السؤال: ما حكمة الإحرام بالصورة التي نراها من الحاج والمعتمر ؟ وهل هذا يعني سر معين لا نعرفه؟
الإجـابة
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.. فلقد ثبت أن الأجسام الخفيفة هي التي تعلو وترتفع، وأن الأجسام الثقيلة هي التي ترسف وتسفل، والأرواح علوية الطبع، فهي تحن إلى العلو وتتوق له بفطرتها، وترغب فيه بطبعها.
وإن مما يساعد النفس على الوصول إلى غايتها المنشودة لها وهي العلو دائما: أفعال البر والطاعة والخير والإحسان، كما أن مما يعوقها ويحول بينها وبين ما تشتهي من العلو والكمال الذنوب والجرائم والمفاسد والشرور والآثام.
وقد مد المولى الكريم ﷻ يده إلى هذه النفس التواقة إلى العلى الشغوفة بحب الكمال إذ دعاها إلى جنابه فقال ﷻ : ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ 50 الذاريات، وفتح لها بابه فقال ﷻ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ 97 آل عمران، وما أحوج النفس في رحلتها الروحية إلى الزاد والتخفيف وهي فقيرة ببعدها عن مولاها، ثقيلة بركونها إلى دنياها!
لكن من وضع لها موائد بره ودعاها إلى رحاب أنسه لم يكن أبدا لينساها، فقد أعطاها من خير زاد الورى لما قال ﷻ : ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ 197 البقرة، وساعدها على التخفيف لما أمرها بالتجرد من المخيط والمحيط، والذنوب والآثام، وبهذا تجلت الحكمة في الإحرام، وعرفنا السر في التجرد من الآثام، فإن الحاج وافد على الله ﷻ، فكان عليه أن يختار أجمل حلة يلقى بها مولاه، وليس في الدنيا جميل يحبه الله ويرضاه سوى طاعته وتقواه، وأن ينتقي أحسن صورة يفد فيها على الله، وليس ثمة ما هو خير من صورة تنبئ بالافتقار، والذل والانكسار. فليفد إذا الوافدون على الله، وهم أشبه بالحفاة العراة، وليكن الشعث شعارهم، وتناسي الذات دثارهم، وتطهير الروح بالتلبية والتضرع بالدعاء مرامهم، فإنهم بذلك واصلون، وعلى رضى مولاهم حائزون وتلك بغيتهم وبغيتنا في الحياة.
والله أعلم.
⇐ لدينا أيضًا بعض الفتاوى الأخرى المتعلقة برحلات الحج والعمرة: