وبعد؛ فما أخطره من موضوع، وما أبشعها من آفة. لدينا اليوم خطبة جمعة لموضوع في غاية الأهمية والخطورة؛ وهو آفة المخدرات؛ فهي بحَق، حاضر مسموم ومستقبل معدوم.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونستنصره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له»، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا وقائدنا وقرة أعيننا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله ﷻ ولزوم طاعته؛ لقوله ﷻ (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
الخطبة الأولى
من أعظم النِعم التي أنعمها الله ﷻ على الإنسان نعمة العقل التي بها يتميز عن البهائم والحيوانات، وبها يميز الخير من الشر، والحق من الباطل، والحفاظ عليه من الضرورات الخمس التي لا تقوم حياة الإنسان إلا بها مجتمعةً وهي: (الدين والعقل والنفس والنسل والمال)، فأمر الله ﷻ بصيانتها عن كل ما يؤثر عليها أو يتلفها ويضرُّ بها، لذلك كان من مظاهر حكمة الله ﷻ ورأفته بالعباد ورحمته بهم، أنه أحلّ لهم الطيبات من المأكل والمشرب وحرم عليهم الخبائث التي تعود عليهم بالضرر في أنفسهم، وأموالهم، وأعراضهم.
وإن من أخطر الآفات التي تهدد الإنسان في عصرنا الحالي، وتبذل الدول والحكومات الجهود العظيمة في سبيل حماية شباب الأمة منها آفة المخدرات الخبيثة لما فيها من شرٍّ مستطير، يؤدي إلى إزهاق الأرواح، وضياع العقول، وهدمٍ الأسر، وتهديدٍ لأمن المجتمعات، بل هو كبيرة من الكبائر دعا الإسلام إلى اجتنابها، لأنها من نوع المسكرات التي تذهب العقل، فقال ﷻ: ﴿يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون﴾.
وقد ورد النهي من الله ﷻ بقوله: (فاجتنبوه) وهو لفظ فيه مبالغة في الزجر عن ارتكاب هذه المعصية، والنهي عن ارتكاب مقدماتها، أو كل ما يؤدي إليها، ويقرب منها، حتى لا يدع مدخلاً للشيطان، أو لوساوس النفس بالوقوع في هذه الجريمة، لأن أثر هذه المعصية لا يقتصر على الفرد فقط، وإنما يتعدى شرّها إلى المجتمع، فتؤدي إلى ارتكاب الجرائم، وإزهاق الأرواح، وهتك الأعراض وضياع الأموال، لذلك سماها النبي ﷺ بأم الخبائث فقال: «اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث» سنن النسائي.
ولا شك أن المخدرات تأخذ حكم الخمر والمسكرات بل هي أشدّ خطراً وأعظم ضرراً على النفس والمجتمع، يقول النبي ﷺ: «كل مسكر حرام» صحيح البخاري.
كما أن تحريم المخدرات ليس مقصوراً على تعاطيها بل يتعدى ذلك ليشمل جميع صور التعامل والانتفاع بها كما بَين ذلك رسول الله ﷺ بقوله: «لعن الله الخمر وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها»سنن أبي داود، فيحرم بيع المخدرات وشرائها والاتجار بها ونقلها وغير ذلك من صور التعامل أو الانتفاع لما فيه من إشاعة الفاحشة والمنكرات في المجتمع، يقول الله ﷻ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
كما إن المال المتحصل من هذه التجارة هو مال خبيث حرام غايته إهلاك الحرث والنسل ونشر الفساد والفاحشة في الأرض وسيُسأل عنه أصحابه يوم القيامة.
إن من أبرز مخاطر آفة المخدرات الخبيثة أنها تؤثر على صحة الإنسان العقلية والجسدية، فأما من الناحية الجسدية فتشير المصادر الطبية إلى أن تجربة هذه المواد المخدرة ولو لمرة واحدة، يؤدي إلى الوقوع في شَرَكِ الإدمان، فالحذر الحذر من دواعي الفضول فإنها من حبائل الشيطان وتدليس إبليس على الناس والانجرار وراء رفاق السوء.
وكذلك فإن هذه المواد المخدرة تؤدي إلى حدوث اضطرابات في القلب، وارتفاع ضغط الدم الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى حدوث انفجار الشرايين، والتعرض لنوبات الصرع، وحدوث التهابات في المخ والتي تؤدي إلى الشعور بالهلوسة وأحيانًا فقدان الذاكرة، كما تؤدي إلى تليف الكبد وزيادة نسبة السموم في الجسم، وغيرها كثير من المخاطر الجسيمة.
