عناصر الخطبة
- التذكير بمناسبة المولد النبوي الشريف.
- النبي ﷺ رحمة للعالمين.
- ظروف ميلاد النبي ﷺ.
- الصفات والمميزات التي أُعطيها للنبي ﷺ.
- الأحوال التي وُجِد فيها النبي ﷺ.
- الدلائل على محبة المسلمين للنبي ﷺ.
الخطبة الأولى
الحمد لله..
مع غرة هلال شهر ربيع الأول من كل عام هجري نستذكر نحن معشر المسلمين خاصة والناس عامة يوم مولد نبي الرحمة المهداة الذي اصطفاه رب العالمين ليكون رحمة للعالمين ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ سورة الأنبياء: 107 كل العالمين من الإنس والجان، بشيراً ونذيراً، قال الله ﷻ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ سورة سبأ: 28
ولد رسول الله ﷺ عام الفيل، العام الذي جاء ابرهة الأشرم ومن معه من الملاحدة لهدم الكعبة المشرفة، فكان من بركات مولده ﷺ في عام مولده أن حمى الله ﷻ الكعبة المشرفة بإرسال العقوبة على المعتدين، أرسل عليهم طيراً أبابيل ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ﴾ سورة الفيل 1–5
إن حماية البيت العتيق من الظالمين هي أول إرهاصة من إرهاصات مولده ﷺ، ثم توالت الإرهاصات بعد مولده ﷺ حتى جاءه الوحي في غار حراء.
لقد منح الله ﷻ رسوله ﷺ من الصفات العظيمة التي لن يتصف بها أحد من الناس قبله ولا بعده، وصدق سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه في مدح رسول الله ﷺ في قوله:
وأفضل منك لن تر قط عيني
وأحسن منك لم تلد النساءخلقت مبرءأً من كل عيب
كأنك قد خلقت كما تشاء
لقد مرت البشرية بأحوال ومتغيرات منذ مات أبو البشر سيدنا آدم عليه وسلم، ثم جاء بعده الأنبياء والرسل في فترات من الزمن حتى جاء سيد المرسلين ﷺ فوجد البشرية قد انحرفت عن الفطرة السوية والمنهج الرباني، عبد الإنسانُ الأوثان وقدس الأصنام، وسجد لأحجار صماء، لا تملك ضرا ًولا نفعا ً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، وعمت قطيعة الأرحام وإساءة الجوار، ووأد البنات، وأكل الحقوق، وكثرة العقوق، وعدا القوي على الضعيف.
كانت البشرية تعيش في ظلمات بعضها فوق بعض تبحث عن بصيص أمل واعدٍ، تنعم فيه بالأمن والاستقرار، وتتطلع إلى سبيل الرشاد، وطريق الهداية، فأكرمها الله ﷻ بالرسول الكريم ﷺ ليكون الرحمة المهداة والسراج المنير للبشرية قاطبة، وهو ما أخبر به رسول الله ﷺ عن نفسه: «يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة»، فهو ﷺ تمام المنة من الله ﷻ على عباده، قال ﷻ ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ سورة آل عمران: 164؛ ليجعل الله على يدي رسوله ﷺ السعادة والخروج من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى العلم، ومن الظلم والبغي والعدوان والخوف إلى العدل والسلام والاطمئنان والأمان، فكان مولده ﷺ إيذاناً بانتصار الحق، وهزيمة الباطل ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ سورة الأنفال: 8
ومن اليقين أن مولده ﷺ وبعثته إنما هي دعوة أبي الأنبياء وشيخ الحنفاء سيدنا إبراهيم عليه السلام، قال ﷻ حكاية عنه لما كان يرفع بناء البيت الحرام في مكة المكرمة ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ سورة البقرة: 129، وهو ﷺ بشارة نبي الله عيسى عليه السلام، قال الله ﷻ حكاية عنه ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ سورة الصف: 6
وعن أبي إمامة رضي الله عنه قال قلت: يا نبي الله ما كان أول بدء أمرك؟ قال: «دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى، ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت منها قصور الشام» [رواه أحمد].
