خطبة: حقوق وآداب القيادة على الطريق

خطبة: حقوق وآداب القيادة على الطريق

مقدمة الخطبة

الحمد لله رب الأرباب، جعل الطريق حقا مشروعا للناس وجمله بالآداب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أحسن من مشى على الأرض بلا ارتياب، وأفضل من بين حقوق الطريق فأصاب، وعلى آله وأصحابه إلى يوم الحساب.

أما بعد، فاتقوا الله- عباد الله-، وزينوا تقواكم بالعمل الصالح، فإن ذلك وصية الله ﷻ لكم وللأنبياء قبلكم: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾.

الخطبة الأولى

أيها المؤمنون: إن الله ﷻ قد هيأ لنا الطرق لتسهيل حياتنا، ولنستعملها في قضاء حوائجنا، ومكن الخلق لجعلها تتطور في كل عصر لتتناسب مع مقتضياته، ولأن الطريق حق للجميع فإن الحفاظ عليه واجب إيماني، ومنهج رباني، يقول النبي ﷺ:«الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون، شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان».

وقد جعل الشارع الحكيم للطريق آدابا ينبغي للمسلم أن يتعرفها، ووجب على العاقل أن يتقيد بها عند استعماله للطريق، وقد سعت المؤسسات الرسمية، إلى حفظ حقوق العباد على الطرقات، فسطرت القوانين، والكل- على السواء- مسؤول عن تطبيق هذه الآداب وتنفيذ تلكم القوانين، والله ﷻ يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾.

أيها المسلمون: لقد جاء الإسلام مانعا من وقوع الأذى على النفس أو الغير، وقد سأل أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- النبي ﷺ عن أفضل الأعمال، فعد له النبي ﷺ جملة من أفضلها، ثم قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال:«تكف شرك عن الناس؛ فإنها صدقة منك على نفسك».

ولا يخفى عليكم – أيها الحكماء – أن على المسلم أن يحفظ نفسه وغيره على الطريق، فلا يقدم على أمر يجلب المضرة إليه أو إلى الناس، فـ«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه».

ومن جملة ما على المرء أن يحذر من الوقوع فيه السرعة الجنونية، أو التهور الطائش الذي يشتت السائقين من حوله، بل على المسلم أن يمشي هونا مطمئن القلب هادئ الجوارح، والله ﷻ يقول: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾.

عباد الله: إن مما ابتليت به الأمة اليوم أن يقود البعض مركبته وعقله وجوارحه مشغولة بالهاتف النقال، وهو رغم أهميته في حياتنا إلا أن استعماله في أثناء القيادة مفض إلى عاقبة وخيمة، فإن بعض الدراسات المعتمدة في العالم تبين أن استعمال الهاتف في أثناء القيادة يرفع نسبة وقوع الحوادث الأليمة، فهو اشتغال عن الطريق بما يشتت الانتباه، ولا يظن ظان أنه أملك لنفسه عند قيادة سيارته فيسوغ لنفسه العبث بهاتفه، فإن المخاطر تأتي فجأة وقد يصعب الحذر منها لمن اشتغل عقله عنها، وفي ذلك قتل للنفس وإزهاق لأرواح الأبرياء، إذ يعرض الفرد نفسه والآخرين للخطر، والله ﷻ يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾، ويحذر ﷻ من خطر إزهاق أرواح الناس، فيقول سبحانه: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾.

فاتقوا الله- عباد الله-، وصونوا أرواحكم وأرواح إخوانكم، واجعلوا مسيركم في الطريق آمنا باتباع قواعده وآدابه، ﴿وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.

هذه أيضًا ⇐ خطبة: حق الطريق وآدابه في الإسلام – مكتوبة

الخطبة الثانية

الحمد لله الهادي إلى الرشاد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، بلغ رسالة ربه فأجاد، ﷺ وعلى آله وأصحابه إلى يوم المعاد.

أما بعد، فيا عباد الله: إن المرء قد يجد في الطريق من لا يحترم القوانين، ولا ينضبط بضابط الآداب فيه، ولكن لا يشطط المسلم إن تجاوز غيره الحق، بل عليه أن يصون نفسه ويضبط انفعالاته ليسلم هو وغيره، والله ﷻ يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

وكن – أيها الموفق – ممن يبدؤون قيادتهم بذكر الله، فإنه يجلب الاطمئنان، ويريح قلب الإنسان، يقول ربنا ذو الإحسان: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:«ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا الله، إلا كان عليهم ترة – أي نقصا -، وما من رجل مشى طريقا فلم يذكر الله، إلا كان عليه ترة»، إن هذا الحديث يبين أهمية الذكر والدعاء لسالك الطريق.

ثم إنكم -معاشر أهل الفضل- جسد واحد مع إخوانكم، يرحم بعضكم بعضا، ويعطف أحدكم على الآخر: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى»، فتناصحوا بينكم بما يعزز استقامة السلوك في استخدام الطريق، فأنتم خير الأمم، يقول الرب الأكرم: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾، ويقول النبي ﷺ:« إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه، أوشك الله أن يعمهم بعقابه»، فاتقوا الله عباد الله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:
Scroll to Top