المربي الناجح هو من يقتنص الفرص ويستثمرها استثماراً في تربية أولاده أو تلاميذه، ومن أعظم تلك الفرص المناسبات الدورية، ومن أثمن الفرص الدورية التربوية مناسبة شهر رمضان المبارك، الذي يزورنا مرة كل عام.
والحوار من أفعل أساليب التربية، فقد استخدمه رسولنا الكريم ﷺ في تربية المسلمين على اختلاف أعمارهم، واستخدمه أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين في تربية أولادهم ورفاقهم، فهذا رسول الله يسأل أصحابه ويحاورهم أتدرون من المفلس؟ فيخطئون الإجابة، ويصوب لهم. ويسألهم أتدرون ما الغيبة؟، ويستخدم معهم الأحجية “الفزورة”.
فعن أبي هريرة، أن النبي ﷺ قال إن من الشجرة شجرةً لا يسقط ورقُها، وإنها مثل المسلم؛ فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبدالله بن عمر فوقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت. ثم قالوا يا رسول الله، ما هي؟ قال هي النخلة.
وقد أوصى المربون المسلمون باستخدام أسلوب الحوار، ولفتوا الأنظار إلى أهميته؛ ومن أمثال هؤلاء الإمام أبو حامد الغزالي، والقابسي، وأبو الحسن الماوردي، وبدر الدين بن جماعة… وغيرهم كثيرون، وتبعهم في ذلك المربون المحدثون؛ الغربيون منهم والشرقيون والمسلمون.
الحوار إذن أسلوب تعليم وتربية، وهو أسلوب أصيل في التربية الإسلامية على وجه التخصيص، وفي التربية بوجه عام، وهذا يؤكد ضرورة استخدامه وأهميته في تربية الناس عامة والأطفال خاصة، وذلك أن من خصائص الطفل الاستكشاف، وحب الاستطلاع، وكثرة الأسئلة، فإذا ما لقيتْ هذه الخصائص مربياً ناجحاً عَظُمت الثمرة التربوية المرجوة من الأسلوب الحواري مع أطفالنا.
وهنا نقرأ: مشاعر رمضانية: الجوع.. ليس كما كان
مقومات نجاح الحوار
لكي ينجح الحوار في تربية الأطفال تربية ناجحة، يجب على المربي أن يراعي بعض الأسس التي تضمن بعد توفيق الله عز وجل أن ينجح المربي في مهمته، فيثمر الحوار تكوين شخصية الطفل السوي الإيجابي، ويكسب الحوار الطفل قيماً وأخلاقيات وسلوكيات تظل ملازمة له طوال عمره.
أما مقومات نجاح الحوار أو أسسه، فأهمها أن يكون هادئاً، قائماً على تبادل الآراء لا فرضها من قبل المربي، وألا يتعجل المربي بمحاكمة أفكار المتعلم؛ بل يترك ذلك لنهاية الحوار؛ حتى لا يخاف الطفل من مجرد إبداء الرأي، وحتى يتيح المربي للطفل فرصة ليكتشف خطأه بنفسه بشكل غير مباشر من خلال الحوار، وأن يشجع المربي الطفل على الحوار كي يكون إيجابياً، وأن يكون الموضوع المطروح للحوار والمناقشة مناسباً لمستوى الطفل، وأن يحدثه المربي بلغة يفهمها حتى يتم الاتصال والتواصل على خير وجه، وأن يحترم المربي آراء الطفل حتى وإن كانت ضعيفة، وأن يتجنب السخرية منه أو الاستهزاء والتهكم من آرائه، وأن يحسن المربي إدارة الحوار، وأن يتيح المربي للطفل فرصة اقتراح حلول إذا كان الحوار ينصبّ على مشكلة محددة دون أن يُسارع المربي ويفرض عليه حلاً للمشكلة، ففي إتاحة تلك الفرصة تدريب للطفل على حل المشكلة، وتعويده الاعتماد على ذاته، والإبداع.
وهنا تقرأ: 5 أفكار رمضانية لاستغلال الشهر الفضيل بشكل أمثل
الابن يسأل لماذا الصوم؟
يروي أحد الآباء حواراً مع ابنه، فيقول:
استيقظت من نومي على حوار بين زوجتي وابني في أحد أيام رمضان المبارك.. وكان عمره آنذاك عشرة أعوام، ولفت نظري قدرته على الجدل، وكان الحوار على النحو التالي
الابن “عمر” لماذا نصوم؟ أنا جائع.. أريد أن آكل.
الأم حرام عليك يا بني؟ كيف تقول ذلك؟ لا يصح أن تقول هذا الكلام.
الابن أنا لم أسألك عن الحلال والحرام.. سألتك لماذا نصوم؟ أجيبيني من فضلك.
