أعددنا لك حوار بين التلفاز والكتاب مُتمثِّلة في مناظرة مثيرة؛ تتعرَّق على ما يدور في خلدِهما من مزايا وعيوب؛ وإلقاء التُهَم من هنا وهناك. لنقرأ ماهيَّة هذين الضيفين في صفحتنا تلك.
مقدمة
ما لا شك فيه أن اختراع جهاز التلفاز الذي يعود إلى عام 1926 م، وينسب إلى جون بيرد المهندس الأسكتلندي الشهير يمثل نقطة تحول في تاريخ البشرية، فقد غير هذا الاختراع الرائع ملامح العالم ليكون ما بعده مختلفاً تماماً عما قبله.
استطاع جهاز التلفاز حتى في بداياته وهو لا يزال بدائياً تغيير ملامح الواقع وخلق فرصة ذهبية لاستكشاف ما هو بعيد وغريب، وخلق نافذة لمتابعة ما يجري خارج حدود المحيط الضيق الذي يحيط بالإنسان، فأتاح له معرفة الأخبار والأحداث والمستجدات التي تجري على بعد أميال.
ولكن!
التلفاز ليس بريئاً تماماً من التهم العصرية الكثيرة التي جدت معه، وليس إيجابيًا بنسبة مائة بالمائة فالأمر لا يخلو من العيوب والسلبيات.
هذا عن التلفاز الذي خطف القلوب والأبصار وجذب لنفسه جمهوراً عريضاً لا يفرق بين المثقف أو الأمي، ولا الكبير من الصغير، والذي خطف الأضواء من الكتاب وجعله يتراجع كثيراً إلى الوراء ليحتكره فئة من الصفوة والأذكياء والمثقفين فقط.
وهنا سوف نتصور معاً حواراً بين التلفاز والكتاب يدافع فيه كل منهما عن نفسه ويعرض مزاياه ونتمنى لكم الاستمتاع بهذا الحوار البناء، دمتم بخير.
حوار ممتع بين التلفاز والكتاب
التلفاز: كيف حالك أيها الأخ العزيز؟ أرى الناس انفضوا من حولك وتركوك مع قلة قليلة منهم، ليجتمعوا حولي ويستمدون مني المتعة والتسلية والمعرفة.
الكتاب: أنا بخير حال يا عزيزي، وسعيد جداً بمكانتي المتميزة، فإن كان قد انفض عني بعض المعجبين فلم يزل هناك صفوة المجتمع وأرقى العقول وأزكاها، لا يزال العلماء والباحثون عن المعرفة الحقيقية يجدون ضالتهم عندي، ويجدون جل متعتهم بين طيات أوراقي.
التلفاز: لكني أكثر متعة منك، فأنا أمتع النظر والسمع والعقل، وأمنح المشاهد تسلية رائعة وهو متكئ وفي قمة الراحة، أنا من يمكنني أن أخرج متابعي من هم وغم وملل واكتئاب إلى فرح وبهجة وإثارة، ويمكنني أن أبدل حاله من الملل القاتل والصمت المطبق إلى الضحك والسعادة.
ليس ذلك فحسب بل يكفي أني أنقل له كل ما يجري بعيداً عن محيطه بأميال، فدون سفر أو انتقال أو أي تكلفة يستطيع الاطلاع على كل شيء، لتتفتح آفاق عقله فيواكب كل جديد.
الكتاب: من قبلك بآلاف السنين وأنا أقوم بتلك المهمة، فالترحال بين صفحاتي ينعش العقل ويغذي القلب ويمتع الروح، الترحال بين طيات أوراقي هو ترحال وانتقال وسفر ممتع وشيق بين التجارب والخبرات والمعلومات والآراء والرؤى التي توسع الآفاق وتعلم الإنسان ما لم يعلم، فأنا بلا فخر أمنح العقول مفاتيح السعادة والمعرفة بلا مشقة أو تكلفة.
