هذه لجميع الأئِمَّة والخطباء؛ انها خطبة الجمعة القادمة عن أحوال الفرج والشدة والتي نمعِن فيها الحديث عن كثب حول ما يطرأ على المسلم كفرد وكمجتمع من شدائد وما وعدهم الله -سبحانه- في أعقابها من الفرج؛ من انفراج للكروب، وتفريج للهموم، وفرج قريب لكل محنة.
قد يمر المسلم بشدائد وأزمات، وبلاء، وبؤس، وجدب، وشقاء، وصروف الدهر، وضوائق، وضنك، وضيق، وعوز، وعسر.. لكن عليه أن يتذكَّر دومًا قول الله الحليم {فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا}.
يجب أن يُسلَّط الضوء على أحوال الفرج والشدة مع المسلم فردًا ومع المجتمع عامَّة؛ حتى يعرِف المؤمن أن هذه الدنيا بها هذا وذاك.. لكن انتظر؛ ما رأيك أن نبدأ الآن في الاطلاع على هذه الخطبة المكتوبة ونستخلِص ما بها من دروس وعبر حول موضوع خطبة الجمعة هذا.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، عليه الصلاة والسلام.
الخطبة الأولى
أما بعد؛ فيا عباد الله، اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
معاشر المؤمنين؛ إن الله -جل وعلا- قدَّر على العباد سنة الابتلاء، ومن رحمته ولطفه بعباده أن الشدة يعقبها الفرج من الله -جل وعلا-. وقد جعل الله أسبابا للفرج والنصر والتمكين. قال الله -جل وعلا- {الم | أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون | ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}.
وقال سبحانه {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}.
وقال سبحانه {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم}. فإذا اشتد الأمر على العباد أتى الفرج من رب العباد.
ومن تأمل بكتاب الله -جل وعلا- رأى أن الله -جل وعلا- نصر عباده في مواطن كثيرة؛ نصرهم في بدر، وينصرهم يوم حنين، ويوم الأحزاب، وفي فتح مكة وفي مواطن كثيرة.
رأى كيف فرَّج الله على رسوله بعد الشدة والعناء، حيث مكث في مكة عشر سنوات وقاسى فيها ما قاسى.
أنجى الله -جل وعلا- يونس من بطن الحوت وأخرجه من الظلمات بقدرته، لأن الخلق خلقه، والأمر أمره -جل وعلا-.
وأخرج يوسف من الجُب ومن السجن وجعله عزيز مصر.
الله -جل وعلا- وعد عباده بالنصر والتمكين، {وكان حقا علينا نصر المؤمنين}، وقال سبحانه {وإن جندنا لهم الغالبون}. نعم، فالنصر والغلبة لعباده، ولكن يبتلي الله عباده بأعدائهم؛ يبتلي الله -جل وعلا- عباده ببعض الامتحانات، {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}، {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين}.
فعلينا أن نتمسك بالأسباب التي أمرنا الله -جل وعلا- بها، من أسباب النصر والتمكين والفرج بعد الشدة:
الإيمان والعمل الصالح؛ قال الله -جل وعلا- {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}. فالإيمان والعمل الصالح من أسباب النصر والفرج بعد الشدة يا عباد الله.
ومن ذلك أن نتوكل على الله وحده، قال الله -جل وعلا- {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون}. نعم؛ لو اجتمع أعداء الإسلام، والله مع المؤمنين فسوف ينتصرون؛ ولو خذلهم الله، لو كان معهم جميع الوسائل فإن الخذلان حليفًا لهم، لأن النصر من عند الله جل في علاه.
ومن أسباب النصر أيها المسلمون، أن نثق بوعد الله، أن يثق المسلم بوعد الله، أن العاقبة للتقوى، والعاقبة للمتقين.
نسمع بعض الكلمات التي يتحدث بها بعض الناس عندما يرى كثرة الشر وأهل الشر، عندما يرى الاستعداد من أعداء الإسلام فإنه ييأس من روح الله ومن رحمة الله، ومن فرج الله؛ وهذا من الأخطاء. قال تعالى {ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما}.
نعم؛ رأوا ما رأوا من عتاد الكفار فزادهم إيمانا، لأن الله أخبر بذلك، كما قال أهل العلم في قول الله -جل وعلا- {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم…} تأملوا أن الله -جل وعلا- أخبر أن الابتلاء سيحصل لعباده.
