إن ديننا الحنيف لم يترك علاقة إنسانية من العلاقات إلا ووضع لها ضوابط ثابتة وواضحة تضمن لأطراف تلك العلاقة الأمن الامان النفسي والمادي، والاستقرار، فقد اهتم كثيرا بعلاقة الأبناء بالباء والأمهات، والعلاقة بين الزوجين، والعلاقة بين الإخوة والأخوات، وقد امتدت عناية الإسلام بالعلاقات الإنسانية على كل المستويات لتشمل علاقة الجوار، فأفرد لها مساحة كبيرة من التوصية، ووضع لها إطارا من الحب والاحترام المتبادل، مما يضمن لها الاستقرار والهدوء، ويكفل للجار التمتع بالسلام والطمأنينة تجاه جاره.
حث الإسلام على حقوق الجار
لقد حث الإسلام على حقوق الجار بإلحاح واهتمام كبيرين، وفي عدة مواضع وقد حملت لنا السنة النبوية من الآثار الإسلامية ما يشحذ الهمم ويوقظ الضمائر لتؤدي حق الجار وتحسن إليه على الوجه الذي يقرب من طاعة الله ورضاه، ومن ذلك ما يلي:
قول الله عز جل في معرض الحديث عن الإحسان إلى الوالدين وذوي الأرحام وقد ضمنهم الجار في سورة النساء: ﴿ وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ﴾.
وما روي عن مجاهد أنه قال: ذبحت شاة لعبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول: ” ما زال جبريل يوصيني بالجار, حتى ظننت أنه سيورثه)، وهذا الحديث من الأحاديث الجامعة المانعة في الاهتمام بحق الجار والعناية به، ففيه دلالة على أن جبريل – عليه السلام- قد أكثر من توصية النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى جعل النبي يتصور أنه سيفرض له حقا في الميراث.
ويقول –صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر: ( والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه)، وهنا ربط بين اكتمال الإيمان وتمامه وبين حب الجار الخير لجاره كما يحبه لنفسه، وكراهية الشر له كما يكرهه لنفسه.
وفي حديث ثالث، يقول –عليه الصلاة والسلام-: (لا يؤمن أحدكم حتى يأمن جاره بوائقه)، فجعل من صحة إيمان العبد وصدقه أن يأمن جاره أذاه وشره وغدارته.
بعض من حقوق الجار التي نصت عليها الشريعة الإسلامية
لقد أولت الشريعة الإسلامية للجار وحقوقه اهتماما كبيرا وجعلت الجار ينافس ذوي الأرحام والأهل والأقارب في مكانتهم ووجوب الإحسان إليهم واستحباب إكرامهم ونذكر من تلك الحقوق ما يلي:
حسن المعاشرة
وتشمل تلك العبارة مظاهر كثيرة من إكرام الجار وحسن معاملته، فحسن المعاشرة تقتضي تعهد الجار لجاره بالزيارة، وتفقد أحواله والاطمئنان عليه من حين لآخر، ومشاركته أفراحه وأطراحه، والوقوف معه في الشدائد ومساندته في المحن، وعيادته في مرضه، وما إلى ذلك من أوجه البر والإحسان.
حق الشفعة
وهذا حق شرعي يلزم الجار بمراعاة جاره في حالة ما إذا كان يرغب في بيع أرض أو عقار أو غيره، فهذا الحق يقتضي أن يعرض الجار على جاره الأمر أولا، فإن أراد هو الشراء فهو أولى من غيره.
حق التهادي والتزاور
الهدية والزيارة من باب تأليف القلوب وتوطيد عرى المحبة والإخاء، ولا عجب في ذلك فالجار يكون أقرب للإنسان من والده أو لده أو أخيه الذي تفصله عنه بلدة أو حي أو غيره، فهو أول من يستنجد به، إذا ما حل به خطب أو نزل به كرب.
نصره والوقوف إلى جانبه
من حق الجار على جاره إذا احتاج إلى مناصرته أو مساندته في أمر ما أن لا يتخلى عنه ولا يتركه أبدا.
مراعاة شعوره
التعامل مع الجار من التعاملات العميقة والتي تشمل تفاصيل كثيرة قد يطلع الجار على كثير من أحوال جاره فينبغي في كل ذلك أن يراعيه ويراعي مشاعره ومشاعر أبنائه، فلا يفتخر بما يملك ولا يثير غيرته أو حسده بكثرة الحديث عما لديه من النعم، وإن اشترى شيئا واطلع عليه، فليهديه بعضا منه فإن كان ذلك غير ممكن فلا يريه إياه ابتداء، وتحت هذا البند تندرج كل مظاهر رقي الخلق والكلمة الطيبة والتعاون المثمر.