«احمد» يسأل: أنا في وضع لا أحسد عليه، فأنا لا أعلم بماذا أسمي ما أنا فيه، فأنا في حيرة وتردد يؤلماني بشدة، ولا أعلم ما أنا فيه، وحتى لا أطيل على حضراتكم أدخل في الموضوع:
أنا شاب أبلغ من العمر 30 عاما، لي أحد الأصدقاء الملتزمين متزوج، وكان كلما رآني فاتحني في أمر الزواج، ويجعل زوجته تبحث لي عن فتاة تناسبني لأتزوجها، ومع تكرار فتحه لهذا الموضوع، قلت بيني وبين نفسي: “ما المانع؟”.. فقلت له اجعل زوجتك تبحث لي، وأعطيته بعض المواصفات التي أريدها من حيث الالتزام، والشكل والتعليم وما شابه، وبعد فترة أبلغني بأن زوجته وجدت لي طلبي.
فتاة من أسرة محترمة، معيدة في إحدى كليات القمة، تحفظ ربع القرآن الكريم، ومن المحافظات على الحجاب الشرعي، وعلى الصلوات، وعلى الصحبة الصالحة من المسجد، وعلى قدر معقول من الجمال، وكان كل ما يهمها في صفاتي هل أنا منتظم في الصلاة في المسجد، والقدر الذي أحفظه من القرآن الكريم.
تم تحديد ميعاد لي في بيتهم حتى تحدث الرؤية الشرعية، وعندما رأيتها وجدتها من النوع ذات الوجه المريح والطيب، ولكن ترددي الوحيد قد كان في قصر قامتها، وجسمها الصغير إلى حد ما، ففارق الطول بيننا حوالي أكثر من 30 سم، وأنا طويل، وجسمي عريض، رجعت بعد هذه المقابلة مترددًا، فكل الأمور تمام إلا فارق حجم الجسم، طلبت تكرار المقابلة مرة أخرى، وأخذت القرار بالارتباط، وخلال سنة من الخطوبة وجدتها إنسانة ملتزمة، وعلى خلق، ولا تدعي ذلك، وأسرتها محترمة حقا، وهذا من خلال الدخول في بعض الأمور والمواقف المتعددة.
مرت الخطوبة بدون أي تجاوزات شرعية بفضل الله؛ حتى أنني طيلة عام خطوبة لم ألمسها أو أتخطى حدودي معها في الحديث، فهي كانت حازمة جدا في الالتزام بالشرع، ولم أخرج معها إلا مرات قليلة جدا جدا، ومعنا أبوها أو أخوها الكبير، وعلى الرغم من كل هذا، كان الفارق في حجم الأجسام يجعل في صدري شيئا، وكنت أدعو الله أن يوفقني إلى الصواب.
وبعد مرور عام، قضيت سبعة أشهر منه في عمل خارج المحافظة، وأرجع إلى محافظتي في إجازات شهرية منتظمة، وانتهى سفري، وعدت مرة أخرى إلى محافظتي، واقترح أهلها علي أن نعقد حتى نتمكن من الخروج معا بحرية أكثر؛ حتى نبدأ في الإعداد للزواج، وهنا ترددت ووضعت في موقف صعب جدا، فالفتاة ممتازة في كل الأمور، وكل المبشرات تدل على أنها ستكون زوجة صالحة، ولكن عيبها الوحيد اختلاف الحجم بيننا من حيث فارق الطول وحجم الجسد، وأخشى إن تركتها ألا أجد فتاة بمميزاتها، فأخذت القرار بإتمام العقد، وبعد العقد رأيت منها المزيد من المميزات، مثل أنها تراعي طاعتي قدر المستطاع، وكانت تراعي زعلي، ولا تتركني أنام وبيننا زعل، وتحاول بكل الطرق معرفة ما يجعلني سعيدا وتفعله، وأهلها يحبونني ويحاولون بكل ما لديهم ألا يثقلوا علي في الطلبات، ولكن في هذه الفترة بدأنا نخرج كثيرا إلى الأسواق لشراء مستلزمات الزواج، وبدأت أشعر بالفارق الكبير بيننا، فهي تصل إلى أقل من كتفي، فأشعر بأني أمشي مع ابنتي لا زوجتي..
وبدأ الموضوع يؤثر في بشكل سلبي، حتى أني لم أعد أفرح بالخروج معها، وبدأت أتخيل لو أنها كانت أطول من ذلك مثلا 10 سم، وبدأت أعاملها بعصبية بدون ذنب لها، واقترب موعد الزفاف، ولا أشعر بسعادة، وهي تحاول أن ترضيني، وسعيدة بقرب موعد الزفاف.