ومن أسباب الفرج بعد الشدة يا عباد الله أن نكثر من ذكر الله -جل وعلا-. قلب الله -جل وعلا- {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}. فذكر الله -جل وعلا- يشرح الصدور ويطمئن القلوب والنفوس وسببٌ لنصر الله -جل وعلا-؛ فعندما تنطلق التكبرات {الله أكبر} هذه التكبيرات تهز أعداء الإسلام.
فعلى المسلم أن يُكثِر من ذكر الله -جل وعلا- في كل أموره وشئونه، لا سيما في وقت النوازل.
ومن أسباب النصر والتمكين أن نبتعد عن معصية الله -جل وعلا- وأن نستقيم على طاعته. قال تعالى {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}.
نعم، وفي معركة أُحد، عندما اجتهد الصحابة وخالفوا أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ونزلوا من جبل الرماة، تحدث بعض الصحابة في كيف حصلت في تلك الهزيمة! قال الله -جل وعلا- {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم}.
فليراجع المسلم نفسه، وليحذر، ولنعلم جميعًا أن الذنوب والمعاصي من أسباب تسليط أعداء الإسلام على أهل الإسلام، ومن أسباب الهموم والغموم والأحزان على الأفراد والجماعات.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، اللهم لك الحمد كله ولك الشكر كله، لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد، فيا عباد الله، معاشر المسلمين؛ إن من أسباب النصر والتمكين والفرج بعد الشدة أن نلجأ إلى الله وحده بالدعاء. عبد الله، لا تقل أقل ما تقدمه الدعاء؛ بل إن أعظم ما نقدمه هو الدعاء، إن أعظم ما نقدمه على النصر على الأعداء وعلى الخروج من الأزمات أن نلجأ. {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين | وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله}.
وقال سبحانه {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين | فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين}.
فإن الله -جل وعلا- رحيم بعباده، فادعوا الله يا عباد الله وأنتم موقنون بالإجابة.
لا يخفى على أحدٍ منكم ما تمر به أمتنا اليوم من مصائب، من تفرق وتشتت وتسلط أعداء الإسلام، فلنلجأ إلى الله في أوقات الإجابة، لننكسر يا عباد الله بين يدي من قال {ادعوني استجب لكم}، وقال {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}.
الدعاء
يا قريب، يا سميع، يا بصير، يا رحيم، يا ودود، يا لطيف، يا من ترانا وتسمع كلامنا، يا من استوى على العرش استواءً يليق بجلاله وعظمته، يا من إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، نسألك أن تُعجِّل بالفرج لإخواننا المسلمين في كل مكان.
اللهم رحمتك نَرْجُوَ، نسألك رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك.
اللهم أعِز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك المؤمنين.
اللهم يا قوي يا عزيز يا جبار يا قهار يا منتقم يا قاصم الجبابرة، عليك بأولئك الظلمة.
اللهم احفظ علينا بلادنا يا رب العالمين؛ من أراد بلادنا أو سائر بلاد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل يا ربي كيده في نحره، وأبطِل كيده يا قوي يا عزيز.
اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى؛ سدد أقوالهم، وبارك في جهودكم يا رب العالمين.
اللهم انصر إخواننا المرابطين على الحدود، اربط على قلوبهم وسدد آرائهم وسهامهم واجمع قلوبهم يا أرحم الراحمين.
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، اللهم اشف كل مريض من المسلمين يا رب العالمين؛ اللهم فرجك لكل مهموم وكل محزون؛ اللهم إنا نسألك الفرج لكل مهموم ومحزون ومكروب يا أرحم الراحمين.
لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين؛ اللهم صل وسلم وبارك وأنعِم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذه خطبة عن أحوال الفرج والشدة..
ألقاها الشيخ د. عبدالعزيز الفايز -حفظه الله-. وقد اشتملت على عديد دروس وعبر ومواعظ عن أحوال الفرج والشدة في حياة المسلم؛ وكيف يستحضر يقينه في الله وحسن الظن به -سبحانه- لوصول الفرج عمَّا قريب.
هذه خطبة جمعة موضوعها أحوال الفرج والشدة؛ قد تكون ما أقرَّته وزارة الأوقاف في بلدك لأَن تكون خطبة الجمعة القادمة “الموحَّدة”؛ أو حتى أن يكون الإمام والخطيب اختار أن يكون هذا هو موضوع خطبته القادمة. ولا عجب، فلا يخفى على الجميع البلاء الذي يمر به المسلم كفرد أو مجتمع أو بلاد؛ ما يوجِب على الوُعَّاظ والأئِمَّة والخُطباء أن يُكثروا الحديث عن الصبر على الشدائد والدعاء لاستجلاب الفرج.