الأم تكرر كلامك مرة ثانية؟ اتق الله يا بُني.
الابن سبحان الله للآن لم تجيبي عن سؤالي.
الأم فرض اللهُ تعالى علينا الصومَ حتى نشعر بجوع الفقراء والمساكين واليتامى والمحتاجين.
الابن طيِّبٌ.. وقد حدث فأنا صائم من الفجر، والآن الوقت بعد العصر، وقد جعت فعلاً، وشعرت بما يشعر به الفقراء والمساكين واليتامى والمحتاجون، فمادام الهدف من الصوم قد تحقق، وبالفعل شعرت بما يشعر به الفقراء والمحتاجون.. فلماذا أستمر في الصوم؟ إذن سأفطر الآن ما دمت قد شعرت بالفقراء والمحتاجين.
الأم وهي تصرخ، حرام عليك يا بُني.
الابن عدنا للحلال والحرام مرة ثانية.. إذن.. “وإن تعودوا نعد”، أعود فأسأل لماذا نصوم؟
هنا تدخل الأب، وقال كلام أمك صحيح يا بُني، وهناك أسباب أخرى تدعونا إلى الصوم، فالله عز وجل فرض علينا الصوم، ليحقق لنا مصالح وفوائد كثيرة وعظيمة، فالصوم كما قالت أمك يشعرنا بما يعانيه الفقراء والمحتاجون من جوع وآلام، ولكن هذا الشعور لن يتحقق إلا إذا أثّر فينا.
فإذا صمنا رقّت قلوبنا، وازددنا عطفاً على الفقراء، وحباً وخوفاً من الله، وتحققت في نفوسنا وقلوبنا التقوى، وقد بيَّن الله عز وجل ثمرة الصوم في قوله تعالى يّا أّّيٍَهّا الَّذٌينّ آمّنٍوا كٍتٌبّ عّلّيًكٍمٍ الصٌَيّامٍ كّمّا كٍتٌبّ عّلّى الَّذٌينّ مٌن قّبًلٌكٍمً لّعّلَّكٍمً تّتَّقٍونّ >183 (البقرة).. لذلك كانت أمك تدعوك دائماً اتق الله يا عمر.. لأن الصوم فرض علينا لتحقيق التقوى، فهل من التقوى أن تخالف أوامر الله تعالى؟ وهل من التقوى أن نجهر بذلك ونقول نحن جائعون نريد أن نأكل؟
الابن الآن فهمت يا أبي واقتنعت.
الأب هناك ثمار أخرى لصوم رمضان.. هل تعلمها يا عمر؟
الابن أود أن تذكّرني بها يا أبي.
الأب هل تستطيع أن تدرس وتستذكر يوماً كاملاً أربعاً وعشرين ساعة متواصلة يا عمر؟
الابن لا أستطيع ذلك يا أبي.
الأب كذلك جهازك الهضمي يا بني، يحتاج إلى راحة من أجل صحة جيدة تتمتع بها، لذلك فرض الله علينا أن نصوم شهراً في العام لإراحة الجهاز الهضمي؛ كي تصح أجسادنا.
الأب الصوم أيضاً يعلمنا مراقبة الله عز وجل، فهو مطّلع علينا ويرانا، فالمسلم منا يستطيع أن يبتعد عن أعين الناس ويأكل، لكنه يعلم أن الله هو الذي سيحاسبه وهو مطّلع عليه، لذا فالمسلم إن رآه الناس أو لم يروه يعلم أن الله يراه، ومن ثم يصوم وإن غاب عن أعين الناس، لاعتقاده بأن الله يراه، ولا يصح أن يراه عز وجل وهو يخالفه، وتلك هي المراقبة.
وعقيدة المراقبة عند المسلم أيضاً تعلمه الصدق، فالصائم يكتسب قيمة الصدق؛ لأنه يعيش صادقاً مع نفسه ومع الله، ويتدرب على ذلك ويمارسه.
هل تعلم يا عمر أن الصابرين سيدخلون الجنة بغير حساب، قال تعالى (إنَّمّا يٍوّفَّى الصَّابٌرٍونّ أّجًرّهٍم بٌغّيًرٌ حٌسّابُ).. فالصوم يعلمنا الصبر، فصم لتصبر، ثم تدخل الجنة بغير حساب.
كما أن الصوم يكسبنا حسن الخلق.. يقول رسولنا الكريم “الصيام جُنة فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين” (رواه البخاري ومسلم)، ففي ذلك تدريب على حسن الخلق.
وقد أخبر رسولنا الكريم أيضاً أن “في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال أين الصائمون، فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم أغلق، فلم يدخل منه أحد” (رواه مسلم).
الابن الآن فهمت يا أبي، وأعتذر إليك يا أمي، وسوف ألتزم بما تعلمته منكما بأمر الله تعالى.