بيّن عليه الصلاة والسلام في حديث ان الدين يسر أن هذا الدين مبناه على اليُسر والسماحة والسهولة؛ كما قال الله تعالى في الآية ١٨٥ من سورة البقرة (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). وقال سبحانه في الآية ٧٨ من سورة الحج (وما جعل عليكم في الدين من حرج).
تابعوا القراءة؛ فسوف نستعرض هنا شرح حديث ان الدين يسر وبعض الدروس المستفادة منه وبعض معاني الكلمات الوارِدة فيه.
معنى حديث إن الدين يسر
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) رواه البخاري؛ وفي رواية له (سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا).
معني سددوا
ولتعرِف أن المراد ب سددوا أن الإنسان دائِما لا يُمكِن أن يكون على جادَّة الصواب ١٠٠%؛ وإنما أحيانًا يُسدد وأحيانًا يُقارب. ولعل من المقاربة قوله -سبحانه وتعالى- في الآية ١٣٥ من سورة آل عمران (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم).
معنى الغدوة
المقصود بالغدوة -من غدى- أي أول النهار. ولذلك، فيقال على صلاة الغداة هي صلاة الفجر.
فعن أنس بن مالك قال : سئل النبي –صلى الله عليه وسلم– عن وقت صلاة الغداة، فصلى حين طلع الفجر، ثم أسفر بعد، ثم قال (أين السائل عن وقت صلاة الغداة ؟ ما بين هذين وقت).
معنى لن يشاد الدين أحد إلا غلبه
هذا الشرع عندما يسَّر لك التعبد الله عز وجل وفتح لك أبواب الخير، وقال اعمل وفق ما أمرتك فإنك حينما تظن أنك لابد ان تأتي بكل أبواب الخير وفي كل وقت فإنك شققت على نفسك، وشددّت على نفسك؛ ومن شدد شدد الله عليه.
ومن شاد الدين غلبه الدين، لأنه إذا شاد انقطع؛ تمامًا كما لو كان بينك وبين أحد شد حبل (مثلا)، فلو كنت أنت ضعيف البنية ومن هو أمامك ضعفك مرتين وثلاثة وأربعة في القوة.. أنت تعرِف النتيجة!
فهذا الدين متين وقوي، وبالطبع أقوى وأعظم منك. قال تعالى في الآية ٥ من سورة المزمل (إنا سنلقي عليك قولا).
فإذا أردت أن تشادّه ستنقطع، مهما بلغت قوتك ستضعف.
مظاهر اليسر في الإسلام
وفي حديثٍ آخر يُبيّن مظاهر اليسر في الإسلام؛ لما علم النبي ﷺ بتشديد عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- على نفسه في العبادة يوم أن كان شابًا؛ ناداه، فأخبره الرسول ﷺ أنه بلغه أنه يصوم ولا يفطر إلا قليلا، ويقوم ولا يكاد ينام؛ فقصَّر في حق أهله.
وهذا من التوازن العظيم الذي يوجد في هذا الدين، فلا تقوم الليل وتقصر في حق زوجتك؛ فالدين يشمل هذا القيام، ويشمل أيضًا القيام بحق البيت والزوجة والأولاد، فكله دين.
فقال له المصطفى -صلى الله عليه وسلم- (كيف تصوم؟) قال: كل يوم، قال: وكيف تختم؟ قال: كل ليلة، قال: صم في كل شهر ثلاثة، واقرأ القرآن في كل شهر، قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: صم ثلاثة أيام في الجمعة، قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: أفطر يومين وصم يوما، قال: قلت: أطيق أكثر من ذلك، قال: صم أفضل الصوم صوم داود: صيام يوم، وإفطار يوم، واقرأ في كل سبع ليال مرة.
وأكمل -عبد الله بن عمرو- فليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذاك أني كبرت وضعفت، فكان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن بالنهار، والذي يقرؤه يعرضه من النهار؛ ليكون أخف عليه بالليل، وإذا أراد أن يتقوى أفطر أياما وأحصى، وصام مثلهن كراهية أن يترك شيئا فارق النبي صلى الله عليه وسلم عليه.
فالنبي ﷺ نصحه؛ كأن الإنسان إذا أكثر على نفسه من هذا يضعف عن القيام ببعض الواجبات، والصوم لا شك يضعف.
ولهذا كان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- لضعف جسمه لم يكن يصوم إلا رمضان، ويقول (يشغلني عن القرآن).
التيسير على العباد
فالله تعالى يحب التيسير على عباده، فمن تشدد في الدين وشدد على نفسه وتنطّع، فإن الدين يغلبه، وبالتالي ينقطع عن العبادة؛ لأن هذا التشدد يخالف فطرة الإنسان.
فمثلا لو كان الإنسان متعبا، وقرر أن يقوم الليلة كله، فأصبح يصلي وهو متعب، فسيصل إلى لحظة تغلبه عينه، وربما نام عن صلاة الفجر، وهذا معنى (الدين غلبه)، إذا شدد على نفسه، فهو الآن شدد على نفسه في صلاة الليل مع كون النوم يغلبه، ثم فاتته صلاة الفجر التي هي الفريضة.
وذلك في الروايات الأخرى قال (فأوغِلْ فيه برِفقٍ)؛ أن الإنسان لا يشدد على نفسه تشديدا مبالغًا فيه، وقد يصل ذلك التشديد إلى درجة الغلو،