحت على دين محمد ﷺ، وغيرك قد أصبح على غير دينهِ.
- وأنت قد أصبحت على مِلة أبيك إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وغيرك لم يُصبح على تلك المِلَّة.
فاعرفوا اقَدْر ما وصل إليكم من النعمة، وقوموا بشكرها؛ قال سفيانُ بن عُيَيْنة: «مَا أَنْعَمَ اللَّه عَلَى خَلْقِهِ نِعْمَة أَعْظَم مِنْ أَنْ عَرَّفهم لَا إلَهَ إلَّا اللَّه».
فاعرفوا نعمة الله عليكم؛ إذ جعلكم مُصبحين على فِطرة الإسلام، وعلى كلمة الإخلاص، وعلى دين محمدٍ ﷺ، وعلى مِلة أبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
فإن هؤلاء النعم لا يَعدِلها شيء من النعم، وإذا فات غيرها لم يكن ذلك ضارًا بالعبد، وإن فاتت هؤلاء الأربع كانت خسارة العبد في الدنيا والآخرة.
وهنا: خطبة الجمعة حول ذكر الله وفضله؛ مُصدقة بآيات قرآنية وأحاديث نبوية
الدعاء
- اللهم اجعلنا ممن يصبح على فِطرة الإسلام، وعلى كلمة الإخلاص، وعلى دين محمدٍ ﷺ، وعلى مِلة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حنيفًا مُسلمًا وما كان من المشركين.
- اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام نائمين.
- اللهم حبب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من عبادك الراشدين.
- اللهم حبب إلينا إتيان الخيرات، وأعِنا على فعل الحسنات، وباعد بيننا وبين المعاصي والسيئات.
- اللهم أحينا على خير حال، وتوفنا على خير حال، واقبلنا جميعًا إلى خير المآل.
- اللهم أحيِنا على الإسلام والسُّنَّة، وتوفنا على الإسلام والسُّنَّة، واحشرنا جميعًا في حِزب عبدك ورسولك محمد ﷺ.
- اللهم فَرِّج كُرب المكروبين، ونَفِّس هموم المهمومين، واقْضِ الدين عن المدينين، واشفِ مَرَضَنا ومرضانا ومرضى المُسلمين.
- اللهم وفق وليّ أمرنا بتوفيقك، وأيِّده بتأييدك، وارزقه البطانةَ النَّاصحة الصالحة، وجَنِّبه بطانة السوء.
وأقِـم الصَّـلاة..
إلى هنا إخواني، نكون قد وصلنا إلى نهاية صفحتنا تلك، والتي قدَّمنا لكم فيها خطبة عن أذكار الصباح، بعنوان: الميثاق الحصين. والتي ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي -جزاه الله خيرا-. وهذه أيضًا خطبة عن السحر والعين والمس والحسد.. الوقاية والشفاء. نفعني الله وإياكم بكل خطبة ودرس ومحاضرة نوفرها لكم.