عناصر الخطبة
- تسليط الضوء على الآثار الخطيرة للإشاعة في تدمير المجتمعات وتفكيك الأسر.
- التأكيد على ضرورة التثبت والتحقق من صحة الأخبار قبل نقلها وانتشارها.
- التأكيد على الأساس الشرعي للتثبت والتأكد من الأخبار، مستنداً إلى القرآن والسنة.
- توجيه دعوة للمسلمين بالمسؤولية في نقل الأخبار وعدم الانسياق وراء الشائعات.
- حَثّ المسلمين على التفكير والتأمل في محتوى الأخبار قبل نشرها أو تداولها.
- التركيز على أهمية حِفظ اللسان وتجنب نقل الأخبار دون التأكد من صحتها.
- التشجيع على إعادة الأمور إلى أهل الاختصاص والاستعانة بالمختصين لتقييم صحة الأخبار.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله، نحمدك ربنا ونستعينك ونستغفرك ونتوب إليك، ونثني عليك الخير كله، نحمده ﷻ وهو المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، له الشكر المزيد والحمد المديد، وعد أولياء بالنصر والتأييد، متى أخذوا بالأسباب وحققوا الوحدة والتوحيد.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو العرش المجيد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أشرف الأنبياء وأكرم العبيد، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المزيد.
أما بعد، فيا عباد الله: خير ما يوصى به في أول الأمر وبادئه، وختامه وعائده تقوى الله ﷻ، في كل الآناء، لاسيما في الكرب والأواء، والمحن والبأساء، فتقواه ﷻ تكشف كربا وقلقا، وتحقق نصرا وألقا.
الخطبة الأولى
ثم أما بعد.. آفة عظيمة –أعاذنا الله وإياكم من الآفات صغيرها وكبيرها– قد فتكت بالمجتمعات والدول، وقد حذر منها ديننا الحنيف في كتاب الله ﷻ وفي سُنَّة رسوله ﷺ.
هذه الآفة الخطيرة قد دمَّرت مجتمعات، وقد هدمت أُسرًا كثيرة، وفرَّقت بين القلوب والأحبة، ألا وهي آفة الإشاعة، إشاعة الخبر دون التثبت، ونقل الكلام دون تثبت، ودون معرفة مصدر هذا الكلام، فإن هذا لا شك له عواقب وخيمة.
هذه الآفة الخطيرة –أيها المسلمون– علاجها في كتاب الله وفي سُنَّة رسوله صلى الله عليه وعلى إله وسلم، فعلاج الإشاعة [أولا] يكون بالتثبت الذي أمر الله ﷻ به، يقول الله ﷻ في آية عظيمة، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.
أمرنا ربنا ﷻ في هذه الآية أن نتثبَّت من هذه الأخبار التي نُقِلَت إلينا، فلا نفعل كما يفعل بعض الناس –نسأل الله لنا ولهم الهداية– بمجرد أن تأتيهم الأخبار يقومون بإرسالها، ولا سيّما في هذه السنوات المتأخرة التي أصبح فيها نقل الأخبار سهلا ومُيسّرا، من خلال هذه الوسائل المتناقلة بين أيدي الناس.
فليعلم الإنسان أنه سيُسأل عن هذا، وإنه بنقله لهذه الأخبار هو شريكٌ بها ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾ هكذا قال ربنا ﷻ.
فهنا ربنا ﷻ –في هذه الآية كما أسلفت– أن يتثبت الإنسان من هذا الخبر، وأن يتيقن الإنسان من صحة مصدره، وأنه خبر صحيح قد نقله الثقات الصادقون، ثم بعد ذلك ينظر، هل في نشره وإذاعته وإشاعته مصلحة تعود على البلاد والعباد؟! فلا بد تعود على البلاد والعباد، فلابد أن يكون المسلم حصيفا، حكيما مقدرا لعواقب الأمور.
ثم [ثانيا] أحبتي في الله من صور التثبت ومن لوازم التثبت في الأخبار أن يرد الإنسان مرَد هذه الأخبار إلى أهل الاختصاص ولأهل الشأن، وهذا الذي أمرنا الله ﷻ قال ﷻ ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ﴾، هذه صِفة ذمٍ للذين يكون هذا هو ديدنهم، يتناقلون الأخبار فيما بينهم دون تثبُّت، ودون تعقُّل، ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ﴾.. نشروه، دون الوقوف عند ثبوته وصدقه، بينما الواجب ما ذكره الله ﷻ في تمام هذه الآية، قال ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ﴾ إي في حياته صلوات الله وسلامه عليه ﴿وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾.
فاستدل أهل العلم على هذا الأدب العظيم وهو أدب التثبت وأن يرد الإنسان هذا الخبر الذي بلغه إلى أهل الاختصاص وأهل الشأن.