لا أعلم ما حل ما أنا فيه! هل بعد إتمام الزفاف سوف تنتهي هذه الأشياء أم ستزيد! أخشى أن أظلمها أكثر من ذلك، ولا أعلم إلى أين سوف يوصلني تفكيري؟ أعلم جيدا أن فارق الطول والأجسام كان واضحا لي منذ البداية، ولم يجبرني أحد على الموافقة.. أفيدوني بارك الله فيكم.
الإجابـة
مشكلتك “تبدو” بسيطة، لكنها في الحقيقة ليست كذلك!!..
فالمشكلة تبدو لأول وهلة وكأن شخصًا يسأل: هل يمكن أن أعيش سعيدًا مع زوجة أقصر مني بثلاثين سنتيمترًا؟؟ والإجابة تأتي بسيطة وسهلة: بالتأكيد تستطيع أن تعيش سعيدًا مع زوجة أقصر منك بخمسين سنتيمترًا؛ لأن طول القامة أو قصره لا علاقة له بنجاح الحياة الزوجية أو فشلها، وهناك آلاف الزيجات الناجحة برغم عدم وجود تكافؤ تام في الحجم أو الطول بين الزوجين.
أين المشكلة إذن؟
المشكلة -في رأيي- والتي ربما ستظل تطاردك بعد زواجك -إن لم تحسمها من الآن- هي عدم تحملك لأي خروج بسيط عن الصورة الكاملة المثالية التي في رأسك، الفتاة متدينة وخلوقة، ومن أسرة طيبة وذات تعليم متميز وتحبك وتحترمك، ولكنها أقصر منك، وأنت لم تستطع تجاوز هذه النقطة، بل وترجمت هذه الحالة من عدم الرضا إلى عصبية وغضب وظلم!!.
السؤال الآن هو: ماذا ستفعل بعد الزواج من هذه أو من غيرها؟! لأن العيوب الحقيقية ذات العيار الثقيل لا تظهر إلا بعد الزواج!!.. وهذه العيوب ستظهر في هذه الفتاة أو في أي امرأة أخرى تتزوجها على سطح الأرض، فلا توجد امرأة كاملة في شكلها أو طباعها أو عشرتها!.
فإن كنت لا تتحمل “صغار الأمور” فكيف ستتحمل “كبارها”؟
إن كنت تسأل: هل يمكن أن أكون سعيدًا معها بعد الزواج؟ فأستطيع أن أجيبك بكل ثقة: إذا ظللت غير قادر على تحمل بعض النقائص والعيوب، بل والرضا بها عن طيب خاطر وعن شعور بثقل الإيجابيات الأكثر والأهم -إن لم تقدر على هذا- فلن تكون سعيدًا مع تلك الفتاة، ولا مع غيرها!.
قديمًا سألوا سؤالاً -وما زالوا يسألونه-: هل السعادة تنبع من الداخل أم من الخارج؟ وكانت الإجابة التي أكدتها تجارب كل الناجحين والسعداء: أن السعادة تنبع من الداخل!!.
عندما يستطيع الإنسان أن يشعر حقًا بقيمة الإيجابيات والنعم، وتتضاءل أمامه النقائص والعيوب فيصبح تكيفه عليها أقوى من أنانيته، ومن خوفه من كلام الناس، ومن تطلعه للمثالية الوهمية التي هي غير موجودة في أحد، ولا حتى فيه هو نفسه.
إذا استطعت أن تفعل هذا ستكون سعيدًا، أما إذا لم تستطع، فلا داعي فعلاً لأن تظلمها معك لعل الله تعالى يرزقها بمن يقدر قيمتها أكثر منك.
ربما تتصور أنني قصدت “القسوة” من كلامي وأقول لك إن هذا غير صحيح، فأنا متعاطفة جدًّا معك، ومدركة لمعاناتك، ولكني في الحقيقة أردت “الوضوح” في توصيل الرسالة، إن الرضا يبدأ من داخلك، وأنه لا توجد امرأة أو إنسان بلا نقائص.
إذن كيف يكتسب الإنسان الرضا؟
لا توجد إجابة واحدة، فهناك عدة وسائل منها الحوار الذاتي مع نفسه، ومنها تركيز العين والقلب، والعقل على الإيجابيات، ومنها إعادة قراءة الحياة من جديد، ولكن أهمها: أن يقرر الإنسان أن يكون سعيدًا.
⇐ هذه أيضًا بعض الاستشارات السابقة:
- ↵ نصائح لفتاة تعاني من مشاكل زوجية مُبكرة
- ↵ صراع بين الحب والمال: شاب يفقد حبيبته بسبب طلبات مالية مُبالغ فيها
- ↵ شاب يواجه صعوبة في خطوبة فتاة بسبب مطالب عائلتها
⇐ أجابتها: فيروز عمر