عندما يزور الموت قريتك كل صباح ثم لا يغادرها قبل أن يختار قريبا أو اثنين للعودة معه، ثم ما يلبث أن يعاود الكرة حتى تنتظر دورك لمرافقته، فأنت غالبا تنتمي لقرية «حقال»!
«حقال» قرية هادئة تقع في الجهة الشمالية الشرقية لمحافظة الليث، يستيقظ أبناؤها كل صباح للبحث عن إجابة للسؤال التالي «من مات الليلة الماضية؟» وذلك بعد أن شيعوا حتى كتابة هذا الحرف «82» شخصا من أبنائهم وأحبابهم وأقاربهم بالسبب ذاته والعلة نفسها، مرض «السرطان» الذي أصبح النطق باسمه هناك أسهل من نطق اسم مرض «الإنفلونزا»!
يشترك أهالي قرية «حقال» مع كل سكان الكرة الأرضية في أنهم لا بد أن يستخدموا الماء لأغراضهم المختلفة، إلا أنهم يختلفون عن كل العالم في أن مياههم تلك هي السبب الرئيسي لمآسيهم وأحزانهم بسبب إمداد القرية بمياه شرب ملوثة قضت على عدد كبير من أبناء القرية، فيما لا يزال عدد آخر يسافر يمينا ويسارا ابتغاء العلاج!
مستعمرة «السرطان» تلك كما لقبها الإعلامي الحقيقي «حسن الطالعي» في تقريره الصادق والمؤلم عن تلك القرية، عبر قناة العربية، تبعد عن أقرب مستشفى متخصص مسافة 300 كيلومتر، وهي المسافة التي لم تكن كافية للحد من العدد المهول من الضحايا هناك!
مصيبة عظمى أن تتحول البيوت في مكان ما إلى مجالس للعزاء في كل يوم، إلا أن المصيبة الأعظم في الصمت الكبير من قبل الجهات المعنية حيال كل ذلك، رغم مناشدة أبناء القرية ثم مقاضاة الوزارات المعنية أمام ديوان المظالم، إلا أن النتيجة كما يقول «الطالعي» كانت مزيدا من الضحايا والصمت والتغاضي، ككل القضايا المماثلة!
بقلم: ماجد بن رائف