حريٌّ بنا أن نستلهم من ذكرى مولد النبي محمد ﷺ عبرة الماضي التليد، ودروس الحاضر ورؤى المستقبل في منهج رباني شامل ودستور الهي متكامل يحرر العقول والافهام من الخرافة والاوهام ليأخذ بيد البشرية جمعاء من الكفر إلى الايمان ومن الضلال إلى الهدى ومن الجهل إلى العلم ومن الظلام إلى النور ومن الوهم إلى الحقيقة، ويدعو إلى التوازن بين الدين والدنيا والحياة والآخرة، وإن رسول الله ﷺ ما خير بين امرين الا اختار ايسرهما ما لم يكن آثما لا يرجم بالغيب ولا يتهم بالظن ولا يحكم بالشبه.
حقاً إن ذكرى مولد المصطفى، ﷺ، مناسبة لاستذكار البناء الذي قام عليه المجتمع الإسلامي الأول، والمؤاخاة بين المسلمين مع بعضهم، والمواطنة الأخوية الشاملة بين المسلمين وغير المسلمين بعهود واتفاقيات شكلت دستور العزة الإيمانية، وقانون العدل والمساواة في طاعة الله ﷻ والاقتداء برسول الله ﷺ من دلائل محبتنا لسيدنا رسول الله ﷺ طاعته في كل ما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر.
ومن دلائل محبتنا لسيدنا رسول الله ﷺ أن نعيش في أحاديثه الشريفة لنسعد في الدنيا والآخرة، وإن ما نراه يقع في البلدان من فتن ومحن، ومن هزات وزلازل وغيرها من الحوادث التي جاءت في أحاديث الفتن تجعلنا نرتقي بإيماننا بأن رسول الله ﷺ صادق الوعد ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ سورة النجم: 3
ومن دلائل محبتنا لسيدنا رسول الله ﷺ أن يكون رسول الله ﷺ أحبَّ إلينا من أنفسنا ليكتمل إيماننا، فإن الإيمان لا يكمل إلا إذا كانت محبته ﷺ أعظم من محبة كل شيء في الوجود، لقوله ﷺ «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» [رواه البخاري].
ومن دلائل محبته ﷺ ما يفعله المحبون له ﷺ من احتفال يليق بالمقام الشريف من غير إفراط أو تفريط، ولئن كان الصحابة رضي الله عنه مشغولين بالدعوة إلى الله ﷻ مع خالص حبهم لرسول الله ﷺ، فمن المناسب أن نذكّر انفسنا ونذكّر الناس بمحبته ﷺ بقراءة سيرته العطرة التي تحيا بسماعها القلوب.
⇐ وهنا خطبة: المولد النبوي الشريف، استنهاض لعزيمة الأمة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ آل عمران: 102.
لا تنسوا الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ﷺ، فعن أُبي بن كعب رضي الله عنه: «أنّ من واظبَ عليها يكفى همه ويُغفر ذنبه»، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»، وصلاة الله على المؤمن تخرجه من الظلمات الى النور، قال ﷻ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ الأحزاب: 43، ومن دعا بدعاء سيدنا يونس عليه السلام: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ استجاب الله له، ومن قالها أربعين مرة فإن كان في مرض فمات منه فهو شهيد وإن برأ برأ وغفر له جميع ذنوبه، ومن قال: «سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة، حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر».
ومن قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكُتِبَتْ له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي»، وعليكم أيضاً بـ«كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن وهما سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» قدر المستطاع.
والحمد لله ربّ العالمين.
وأترككم أيضًا مع خطبة: المولد النبوي الشريف تصحيح لمسار البشرية – مكتوبة
وفقنا الله ﷻ وإياكُم لكل خير.