تشكل حرية التعبير في عالمنا العربي مادة جدلية، فلأجلها قامت الثورات، وبها يطالب المواطنون، فما هي حرية التعبير؟ وما حدودها؟ وما شروطها؟ وكيف نطبقها؟
ما المقصود بحرية التعبير؟
تقول الدكتورة “حليمة قعقور” الأستاذة الجامعية في القانون الدولي العام: أن حرية التعبير هى حق موجود بالعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية ١٩٩٦، وكذلك موجودة بمعظم دساتير العالم التي تنص على حرية التعبير سواء بالفكر، بالعقيدة، بالكتابة، بالتليفزيون، أو بأي طريقة كانت.
وبالحديث عن لبنان بشكل خاص، فإنها من ضمن الدول المتعددة ثقافياً، واجتماعياً، مما يجعل حرية التعبير مهمة أكثر حتى يتم الحفاظ على هذه التعددية.
ومصطلح “العيش المشترك” الذي نرفضه نحن كمصطلح يُطلق من قبل السلطة، والنظام السياسي في لبنان كوسيلة لتقسيم وتوزيع الحصص بين هؤلاء الفئات المختلفة، من شيعة، سنة، وغيرهم من الفئات حتى يتم الحفاظ على العيش المشترك. وذلك يعتبر مفهوم خاطئ تماماً؛ فالعيش المشترك يحتاج إلى احترام الجميع في عدم التمييز بين الفئات.
وحتى محافظ على هذه التعددية الموجودة بلبنان، لابد وأن نفتح المجال لحرية التعبير مع الحدود القانونية الموجودة في الاتفاقيات حسب المعايير الدولية.
وقديماً كانت لبنان من أكثر الدول التي تتمسك بحرية التعبير، ولكن في وقتنا الحالي تظل حرية التعبير تحت الخطر والتهديد ببعض ممارسات النظام.
ومن الجدير بالذكر، أن الشعب لابد وأن يتحرك ويطالب بحرية التعبير عبر جمعيات المجتمع المدني إذا كانت موجودة أصلاً؛ فالآن حتى جمعيات حقوق الإنسان يسيطر عليها الأنظمة السياسية، وتحركها مثلما تريد.
وفي مجتمعنا العربي، نحن نفتقد الوعي عن حرية التعبير، فأي رأي يغاير أو يستفز الأنظمة، سريعاً ما توقفه؛ وهذا يلغي أصلاً فكرة أو مفهوم حرية التعبير، فحرية التعبير تعنى أن أقول الضد بكل أريحية، ولا تعني أبداً بأن أقول ما يتماشى مع النظام، وهذا ينفي المعنى الحقيقي لحرية التعبير. ولابد وأن نعرف أن المادة رقم ١٨ من العهد الدولي يضمن الحرية الدينية، والمادة رقم ١٩ من العهد الدولي تضمن حرية التعبير بحدود يضعها القانون فقط، ويتم وضع حد لهذه الحريات في أوقات الضرورة فقط لحماية الحقوق والحريات الأخرى، وهناك حوالي ٥٥ دولة بالعالم تضم قوانين للحد من نقد الذات الالهية، ومنها حوالي ٩ دول قد يصل الحكم فيها إلى الإعدام.
ومن أهم حدود حرية التعبير، خطاب الكراهية، فمثلاً قد يقول شخص أنه ضد الإسلام، أو ضد الدين المسيحي، فكلاً منهم لديه الحرية في التعبير عن ذلك، والنقد بأي شكل، ولكن ما يسمى بخطاب الكراهية، والذي يعد ممنوعاً، والذي يحث على العنف والكراهية ضد أي فكر.
ومن أهم وسائل تنظيم حرية التعبير ووضع حدودها في الدول المتقدمة، وضع حدود للتعبير عن الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي كما في فرنسا.
ولابد وأن نعرف أيضاً أن حرية التعبير، لا تقل أهمية عن الحرية الدينية، والعكس صحيح، فحقوق الإنسان بأكملها مهمة ولا يمكن أن تتجزأ.
ومن أهم الأساليب الذكية التي تستخدمها الحكومات حتى تلغي فكرة حرية التعبير وتشوه صورتها، هو جعل الأشخاص لا يفكرون في المال العام وانتقاد السلوك السياسي في الدولة وغيرها من الأمور، وتسليط الضوء بدلاً من ذلك على الحرية الشخصية، بما تتضمنه من حرية الدين، الحرية الجنسية وغيرها.