إن كلمة الخلق تعني الطبع أو السجية، وهي تشمل كل ما يصدر عن الإنسان من قول أو فعل أو سلوك، تجاه غيره، وحسن الخلق هو حسن التعامل مع الناس والتزام قواعد الأدب والذوق والرقي في علاقة الفرد بمن حوله، وهو مدار الحكم على الإنسان وعلامة اكتمال الإيمان.
وهنا سوف نتناول مضوع حسن الخلق ومكانته في الإسلام، ولماذا احتل كل هذه المكانة؟ وكيف نرتق بأخلاقنا إلى درجة ترضي الله عنا، ونرقى بها إلى مراتب الصالحين ومقامات العارفين.
أولا: حسن الخلق في ميزان الشريعة الإسلامية
تزن الشريعة الإسلامية حسن الخلق بميزان من ذهب، وتجعل منه مقياسا من مقاييس الحكم على الناس بالخيرية، بل تجعله مقياسا للتفاضل بين الخلق، والتفاوت في درجة القرب من النبي –عليه الصلاة والسلام- يوم القيامة، ويدل على ذلك ما ورد عن النبي –صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: (أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا)، ولا عجب فنحن أمة بعث نبيها ليتمم مكارم الأخلاق، ويكمل مجامع الخير، ويدلل على طرق النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة بأمر ربه، وهو الذي يقول عن نفسه: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وهو الذي لقبه أعداؤه بالصادق الأمين، ووصفه ربه بالخلق القويم فيقول جل وعلا في مدح النبي صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ).
وقد أعلت الشريعة حسن الخلق وحثت عليه وجعلت له منزلة تجعل صاحبه يرقى إلى مراتب العابدين الصالحين، وهذا ما يدل عليه قول الحبيب المصطفى –صل الله عليه وسلم-: ( إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، وهذا فيه ما فيه من تعظيم حسن الخلق والدعوة إليه.
ومن مظاهر حرص الإسلام على إعلاء قيمة حسن الأخلاق، أن أوصى ولي أمر البنت المقبلة على الزواج بتزويجها ممن يرضى خلقه ودينه، فقال –صلى الله عليه وسلم-: (إذا جاءكم من ترضن دينه خلقه فزوجوه)، قال خلقه ودينه ولم يقل نسبه أو ماله أو حسبه أو سلطته.
ثانيا: لماذا رفع الإسلام قيمة حسن الخلق إلى هذا الحد؟
إن شريعتنا الغراء ماهي إلا طائفة من الأوامر النواهي، قد تختلف في مضامينها ومقاصدها، ولكن تتفق جميعها أن هناك قاسما مشتركا يربط بينها، وهو كونها تندرج تحت شق من شقي الشريعة، أولهما شق العبادات، وثانيهما شق المعاملات.
أما العبادات فلا شك في أهميتها، ولا شك أنها وسيلة العبد إلى نيل رضا الله، ولا تكتمل العقيدة إلا بها، غير أن فضل الطاعات والعبادات وأجرها الكبير، إنما يعود على الفرد نفسه ولا يشمل أحد غيره، فثواب الصلاة يجده العبد في دنياه وآخرته، وصلة الرحم يبارك الله بها له في عمره ورزقه، وصيامه يُجزى هو به ولا أحد غيره.
ولأن الإنسان فرد وجزء من مجتمع متكامل، لا ينفصل عنه، فه يؤثر فيه ويتأثر به ومن ثم ينقلنا هذا إلى الحديث عن شق المعاملات.
وكلمة معاملات هذه تشمل كل مظاهر الاحتكاك بالآخر من قول أو فعل أو حتى إشارة، وهي تنقسم إلى قسمين أحدهما المعاملات المالية، وثانيهما المعاملات المعنوية أو الأدبية, أما المعاملات المالية فلها ضوابط شرعية وضعها لنا الإسلام، أما المعاملات المعنوية الأدبية فهي ما يتضمنه مفهوم الخلق، ومن ثم يمكننا القول بأن عبادة الإنسان لنفسه، وثوابها عائد عليه هو وحده، بينما معاملاته وحسن أخلاقه أمر يعود نفعه على المجتمع كله، فلين الجانب ورقة الطبع، والسماحة وبشاشة الوجه كلها يعود أثرها على الفرد ويتعداه ليشمل كل من هو في دائرة تعاملاته.
كما أن عبوس الوجه والسب والفحش في القول والفجر في الخصومة، تنعكس أثارها على مجتمع الشخص وقرابته وصحبته.
ثالثا: كيف نرتقي بأخلاقنا؟
من فضل الله علينا ورحمته أن بعث فينا ومنا رسولا أميا يعلمنا الكتاب والحكمة، وألبسه ثوب الكمال، وجعله نعم القدوة والمثل الأعلى في الخلق، ومن ثم يمكنا أن نرقى بأنفسنا ونحسن أخلاقنا من خلال عدة نقاط:
الحرص على التأسي بالنبي –صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام.
يمكن السيطرة على كم رهيب من السلوكيات القاسية أو ردود الفعل التي تعكس سوء الخلق، فقط لو تعلمنا أن نضع أنفسنا مكان الأخرين، وأن لا نصدر تجاههم سلوكا يؤذيهم أو يضرهم، واستوعبنا أن الآخر بشر مثلنا، يتحمل ما نتحمله ويجز عن حمل ما نعجز نحن عن حمله.
كذلك استحضار الأثار الطيبة التي يمكن أن يجنيها الفرد والمجتمع جراء حسن الخلق.