وكم من الشباب أزهقت أرواحهم بجرعة زائدة من هذه المواد المخدرة فكانوا في حكم من أردى نفسه في تهلكة الانتحار المُحرم، وقتل النفس بغير وجه حق، والله ﷻ يقول: ﴿ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً﴾. وقال سبحانه: ﴿ولا تلقوا بأيدكم الى التهلكة﴾.
وأما من الناحية النفسية فإنها تؤثر على طبع الإنسان وتورث متعاطيها دناءة النفس والمهانة، فإن الإنسان إذا غاب عقله تخلى عن طبيعته الإنسانية، وسيطرت عليه غرائزه التي لا تفرق بين حلال وحرام، ولا بين منكر ومعروف، وتختل عنده الموازين، وتنحرف البوصلة عن الوجهة الصحيحة، فيعيش الإنسان في حالة من الوهم القاتل، والأحلام الواهية، ظناً منه بأن في تعاطيها حلاً لمشكلاته الاجتماعية والنفسية، وعلاجاً لآلامه النفسية، وما ذاك الوهم إلا سراب يحسبه الظمآن ماءً، والحقيقة المرة أن الأمر على خلاف ذلك تماماً فإن الذين يدخلون في هذا الطريق ويسيرون فيه يصيبهم الشقاء المحتوم، والاكتئاب الدائم، وسوداوية الحياة، ودمار الصحة، إلى أن يصلوا إلى هلاك وموت وسوء خاتمه.
وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه سئل عن الخمر تصنع للدواء فقال : “إنها داء وليست بدواء” صحيح مسلم، وذكر البخاري وغيره عن ابن مسعود أنه قال: “إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها” صحيح البخاري، وقد كان كثير من العرب قديماً في الجاهلية، يأنفون من تناول ما يذهب عقلهم أو يؤثر عليه وقد قال بعضهم في شرب الخمر:
فلا والله أشربها صحيحاً
ولا أعطي بها ثمناً حياتي
فإن الخمر تفضح شاربيها
ولا أشفي بها أبداً سقيماً
ولا أدعوا لها أبداً نديماً
وتجنيهم بها الأمر العظيما
عباد الله: إن الآثار المدمرة لآفة المخدرات والمُسكرات، لا ينحصر في المتعاطي الذي يصبح منبوذاً في المجتمع، بل يتعدى ذلك إلى الأسرة والمجتمع، فكم سلبت المخدرات من نعمة، وجلبت من نقمة، وفرقت بين الرجل وزوجته، وذهبت بقلبه وعقله، وكم نشرت العداوة والبغضاء بين الناس، وأدت إلى انتشار الجرائم وتنامي الشعور بالغضب والحقد على المجتمع، فهي كما قيل: “حاضر مسموم، ومستقبل معدوم”، يقول الله ﷻ: ﴿إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون﴾.
وهذه الآثار كلها في الدنيا وأما في الآخرة فالأمر أعظم وأخطر فعن جابر رضي الله عنه عن الرسول ﷺ قال: «كل مسكر حرام و إن على الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال» قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: «عرق أهل النار أو عصارة أهل النار».
ولا تفوتكم هنا: خطبة عن خطر المخدرات على الفرد والمجتمع مؤثرة «مكتوبة»
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
عباد الله: إن الواجب على الشباب الحرص على تزكية النفس، وإخلاص العبادة لله عز وجل والإقبال عليه والصلة به عز وجل فهو السد المنيع لتحصين النفس والمجتمع من آفة المخدرات، والحذر من اتّباع دعاة السوء الذين يسعون لزعزعة أمن المجتمع، وتدمير أركانه من خلال التأثير على عقول الشباب وأخلاقهم، ويزينون الوقوع بالمفاسد والمحرمات، ويروجون لتعاطي هذه الآفة.
كما يجب على جميع أطياف المجتمع أن يقفوا صفاً واحداً في وجه هذه الآفة الخطيرة وهي أيضاً دعوة للآباء أن يهتموا بأولادهم تربية وتعليماً، حتى يكونوا صالحين مصلحين لقول النبي ﷺ: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها» متفق عليه.
وختامًا؛ لدينا مُقترح رائِع من أجلكم؛ وهو: خطبة عن المخدرات ونعمة العقل