مقدمة الخطبة
الحمد لله القائل: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، ﷺ، وعلى آله وأصحابه أهل الطهر والتدبر، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم العرض الأكبر.
الخطبة الأولى
أما بعد، فاتقوا الله يا عباد الله، واعلموا أن الله ﷻ مهد الأرض لعباده، وأباح للناس السفر والتنقل فيها، يقول ﷻ: ﴿جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا﴾.
أيها المؤمنون: أمر ربنا عباده بالسير في الأرض فقال: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وإن السير في أرجاء الدنيا من المصالح التي قد يحتاجها المرء في حياته مما يعينه على قضاء شؤونه فيها، وتتعدد أهداف السفر وتختلف غاياته، من أداء للعبادة، أو كسب للرزق، أو ترويح للنفس، وبما أن السفر والترحال مما يحتاجه المسلم فإن الشارع الحكيم وضع له ضوابط وإرشادات؛ تكريما للعباد إذ جعلهم مؤهلين للسير في البر والبحر، يقول ﷻ: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾.
أيها المسلمون: رعى الإسلام حقوق العباد، فدعا من نوى السفر إلى رد الحقوق إلى أصحابها، أو الوصية بما في يده لغيره من الناس، فالنبي ﷺ يقول: «من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم»، فالمرء يمضي في سفره لا يدري ما كتب الله له من أقدار ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
أيها المؤمنون: يقول الله ﷻ: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾، فمن صفات أهل الإيمان أنهم يوصي بعضهم بعضا، ويصبر الواحد منهم أخاه، وقد جاء رجل إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- يريد توديعه لسفر فقال: أودعك، فقال له: يا ابن أخي أعلمك شيئا حفظته من رسول الله ﷺ عند الوداع؟ قال: قلت: بلى، قال: «قل أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه»، وهنا يحسن بك أيها المودع أخاك لسفر أن تدعو له بما تيسر، فإن رسول الله ﷺ جاءه رجل يودعه لسفر فقال: يا رسول الله إني أريد سفرا فزودني. قال: «زودك الله التقوى»، قال: زدني. قال: «وغفر ذنبك»، قال: زدني بأبي أنت وأمي. قال: «ويسر لك الخير حيثما كنت».
فاتقوا الله -عباد الله-، والتزموا ما يرضي ربكم في حلكم وترحالكم، ﴿ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
وهذه أيضًا ⇐ خطبة عن آداب السفر وأخلاق المسافر – مكتوبة
الخطبة الثانية
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، ﷺ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا عباد الله: إن من آداب السفر أن يصنع المرء في سفره ما يليق به مسلما، وما يعزز من مكانته وهويته، واجعلوا من جوامع الكلم النبوي نورا لدربكم: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن».
وأنتم -أهل عمان- أهل الأخلاق والثناء الحسن من رسول الله، فقد روى أبو برزة الأسلمي أن رسول الله بعث رجلا إلى حي من أحياء العرب، فسبوه وضربوه، فجاء إلى رسول الله فأخبره، فقال رسول الله: «لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك».
هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.