نسعى اليوم أن نُقدِّم لكم المزيد من خطب الجمعة حول موضوع الصلاة. واليوم لدينا أُخرى قويَّة ومؤثرة، معنا خطبة عن أحوال الناس مع الصلاة. هذه الخطبة نوفِّرها لكم مكتوبة ومُنسَّقة ومشتملة على ما يلزمها ويدعمها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الصحابة والسلف وفعلهم.
نعم، فموقع المزيد وقسمه الخاص بخطب الجمعة والخطب المحفليَّة –ملتقى الخطباء– يسعى دومًا أن يوفر لكم ما تنشدونه وتبحثون عنه من خطب لتلقونها من على المنابر في المساجد في شتى بقاع الأرض، لتثبتوا المطيع وتنبهوا العاصي وتنشروا -بدوركم- الإسلام وتعاليمه وتبينوا واجباته ونواهيه.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
الخطبة الأولى
أما بعد؛ فيا عباد الله؛ اتقوا الله، اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
واعلموا -يرعاكم الله- أن الصلاة عمود الإسلام، وهي أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائِر عمله، والصلاة -يا عباد الله- شُرِعَت مباشرة للحبيب -صلى الله عليه وسلم- في ليلة الإسراء والمعراج؛ فقد خاطبه ربه -سبحانه وتعالى- وفرض عليه الصلوات الخمس، مما يدل على أهميتها.
والصلاة شُرِعَت قبل الهجرة، أما سائل شعائر الإسلام فشُرِعَت بعد هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
ومن أراد أن ينظر إلى منزلة الإسلام في قلبه ونفسه فلينظر إلى منزلة الصلاة في قلبه وفي نفسه؛ نعم يا عباد الله، أمر الله -جل وعلا- بالمحافظة عليها وبإقامتها بأركانها وشروطها؛ قال الله -جل وعلا- {حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين}.
فالله -سبحانه وتعالى- يحث عباده، كما قال ابن جرير: هذا خطاب لجميع الأمة أن تحافظ على الصلاة في أوقاتها.
وإذا تأملنا إلى أحوال الناس مع الصلاة نجد أنهم ينقسمون إلى أقسام.
الخاشعون
منهم من حضر إلى الصلاة حضر ببدنه وقلبه، تهيأ للصلاة، قلبه معلق بالمساجد، يعلم أنه سيقف بين يدي الله -جل وعلا-، ويعظم خالقه -سبحانه وتعالى-، ويستعد الصلاة استعدادا كاملا، ويخشع في صلاته، والخشوع وهو حضور القلب بين يدي الله -جل وعلا-؛ ينطبق عليه قول الباري -عز وجل- {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون}.
وذهب جمع من أهل العلم إلى وجوب الخشوع في الصلاة، مستدلين بأدلة، منها هذه الآية؛ وممن قال بهذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بل ذكر أن العلماء اختلفوا إلى قولين في حكم من صلى ولم يخشع في صلاته؛ منهم من قال أنه يعيد الصلاة، والقول الثاني أنه لا يعيد؛ وهذا هو الصحيح، لكنه لا يدرك من الأجر والثواب إلا ما حضر به قلبه في صلاته، إلا ما استحضر من معاني الصلاة، واستشعر معاني الآيات والذكر الذي يقوله في صلاته.
المقصرون
والقسم الثاني من أنواع الناس في الصلاة، يحضرون إلى الصلاة ولكنهم لا يحسنون ركوعها ولا سجودها، ولا يخشعون بها، يبيعون ويشترون في الصلاة. حضرت الأبدان لكن القلوب في غفلة وسهوٍ ولهوٍ وبيع وشراء، ولا يحسن من صلاته إلا الشيء اليسير.
تأملوا معي إلى ذلك الرجل الذي أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن يعيد صلاته، نظر إليه الحبيب -صلى الله عليه وسلم- وإذا به يستعجل، لا يطمئن بالصلاة؛ فلما انتهى من صلاته، قال: «ارجع فصل فإنك لم تصل» ومرة ثانية، وثالثة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول «ارجع فصل فإنك لم تصل». قال: والذي بعثك بالحق لا أُحسن غير هذا، فعلمني. فعلمه النبي -صلى الله عليه وسلم- صفة الصلاة.