التلفاز: ولكن سيظل هناك الكثير من البشر لا يستطيع تعاطي كنوزك أو التبحر في أعماق متعتك، فالكثير لا يجيد القراءة، والكثير لا يملك كلمة المرور إلى عالمك، أما أنا فالجميع يستطيع دخول عالمي المكتظ بالمتعة والمعرفة والخبرات بضغطة زر، أيا كان تعليمه أو مستوى معرفته أو عمره.
الكتاب: هذا إن دل فإنما يدل على عظم مكانتي وتميزي، فلست متاحاً ولا مستباحاً مثلك.
التلفاز: كذلك يسعدني ويزيد شعور بالاعتزاز والفخر أن أقول أنني أيضاً أكثر تأثيراً منك، وأقدر على التغيير بكثير منك، فأنا من أشكل وعي وثقافة الشعوب والمجتمعات، أنا من أصل إلى كل بيت وكل فرد لأبثه ما يطرح من خلالي من الأفكار والقضايا والموضوعات.
أنا من أعيد صياغة المعايير وأعيد برمجة العقول والمشاعر دون حتى أن ينتبه الناس لذلك، أنا من أصنع نقلات كبيرة في الحضارات وأعلم الناس ما لا يعلمون، وارتقي بهم وبمعارفهم دون مجهود يذكر.
الكتاب: أما هذه فإني أشهد لك بها وأقرها كما تقرها، فإنك استطعت أن تحدث نقلة معرفية وحضارية رهيبة في غضون سنوات قليلة، ولكنك مع كل هذا التأثير الذي تملكه متهم بالكثير من الجرائم والانحلال الأخلاقي والتدني السلوكي الذي باتت تعاني منه المجتمعات.
أنت المسؤول الأول عن نشر العنف بما تطرحه من مشاهد وقضايا تثير العنف وتعززه، وأنت من تسببت في نشر التدني الخلقي، وجعلت الإباحية والخروج عن الأعراف والمعايير الدينة والأخلاقية أمراً مقبولاً ومستساغاً.
أنت من تسببت في نشر التطرف وكشفت الحجاب عن قدسية الجنس وجعلت الحديث في المسلمات العقائدية والأخلاقية ممكناً ومتاحاً، ونشرت التحرر في الفكر والأخلاق، كما أنك متهم بإصابة الناس بالأضرار النفسية والصحية.
أما أنا فلا أسبب أي ضرر ولا مشكلة، فلا إشعاع يصدر عني ولا إدمان النظر إلي يؤذي رفيقي.
التلفاز: لديك كل الحق ولكنها ضريبة طبيعية فالفائدة عظيمة والضرر مقارنة بها لا يذكر، ومن كان واعياً منتبها استطاع أن يأخذ ما ينفعه ويترك ما يضره، وكل امرئ يتحمل نصيبه من الذنب.
الكتاب: نعم، كل امرئ يأخذ ما يحلو له ويناسبه ويترك ما لا يناسبه، ولكن اسمح لي أن أقول في ختام حوارنا الطويل أنني سأظل أنا مصدر النور وانشراح العقول والصدور، الرفيق الذي لا يغدر والصديق الوفي الذي لا يتخلى ولا يخذل، سأظل نبراس الهدى في ظلام الجهل وظلمات التخبط، سيعود إليَّ مريديني ورفاقي حين يكتشفون أن الحياة بدوني ناقصة فارغة خاوية من السعادة والعمق والنضج، سيعود إلى من يجيدون تعاطي الحروف ويستلذون بجمال الكلمات ويشعرون بحلاوة الأوراق.
الخلاصة
حاولنا جعله حوار قصير بين التلفاز والكتاب؛ لكي تتعرَّف عن كثب على كُلٍّ منهما.
في رأيك؛ هل النهاية التي وصل إليها النقاش والحوار تُعتبر عادلة؟ أم أن هناك ما جهله أو نسيه الكاتب في هذه المناظرة؟ شاركونا آرائكم.