لم تكن المدرسة الفيثاغورسية التي أنشأها فيثاغورس قبل أكثر من ألفين وخمس مئة عام كأي مدرسة للحكمة، فبغض النظر عن طريقة العيش التي فرضتها المدرسة على طلابها وعلى الشروط الصارمة للانضمام إليها، وبغض النظر عن تعاليمها القاسية، كان الطلاب لا يحلفون؛ لأن فيثاغورس علمهم أن من واجب المرء أن يكون صادقا بغير قسم.
كما أن كل الأنبياء وجميع الرسالات السماوية كانت تحض على الصدق ودرء الكذب، والقرآن الكريم والسنة النبوية مليئان بالأدلة والشواهد على حرمة الكذب وعقوبته.
فلقد قال الرسول ﷺ «وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا»، فكيف أصبح الكذب سلوكا طبيعيا لا يستهجنه أحد! أهو الخوف من العقاب الذي يدفع الإنسان إلى الكذب؟! أم أن الكذب بات ضروريا لتجميل الحقائق البشعة؟
أذكر أن شخصا ما تقدم لخطبة إحدى الفتيات من مدينة أخرى، وبعد السؤال عن الرجل لم يجد ولي أمر الفتاة من يذم الخاطب مثلما لم يجد من يثني عليه إلا قلة قليلة من أقاربه، وعندما سئل عنه في مدينته لم يعرفه أحد! وبعد الزواج اكتشفت الفتاة في زوجها رجلا سيئ الخلق إلى درجة لم تتخيلها يوما، وبعد التحقيق اكتشف ولي أمرها أن زوج ابنته الذي امتدحه البعض هو رجل ذو تاريخ أخلاقي حالك، وأنه قام بتغيير اسمه الأول وانتقل من المدينة التي كان يقطن فيها إلى مدينة أخرى ليتمكن من الزواج، حيث لم يرتض أحد من مدينته قبوله زوجا لإحدى بناته!
هذا الرجل «الكاذب» لا يقل سوءا عن كثير ممن يكذبون على الآخرين ليتزوجوا، ولا يختلف عمن يتم سؤالهم عن بعض الخطاب ويمتدحونهم دون أدنى معرفة، أو يمتدحون من يشهدون عليهم منكرا أو خلقا سيئا، ظانين أنهم سيحسبون بذلك عند الله «ستّارين»، دون أن يفكروا فيما سيترتب على هذا الكذب من أمور قد تنهي مستقبل فتاة ظلمت بالزواج من رجل سُتِر عليه بالكذب!
بقلم: أثير النشمي