نعم؛ فعلى الإنسان أن يتقي الله -جل وعلا- وأن يحظر من أن يقع بشيء من التقصير في حق الصلاة؛ وذلك، هذا الصنف لا نرى تأثيرًا في الصلاة على سلوكهم ولا في تعاملهم ولا في حياتهم. يخرج من المسجد ويرتكب الآثام.
والله -جل وعلا- يقول {أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}.
المتساهلون في صلاة الجماعة
ومن ضِمن أحوال الناس مع الصلاة نجد قسم من الناس يصلون، ولكنهم يتساهلون في صلاة الجماعة؛ يسمع داعي الله؛ الله أكبر، أي لا شيء أكبر من الله؛ حي على الفلاح، حي على الفوز في الدنيا والآخرة؛ وينشغل بالدنيا وبحسنها وببهائها؛ وربما قدَّم لذَّة على لذة العبادة واستجاب لنفسه وللشيطان، وترك الصلاة وأخرها عن وقتها؛ وربنا -جل وعلا- يقول {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا}.
ذهب جمعٌ من أهل العلم أن المراد بذلك هم الذين يصلون ولكنهم يؤخرون الصلاة عن وقتها. وممن قال بذلك بن مسعود -رضي الله عنه-. وإلى هذا القول ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.
وأيضًا قول الله -جل وعلا- {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون}.
ماذا يقول الذي يضبط الساعة في السابعة أو السابعة والنصف أو الثامنة؛ ثم يقوم ويتوضأ ويصلي ويذهب لعمله.
يقول الله -عز وجل- {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتا}.
الصلاة يا عباد الله لها شروط؛ ومن شروطها أن تكون في الوقت، وإذا خرج الوقت فإن هذا لا ينفعه كما قال بذلك بعض أهل العلم؛ لأنه تعمد ترك الصلاة.
وقال -عز وجل- {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين}. أمر ربنا -جل في علاه- في بداية الآية أن نقيم الصلاة، ثم ختمها بقوله {واركعوا مع الراكعين}؛ قال بعض أهل العلم أن هذا نَصٌّ في وجوب الصلاة مع الجماعة.
وجاء في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال {والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب يحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم}.
قال أهل العلم؛ لم يكن الحبيب -صلى الله عليه وسلم- يهم بالتحريق إلا لأنهم تركوا واجبا، وفعلوا أمرا عظيما، فعلوا منكرا عظيما.
وأيضًا، لما جاء الصحابي عبدالله بن أم مكتوم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وتأملوا معي -يرعاكم الله- هذه الأعذار التي اجتمعت لهذا الصحابي الجليل.
قال: يا رسول الله، إني رجل ضرير البصر شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني للمسجد. قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «هل تسمع النداء؟ قال: نعم. قال: «فأجب، فما أجد لك عذرا».
نعم يا عباد الله، فما حال من يجلس يتابع مباراة من المباريات ويؤخر الصلاة عن وقتها؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.
وهذا للأسف لا يشعر بالذنب والخطيئة؛ وهذا أمرٌ خطير. يقول ابن مسعود -رضي الله عنه- كما جاء في صحيح مسلم: عن عبد الله، قال: من سره أن يلقى الله غدا مسلما، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.
تارك الصلاة
ومن أحوال الناس مع الصلاة أيضًا من يتركها بالكلية. وقد يقول قائل: هل يوجد من أبناء المسلمين من يترك الصلاة؟ أقول بكل أسى وأسف، نعم.
وقد تحدثوا بأنفسهم أنهم لا يصلون أو يصلون أحيانًا ويتركون أحيانا، أو يصلون الجمعة أو بحسب الحال، فأقول من لمن هكذا حالة: اتق الله -جل وعلا-؛ ومن كان يعرف شخصًا من الشباب أو من غير الشباب يتساهل بالأمر فعليه أن يناصحه وأن يقيم الحجة، وأن يُبرّئ ذمته أمام الله -جل وعلا-.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
اللهم لك الحمد كله ولك الشكر كله؛ لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد، فيا عباد الله؛ اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله، يجب التنبيه والتنويه أن من ترك الصلاة جحودا لوجوبها فقد أجمع أهل العلم على كفره، والعياذ بالله.
أما من تركها تساهلا وكسلا، فقد اختلف أهل العلم إلى قولين؛ ومنهما ما ذهب إليه أهل العلم إلى كفره، مستدلين يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في صحيح مسلم «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة». وأيضا كما جاء في سنن ابن ماجه وصححه الألباني «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر».
