في زمن اشتدت فيه المحن، واجتمعت الشدائد، وتكاثرت الفتن، وعز النصير، نبحث حولنا عن طوق نجاة وباب ندخل به إلى ساحات الرحمة والأمل في مدد من الله، فلا نجد أوسع من حسن الظن بالله.
حسن الظن بالله ليس مجرد شعار إسلامي نرفعه، ولا كلمات جوفاء نرددها، وإنما هو يقين ونمط تفكير يجب أن يتبناه المسلم في حياته، فنحسن الظن بالله في كل حال وعند كل شدة، يجب أن يولد فينا يقين بأن الله رحيم وكريم وأن الشدائد حتما ستتبدل يوما، وأن الآلام والمحن سوف يليها فرج وراحة وسعة، حتى مع المعصية وغلبة الشهوات لا بد أن يكون لدينا من حسن الظن بالله ما يعيننا على التوبة، ولنعلم يقينا أن الله غفور رحيم وعفو يقبل التوبة عن عباده، ويرحب بالمسيء كما يرحب بالمحسن.
ومن ثم سوف يكون حديثنا في هذا المقام عن حسن الظن بالله، وفضله، وكيف نوطن أنفسنا عليه، وعن العلاقة بين حسن الظن بالله والقدرة على مواجهة المصاعب والتغلب عليها والخروج بفضل الله من نفق المحنة المظلم إلى حيث السعادة والأمل والنجاة المحققة.
فضيلة حسن الظن بالله والأثار التي تحض عليها
بادئ ذي بدء يجدر بنا توضيح معنى حسن الظن بالله وصوره، فحسن الظن بالله عبادة قلبية وعادة فكرية ونفسية تعني توقع الخير من الله عز وجل، فتوقع المٌبتلًى أن الله كاشف ضره لا محالة، هو حسن ظن به، وتوقع التائب أن الله سيقبل توبته ويعزز أوبته هو أيضا حسن ظن بالله، وتوقع المكافح المجد في سعيه نحو أهدافه أن الله سيؤتيه سؤله ويحقق أمله ويكلل جهده بالنجاح والتوفيق، وتوقعه أن يؤتيه ثمار تعبه هو من باب حسن الظن بالله، وتوقع المتضرع لله أن الله يسمع دعاءه وأنه عز وجل أكرم من أن يرد يديه صفرا، ويقينه أنه قريب مجيب الدعاء حسن ظن بالله، وتوقع المظلوم أن ينصره الله ولو بعد حين هو قمة حسن الظن بالله.
وثمة أثار كثير يزخر بها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في الحض على فضيلة حسن الظن بالله، ومنها ما جاء عن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنها أنه قال: “والذي لا إله غيرُه ما أُعطي عبدٌ مؤمن شيئاً خيراً من حسن الظن بالله عز وجل، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنَّه؛ ذلك بأنَّ الخيرَ في يده”
ومنها ما ورد في الحديث القدسي الشهير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” قال الله عز وجل: أنا عند حسن ظن عبدي بي فإن ظن بي خيرا فله، وإن ظن شرا فله”.
ثمرة حسن الظن بالله، والاستعانة به على تجاوز المحن والملمات
كلنا عرضة لتقلب الدهر ومحنه واختباراته التي لا تنتهي، وكلنا يمر بلحظات من الوهن والضعف التي يظن معها أن لا أمل في الخلاص، وتضيق به نفسه وتضيق بها الدنيا على رحابتها واتساعها، إلا أن رحمة الله بنا أبت إلا أن يكون هناك طاقة نور تخفف عتمة الوجع، وتمنحنا أملا نستعين به في الرحلة وهي طاقة حسن الظن بالله، فمتى مست هذه الطاقة شغاف القلب وأضاءت ظلمته تهون المصيبة وتخف وطأتها، لأن الإنسان يشق عليه تحمل ألم طويل لا يعلم نهايته، ويهون عليه إذا أيقن أن الله سيغيره ويبدله إلى خير وأمل، لذا ينبغي أن يكون شعارنا الدائم:
ضاقت ولما استحكمت حلقاتها … فرجت وكنت على يقين بأنها ستفرج
كيف نوطن أنفسنا على حسن الظن بالله؟
حسن الظن بالله من العبادات والعادات القلبية التي تحتاج إلى مران ودربة حتى نوطن عليها أنفسنا، ولكن كيف السبيل إلى ذلك.
إن الطريق إلى ذلك اليقين هو أن نحسن قراءة الأحداث والمحن التي مرت بنا، وأن نعيد على أنفسنا سؤالا واحدا:
كم مرة ضاقت بنا الدنيا واشتدت الخطوب وجاءنا نصر الله من حيث لا نحتسب.
كم مرة دعونا الله دعاء المضطر الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعنا، وجاءنا المدد من الله.
كم مرة أوشكنا على الهلاك وعزت أسباب النجاة، وعدمنا الحيلة في الخلاص، فسخر الله لنا أسباب النجاة بلا أدنى جهد منا، ولا توقع.
ولا شك ان الإجابة دائما ستكون، عشرات المرات، بل مئات المرات لو أحسنا العد.