جاء كخبر يتعلق بالاقتصاد أو يتعلق بالتربية أو يتعلق بالأمن أو غيرها، وفيه ما فيه من الأمور المُحزِنة، من الأمور الغريبة.. قبل أن تبادر في نشره وإشاعته تثبَّت من صدقه، فإذا تثبت من صدقه ووقع في نفسك إشكال وعدم فهمٍ فرُدَّه إلى أهل الاختصاص، لتعلم هذا الخبر، ولتعلم المقصود منه ولتعلم ما تؤول إليه أشاعته، ثم بعد ذلك أن تتقي الله.. هل في إشاعته مصلحة تعود على الإسلام والمسلمين؟ فلتُشِعه إذا، أما إذا كانت الأخرى فأمسكه كما وقع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
كذلك من أسباب علاج وقطع الإشاعة [ثالثا] ما أشرت إليه آنفًا أحبتي في الله؛ أن يتفكر المسلم بعد أن تثبت من هذا الخبر الذي وصلة أن يتثبت وأن يتفكر في محتواه، وفيما يحمله من معانٍ؛ ثم بعد ذلك –كما أسلفت– ينظر في حاله وينظر ما تدعو إليه المصلحة. يقول الله ﷻ في بيانه لقصة الإفك عندما رمى المنافقون الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها بالفاحشة، وهي المُبرَّأة الطاهرة العفيفة رضي الله تعالى عنها وأرضاها أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله تعالى عنهم أجمعين. فقد زلت إقدام بعض المؤمنين الصادقين في حديث الإفك، كحسان ابن ثابت رضي الله تعالى عنه، وتكلموا وتناقلوا شيئا من حديث الإفك، دون أن يتثبَّتوا –غفر الله لنا ولهم–.. الله ﷻ عاتبهم، وبيَّن الخطأ الذي وقعوا فيه، وبين أن السلامة أن يتفكر الإنسان وأن يتدبَّر فيما يُنقَل إليه ثم ينظر بعد ذلك بعد تثبته وتفكره، ينظر هل الخير أشاعته أو الإمساك عنه. يقول الله ﷻ ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾.
إذًا بعض الناس حقيقة الذين تتساهلون، يحسبونه هينا، يتناقلون الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي فيها إشاعة الخوف وفيها إشاعة الضَّجر وفيها إشاعة الفوضى وفيها إرجافٌ بين المؤمنين.. يحسبونه هينا، وهو عند الله عظيم.
كذلك [رابعًا] من أسباب قطع الإشاعة –أيها مسلمون– وهو سبب عظيم وسبب كل خير، ألا وهو حِفظ هذا اللسان، حفظ هذا اللسان.. لسانك حصانك أن صنته صانك وان خنته خانك، وقال ربي ﷻ وأحق القول قول ربي ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾.
والنبي ﷺ صح عنه أنه قال «من يضمن لي ما بين لحييه» أي لسانه «وما بين فخذيه» أي فرجه «أضمن له الجنة».
يقول ﷺ في هذا الباب العظيم [التساهل في نقل الكلام والأخبار وإشاعتها بين الناس] كما روى الإمام مسلم في صحيحة قال «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع».
الذي يُحَدِّث بكل ما سمع قطعا سيقع في الكذب، لأنه ربما يصيب خبرا صادقا، وخبرا آخر صادقا ولكنه سيصيب خبرًا كاذبا. فإذا نقل الكذب دون أن يتثبَّت مِنه، فهو مُشاركٌ في هذا الإثم كما قال ﷺ «كفى بالمرء» يكفيه من الآثام عند الله ﷻ «أن يحدث بكل ما سمع».
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيِ والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون والحمد لله رب العالمين.
⇐ وهنا خطبة: حفظ اللسان عن السب والفحش
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على رسوله وعبده الذي اصطفى؛ ثم أما بعد..
من علاج الإشاعة وانتشارها –أيها المسلمون– أن يتفكر الإنسان –كما أسلف– في عواقبها، وأن ينظر لعواقب نشر هذا الكلام بين الناس –وهذا أمر مهم– أعيده وأكرره لأهميته ولغفلة كثير من المسلمين والمسلمات عنه.
لا يتفكرون ولا يتدبرون، حتى لو كانت هذه الأخبار صحيحة، وحتى لو كانت المصادر صادِقة، لا بُد أن يتفكَّر الإنسان في ما المصلحة من نشره ومن إشاعته بين الناس، إذا كان هذا الخبر يحمل ويحمل –كما أسلفت– فتُّ عضد المجتمع ونشر الفوضى بين الناس فإنه لا مصلحة من نشره البتة.
لذلك يقول الله ﷻ كما في الآية التي ذكرتها على مسامعكم، قال ﴿أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.
كَم ندم بعد إشاعتهم لهذه الأخبار التي أدت بالناس إلى الوقوع الهلع والخوف والفزع وضياع الثقة بينهم؟ ثم بعد ذلك ندموا على ما سطَّرت أناملهم أو على ما تفوَّهت به أفئدتهم وأفواههم!! ولكن الله ﷻ يحاسب الإنسان على ما صنع وما قدَّم.
نسأل الله ﷻ أن يعصمنا من الخطأ والزلل، ونسأله ﷻ أن يرزقنا ألسِنة ذاكرة وأعين دامعة وقلوبا خاشعة، ودعاء مستجابا أنه ولي ذلك والقادر عليه.
⇐ خطبة للشيخ نواف السالم.. جزاه الله خيرا.