يقول عبد الله بن شقيق: لم يكن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يرون شيئا تركه كفر إلا الصلاة.
فقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على أن تارك الصلاة كافر والعياذ بالله. ومن وقع بهذا الذنب فعليه أن يتقي الله -جل وعلا-. قال أهل العلم: ويترتب على ذلك الأحكام الكثيرة؛ منها أنه لا يغسل ولا يكفن ولا يُدفَن في مقابر المسلمين، ولا يرث ولا يورث.
وقد سألت امرأة اللجنة الدائمة؛ تسأل عن ابنٍ لها، مات وهو لا يصلي، وتريد الحج عنه؛ فأفتت اللجنة أنه لا يجوز الحج عنه، ولا الدعاء له ولا الترحم عليه، لأنه مات على غير الإسلام.
فالأمر خطيرٌ وخطير جدًا.
الدعاء
- فاللهم يا حي يا قيوم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
- اللهم يا حي يا قيوم نور قلوبنا وقلوب جميع المسلمين.
- اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
- اللهم حبب إلى قلوبنا الخيرات وأعنا على فعلها يا رب العالمين، وكره إلى قلوبنا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
- اللهم اعصمنا من فتن الشهوات والشبهات.
- اللهم اجعلنا ممن يقيم الصلاة، رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء.. أكثروا من هذا الدعاء.
- اللهم أصلح أحوال المسلمين، واجمع قلوبهم على الكتاب والسنة يا رب العالمين.
- اللهم اهدِ شباب المسلمين، اللهم اجعلهم يا حي يا قيوم هداةً مهتدين.
- اللهم اجعلهم بهذا الدين من المتمسكين، إليه من الداعين. اللهم أقر أعين آبائهم وأمهاتهم بصلاحهم، اللهم لقلوبهم إيمانا ونورا يا حي يا قيوم. اللهم من كان منهم على الصراط المستقيم اللهم ثبته حتى يلقاك، ومن كان في زيغٍ وضلال اللهم أعِده إلى رشده وصوابه يا حي يا قيوم.
- اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين.
- اللهم اشف مرضى المسلمين.
- يا قوي يا عزيز يا جبار من أرادنا أو أحدًا من المسلمين بسوء اللهم فاشغله بنفسه، اللهم اجعل كيده في نحره؛ من أراد ببلادنا أو سائر بلاد المسلمين اللهم أبطل كيده، اللهم اكشف سِتره، اللهم أفضحه على رؤوس الأشهاد، اللهم اجعل تدبيره في تدميره يا حي يا قيوم، اللهم شتت شمله، ولا تحقق له غاية ولا تُقِم له راية يا رب العالمين.
- اللهم يا حي قيوم ارحم المستضعفين في كل مكان، في اليمن وفي الشام وفي العراق وفي كل مكان يا حي يا قيوم.
- اللهم أعِد المشردين إلى بلادهم، اللهم انشر الأمن في بلادهم يا رب العالمين، اللهم وانتصر لهم ممن ظلمهم وبغى عليهم يا قوي يا عزيز يا جبار يا قهار.
- اللهم يا حي يا قيوم اجعلنا ممن يطول عمره ويحسن عمله وتحسن خاتمته.
- اجعل آخر كلامنا من هذه الدنيا شهادة التوحيد يا رب العالمين.
- اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة.
- اللهم أظلنا في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك.
- اللهم بيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.
- اللهم يا حي يا قيوم نسألك الفردوس الأعلى مع سيد الأولين والآخرين.
- اللهم احشرنا في زمرته يا رب العالمين.
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم علينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مُقترح: خطبة عن الصلاة مكتوبة ومنسقة – بآيات وأحاديث وقصص مؤثرة
خطبة عن أحوال الناس مع الصلاة
ألقاها: فضيلة الشيخ د. عبدالعزيز الفايز.
تناولت هذه الخطبة القويَّة الصلاة وأهميتها وفضلها وخطر التهاون فيها. وسلَّطت الضوء على التحذير من ترك الصلاة وموعظة إلى من يسهو عنها أو يتساهل في آدائها على وقتها أو في الجماعة.
الخطيب بحاجة إلى إلقاء مثل هذه الخطب التي تتحدَّث عن الصلاة وعقوبة تاركها والمتهاونون فيها، وخطبًا عن التوبة والرجوع إلى الله الحليم سبحانه وتعالى.