الإسلام هو دين العدل والإنصاف، يحرص على أن يؤتي كل ذي حق حقه ويلزم كل ذي واجب بواجبه ومسئوليته، ولأن الأسرة بنيان راسخ طويل الأجل وشراكة لا تنتهي إلا بانقضاء العمر، ولا تنفك عراها إلا بقرار خطير وحدث جلل، ولأن الاحتكاك بين طرفيها يبلغ أقصاه والتقارب والالتصاق يبلغ منتهاه، فكان لزاما أن يضع الشارع الحكيم إطارا محددا للحقوق والواجبات التي تتكون منها تفاصيل العامل بين الزوجين، وقد ذكرنا في مقال سابق فضل الزوج على زوجته وحقوقه عليها، وهنا سوف نتناول بشيء من التفصيل حقوق الزوجة على زوجها في زمن الإنترنت والانفتاح اللامحدود، داعين الله أن ينفعنا وينفع بنا ولعل هذه الكلمات تكون في ميزان حسناتنا، ولعلها تصادف من يحتاج إلى تذكرة فتذكره أو من يحتاج إلى نصح فتنصحه.
لماذا قُيد العنوان بحق الزوجة على زوجها في زمن الفتن؟
إن هذا التقييد المصاحب للعنوان أعلاه مقصود، حيث أن معظمنا يعلم حقوق الزوجة على زوجها ويحفظ من النصوص ما يبينها، ولكن في هذا الزمان الذي أصبحت الفتن فيه ملتفة حولنا من كل مكان، وأصبحت الذنوب أسهل ألف مرة من ذي قبل، والانفتاح الرهيب خلق فرصة للتواصل مع كل الناس، ومن هؤلاء الناس من في قلبه مرض ومنهم الحاقد والحاسد ومنهم ذا الحاجة الذي يشق عليه طريق العفاف وتعرض عليه المفاتن ليل نهار.
ومن ثم فإن من الحرمان ما كانت تصبر عليه المرأة وتتجاوزه ويعينها في ذلك وجودها في مجتمع مغلق ومحكوم وغالبا تسيطر عليه النوازع الإسلامية والدوافع الدينة، وتمسك زمامه قبضة العفة والطهر، أما الآن فقد أصبح المنكر متاحا وغابت الرقابة وأصبح المجتمع الحاكم بأمره هو مجتمع الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، بكل ما تحمله من أفكار وحريات وفتن.
قائمة حقوق الزوجة… على رأسها التحصين
أقر الإسلام للزوجة على زوجها عدة حقوق انطلاقا من عقد الزوجية ومنها ما يلي: للزوجة على زوجها حق واجب وهو أن يحصنها ويعفها ويحرص على اشباع حاجتها الانسانية إلى الاهتمام، والكلمة الطيبة والتعبير عن مشاعر الحب، والثناء الحسن، واحترامها ورفع مكانتها، خاصة أمام الآخرين، وليعلم الزوج أنه إن لم يفعل ذلك، فقد يفعله غيره من أصحاب القلوب المريضة التي أعياها الحرمان واستبد بها الظمأ، وليعلم كذلك أن المرأة الصالحة التي تحرم تلك الحقوق، قد يوسوس لها الشيطان فتفتح له باب من أبواب الفتنة، فأعن زوجتك على نفسها، وأشبع احتياجاتها للحب!
كذلك للزوجة حق توفير سكن مستقل لها، على قدر استطاعته.
للزوجة على زوجها أن يوفر لها الرعاية الصحية التي تحتاجها، ولا يتركها تعاني من المشكلات الصحية وحدها.
كما يحق للزوجة على زوجها الإنفاق عليها وتوفير حاجتها من الطعام والشراب، والملبس في حدود استطاعته، حتى وإن كانت عاملة فهو مطالب بالنفقة عليها، مصداقا لقول الله عز جل: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ۚ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ).
أن يوجهها إلى ما فيه الخير لها، وأن يقَوم اعوجاجها ويحاسبها على التفريط في أي حق من حقوق الله، وقد ضرب لنا الإسلام مثلا على هذا الحق فيما يتعلق بالصلاة، فقال عز جل: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (132).
أن يعينها على تربية الأبناء، ولا ينصرف عنهم منشغلا بكسب المال وتحقيق النجاح المهني على حساب بيته، (وللأسف فقد أصبح هذا النمط سائدا في الآونة الأخيرة، من كلا الطرفين)
أن يطعمها من حلال ويكسوها من حلال، وهذا ما كانت تناشد به الزوجات الصالحات من نساء السلف أزواجهن، عند خروجهم للعمل وكسب الرزق، فتقول إحداهن: (اتق الله ولا تطعمنا من حرام فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار).
من حقها عليه أيضا أن لا يؤذيها بعلاقات محرمة أو يجرحها أو يهينها بخوض هذا النوع من العلاقات، فإن كان لا بد فاعلا فليكن نكاح بالحلال ويجب إعلامها بذلك.
وأخيرا عزيزي الزوج، اعلم أن لزوجتك عليك كل ما لنفسك عليك من حقوق ، وعلى رأسها ما لخصته الية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (6).