نتكلم وإياكم في هذه المقالة عن حسن الظن بالله -سبحانه وتعالى- والتفاؤل بالخير دومًا. فمن عرف الله حق المعرفة أحسن الظن به -سبحانه وتعالى-. ومن أحسن الظن بالله أحسن العمل مع الله -سبحانه وتعالى-. فسارع إلى ما يرضي الله. وابتعد عما يغضب الله -سبحانه وتعالى-. ومن لم يعرف الله حق المعرفة أساء الظن بالله والعياذ بالله. ومن أساء الظن بالله أساء العمل. فلم يراقب ربه ولم يعرف قدر ربه. ففرط فيما يرضي الله. وأسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي والعياذ بالله.
حديث عظيم، يقول الله -سبحانه وتعالى- في الحديث القدسي ﴿أنا عند ظن عبدي بي﴾ فما ظني أنا وإياك بالله؟.
وفي رواية أو في المسند ﴿فإن ظن بي خير فله. وإن ظن بي شرا فله﴾.
سوء الظن بالله
مدخل خطير من مداخل الشيطان. وهو يجعل العبد يسيء الظن بالله -سبحانه وتعالى-. يقول الله -تبارك وتعالى- في سورة البقرة ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.هذه الآية في قضية الصدقة والإنفاق والزكاة. يخوف الشيطان العبد من الإنفاق؛ سينقص مالك، الفقر، وغيرها من هذه الأمور. وههذ الآية تعم عمومًا في أمر المستقبل.
فمن مداخل الشيطان على الإنسان أنه يخوفه من أمر المستقبل. مسألة الرزق، والأبناء، العمل… الخ.
الإنسان يفكر في أمور مستقبلية، وهي علمها عند الله -سبحانه وتعالى-.
فالشيطان يُخَوّف، ودائما يجعل الإنسان يخاف من المستقبل، ويكون عنده ترد في أمور كثيرة. فليبتعد الإنسان عن هذا المدخل الشيطاني والعياذ بالله.
فالأمر كله لله -سبحانه وتعالى-. وهناك قضاء وقدر. وغدا -الذي هو الغد القريب- ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾. أنا وإياك ما ندري ماذا سيحصل لنا في الغد؟ فلماذا نحمل هم السنوات ومسألة المستقبل ومسألة رزق العيال والبنات؛ وأمور وهموم.. حتى وصل بعض الناس من كثرة التفكير في هذه الأمور أن أصبح يعاني من مرض نفسي. وعنده خوف وهلع.. بل وصلت إلى الانتحارات في أوساط المسلمين والعياذ بالله.
هذه من مداخل الشيطان، فأغلق هذا المدخل.
﴿وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً﴾. عطاء الله لا حدود له. فضله واسع -سبحانه وتعالى-. فمن حسن الظن بالله أن تتوقع الجميل من الله. كُن متفائل، كل أمورك ستكون خيرًا إن شاء الله، كل مشاكلك ستنحل، كل ما تريده بيد الله. لكن كن مع الله.
حسن الظن بالله
في حديث عظيم؛ يجعل الإنسان يحسن الظن بالله ويثبت في مسائل القضاء والقدر ويتعلق بالله، فيكون هناك عطاء لا حدود له. يقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف».
كن مع الله، حافظ على أوامر الله، ابتعد عن مساخط الله؛ يحفظك الله -سبحانه وتعالى-. وكلنا نريد حِفظ الله -سبحانه وتعالى- لنا في أمور مستقبلنا. حِفظٌ لأنفسنا، لأموالنا، لأبنائنا، كل ما نملك.
فاحفظ الله، والله سيحفظك مصداقًا هذا الحديث.
إذا سألت فاسأل الله.. وهذا من مواطن حسن الظن بالله. فالله خزائنه ملأى. يقول الله في الحديث القدسي ﴿يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر﴾.
استشعر هذا الحديث؛ خزائنه ملأى، فما علينا وإياك إلا أن ندعو. ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾. والإنسان إذا دعا فهو في عبادة وهو يؤجر على هذه العبادة، فإما أن يستجاب له وإما أن يصرف عنه سوء، وإما أن يُدَّخر له عمل صالح يوم القيامة.
نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام
قصص كثيرة في القرآن يذكرها الله لنا لكي نُحْسِن الظن به، والقصص في القرآن ليست هكذا؛ قصص عابرة أو ثقافة أو معلومات؛ لا، الله -سبحانه وتعالى- يذكر لنا القصص؛ فإذا أثنى الله على صاحب القصة وجعل له العاقبة الحسنة فهو يحثني أنا وإياك.
فممن دعوا الله؛ أيوب -عليه السلام-. وهذه القصة فيها حسن ظن بالله في الدعاء وحسن ظن بالله في أن الله يكشف ما بك من ضر ومرض وفقر. فالله قادر على كل شيء.
﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ | فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا﴾ خاصة بأيوب ﴿وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾؛ لي لي أنا وإياك إذا عبدنا الله حق عبادته فوالله سيكرمنا الله وسيستجيب لنا وسيشفينا ويعطينا عطاءً لا حدود له.
فأيوب وصل به البلاء -قيل في بعض التفاسير 17 سنة- من يتحمل هذا البلاء؟
يفقد ماله، وولده، وأصابه مرض -قيل إنه مرضٌ معدٍ- فأُخرِج من القرية. لكنه متعلق بالله، فدعا الله ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾، فاستجاب الله له. كشف ما به من ضر وآتاه ضِعف ما فقد.
فيا أيها العابد؛ أحسِن الظن بالله، وادع الله وانتظر الفرج.
الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره
ولكي يصبر الإنسان على قضاء الله وقدره ويحسن الظن بالله. يجب أن يعلم أن هناك قضاء وقدر ماضٍ. لن يتغير قضاء الله، لكن فيه من الخير ما الله به عليم.
ومن حسن الظن بالله أن الله -سبحانه وتعالى- أعلم بما يصلح حالي أنا وإياك. ونحن في اختبار ودار بلاء. ليست دار إكرام ولا دار إهانة. الإكرام في جنة عرضها السماوات والأرض والإهانة أن يكون الإنسان من أهل النار والعياذ بالله.
﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ | وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ | كَلاَّ﴾ ليس الأمر كذلك.
هو اختبار؛ فمن رُزِق في الدنيا بالجاه والمال والمنصب وغيرها.. هل ينسبها لله ويصرفها فيما يرضي الله ويشكر الله ويتقرب إلى الله؟ أم أنه يكفر بالنعمة والعياذ بالله!
وأما من لم تأتِه الدنيا؛ هل يتضجَّر ويتسخَّط؟ وقضاء الله ماضٍ ماضٍ. أو أنه يصبر ويؤجر؟
الاستغفار والتوبة إلى الله
ومن حُسْن الظن بالله أن الإنسان إذا استغفر، أن الله يغفر له ذنوبه. يقول الله في الحديث القدسي ﴿يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة﴾.
لكن متى يغفر الله؟ إذا كان هناك دعوة ورجاء وفعل أسباب. فالله لا يتعاظمه شيء. لكن الاستغفار يكون من القلب؛ ندم وحسرة وتذكر آثار الذنوب والمعاصي وأن الإنسان سيقابل ربه وهناك جنة ونار.
من الغرور أن الإنسان يُصِر على ذنوبه ومعاصيه ولا يفعل الطاعات، ويقول: الله غفور رحيم. هذا غرور وهذا من مداخل الشيطان. فاحذر منه.
ومن الأمور التي يُحسِن فيها العبد الظن بربه أنه إذا تاب يقبل توبته. والتوبة واجبة عليّ أنا وإياك ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
والله -سبحانه وتعالى- يحب عبده إذا تاب؛ فقد جاء في صحيح البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال «لله أفرح بتوبة عبده»، وفي رواية مسلم «لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه».. ثم ذكر قصة الذي فقد راحلته وما عليها من زادٍ وماء.
كيف أن الإنسان يجد فرحة لما يلقاها وهو في صحراء يوشِك أن يموت؟ فالله أفرح. وتأمَّل.. من أنا وإياك ليفرح الله بنا؟
بل أنه من كرم الله -سبحانه وتعالى- أنه يُبدل السيئات حسنات إذا صدقت التوبة. فماذا بعد هذا الكرم؟
اقرأ قول الله -سبحانه- في سورة الفرقان ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾. ما أكرم الله!
الغرور التسويف
لكن احذر من الغرور، واحذر من التسويف؛ وأنك يأتيك ملك الموت وأنت لم تتوب ولم تستغفر ولم ترُد الحقوق إلى أهلها.
وعلينا أن نحذَر من سوء الظن بالله؛ لأنه كبيرة من كبائر الذنوب. يقول -سبحانه- ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾. وهي من صفات أهل النفاق وأهل الشرك كما بين الله في آية أخرى.
فما هو ظن السوء بالله؟ فسره ابن القيم بأن الله لا ينصر نبيه، وأن هذا الدين سيضمحل وأنه سينتهي.
فالله -سبحانه وتعالى- نصر نبيه. ومعروفة قصة النبي ﷺ. وسينصر هذا الدين إلى قيام الساعة وسينصر أولياءه. لكن ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس﴾، ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّب﴾. والله يجعلني وإياكم سبيل في نصرة هذا الدين، ولو بالدعاء، ولو بالثبات في زمن الفتن. فهو نصرة لهذا الدين العظيم.
فلا تظن هذا الظن السيئ، أو يظن الإنسان أن ما يجري في هذا الكون وما يجري لشخصه أنه ليس بقضاء الله وقدره. فهو قضاء الله وقدره.
ومن سوء الظن يتوقع أن ما يصير في هذا الكون أو ما يحصل له أنه ليس لحكمة، بل له حكمة بالغة لا يعلم بها إلا الله. فالله -سبحانه وتعالى- حكيم، وأعلم بما يصلح حال العبد. ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾.
الله أعلم بما يصلح حالي أنا وإياك. فكل شيء له حكمة.
ثم يحذر الإنسان من سوء الظن بالله، أن الله لا يقبل عمله ولا يقبل الصالحات وأن الله لا يستجيب دعاءه أو أن الله لا يرحمه. وهذه من مداخل الشيطان. فلنحذر من القنوط من رحمة الله. والله يجعلني وإياك ممن يحسن الظن بالله حق الإحسان. ونعوذ بالله من الغرور ومن خداع الشيطان. ونعوذ بالله من التسويف. ونعوذ بالله من سوء الظن به.