«مني» تسأل: أبدأ مشكلتي.. حيث إني فتاة في الثامنة عشرة من عمري، أدرس في الصف الثالث الثانوي الأزهري.
مشكلتي تبدأ أنني متعلقة بشاب جامعي متخرج حديثا متدين بصدق، وسيم وفكره راق جدا ومن بيئة ميسورة الحال ووضعه الاجتماعي جيد جدا، ولكنه عصبي نوعا ويمتلك شقة ممتازة، وتربطني به أيضا صلة قرابة، واعترف بحبه لي أكثر من مرة واعترفت له أيضا، وأصبحت لا أتخيل حياتي بدونه، وكل يوم يزداد ارتباطي به، حيث يأمرني دائما بطاعة الله وينصحني بما يصلح حياتي وينظمها، حيث أصبحت أشعر بطعم جميل للحياة معه.
ومما زادني حبا واحتراما له أنه لم يستغل الحب في أن يفعل أمورا محرمة مثل التقبيل واللعب بعواطفي، وحتى الآن والله لم يلمس حتى يدي، وأتيحت له الفرصة ولكنه لم يفعل، وكان دائما ينصحني بألا نتقابل كثيرا حتى لا نغضب الله ولا يلاحظ الناس والأقرباء شيئا فيكثر الكلام.
وفي ظل هذه العاطفة تقدم لي شاب يعمل في دولة أوروبية، وحاصل على دبلوم صنايع، حيث أرسل أهله صورتي له، وأرسلوا لي صورة له، وتضغط أمي علي بقوة لأوافق عليه وتحاول أن تقنعني بأن حبيبي يتلاعب بعواطفي، وأنه لا يفكر في خطبتي.
ذهبت إلى حبيبي وأخبرته عن الشاب المتقدم لي، لكنه قال لي إنه لا يعمل الآن ويحتاج بعض الوقت حتى يجد العمل المناسب، وإنه لا يستطيع خطبتي إلا عند الحصول على العمل، وقال لي “الاختيار لك وشوفي الأفضل”، فشعرت بأنه تركني وحيدة أواجه هذا الموقف، وحاولت أن أهرب من ضغط أمي بأني أريد أن أراه وأتحدث معه وأعرف عنه كل شيء حتى لا أعطيهم الأمل في الموافقة عليه حيث إنه غير موجود في مصر، ولكنها تقول لي “صورته موجودة شوفيها وإحنا سألنا عنه وهو شاب كويس”، ورأيت حبيبي لا يحرك ساكنا فاقتنعت بكلام أمي ووافقت على هذا الشاب.
ولا أعرف.. هل ما فعلته صحيح؟ أم غير صحيح؟ وهل هذه طريقة صحيحة في الاختيار؟ أقصد عن طريق إرسال الصور.
أنا لم أجلس معه، ويكلمني فقط على “الموبايل” كل يوم منذ يوم الخطوبة حتى الآن، وأنا خائفة جدا من حياتي المقبلة، وخائفة أن أندم على التعجيل في الاختيار، وحبيبي القديم يراودني في خيالي، وخائفة أيضا أن أندم عليه وفي حيرة من أمري.
فهل أفسخ الخطوبة؟ أم ماذا أفعل؟
آسفة على الإطالة.. أريد الإجابة سريعا.. وجزاكم الله خيرا.
الإجابـة
كثرت هي قصص الحرب.. أقصد قصص الحب، واختلفت في مساحتها وقوتها ومعادن أبطالها، فصارت تحصد عدد ضحايا أكبر مما تحصده الحروب الباردة والساخنة مجتمعين! حتى وكأني أرى الحب غرفة “إنعاش” نورها الأحمر مضاء دوما، يدخلها المحبون فوجًا من بعد فوج ولا يخرج منها معافى مسرورا إلا أقل القليل.
قد أكون متشائمة -ربما- لكن هذا ما أراه، لذا أتصور أن الحل في أمرين لا ثالث لهما:
- الأول: أن نرفع من قوة “الجهاز المناعي” لمرضى الحب فتزداد مقاومتهم ليتمكنوا من أخذ القرار الصحيح في الوقت المناسب.
- والثاني: أن نزيد من كفاءة الأطباء وليأذن الله بالشفاء أو ليمتحن قلوب البشر وصدقها، بالبقاء في الابتلاء لحين يعلمه وحده سبحانه.
ولن يزداد الجهاز المناعي قوة إلا بالرغبة في الشفاء وتجرّع الدواء المرّ على كراهته؛ وقلبك الآن يصارع مشاعره يا صغيرتي وأنتِ تصرين على طلب الإنقاذ من عاجز!
نعم ، فحبيبك عاجز -رغم صدقه- للدرجة التي تجعله يتخلى عن حلم الارتباط بك ومع اكتشافك لروعته في الماضي، لكنه صار عليك الآن أن تكتشفي أن روعته “ليست كافية”؛ لأنها لم تمكّنه من الوقوف بجانبك أو عمل خطط بديلة لحين التحاقه بعمل ليفوز بك زوجة يرضاها لنفسه أمام الله عز وعلا، ألم يكن في مقدوره أن يستخدم صلة القرابة ومعرفة والدتك لرغبتكما في الارتباط ليحدّثها، ولو حديثا وديا بأنه يرغب الزواج بك، وأنه ينتظر أن يدخل البيت وهو راضٍ عن شكله أمامكم، خاصة أنه يملك بدايات الارتباط كالشقة الممتازة مرتكنا على أنه ميسور الحال كما قلت.
فإن كنتِ لا تعرفين الرجل فتعالي أعرفك إياه؛ فهو إن عشق يصبح فارسًا حالما تترقرق عيناه بالدموع من فرط رقة المشاعر التي يحملها لحبيبته، لكن حين يلوّح الزواج أو يطل برأسه على هذا المشهد الرومانسي تتغير الحسابات داخل رأسه، وحينها يكون أحد شخصين، إما أن يقرر أن يستجمع كل إرادته للفوز بالزواج ممن يهواها بمحاولات جادة حقيقية فيقدّر له الله عز وعلا الزواج بمن أراد أو لا يقدّر، ويكون حينئذ “مشكورا”ً.. أو يستسلم خوفا أو هربا أو قلة حيلة وتجربة.
ولكل من النموذجين أبطاله، وكم شهدت الحياة قصصا وبطولات ظهر فيها كدّ وإصرار لمحبين بحق -وإن قلّوا- من أجل الفوز بمن أحبوا وإن طالت عليهم الأيام والسنون، فهكذا هو الرجل يا صغيرتي حين يقرر الزواج من امرأة بعينها!!
فمحبوبك أعاد حساباته من جديد فوجد أنه لن يستطيع الاستمرار في مشروع الزواج منك، فلا تغضبي منه بل احترمي صدقه الذي تأخر قليلا، فقد يكون السبب كما يقول العمل أو غيره فلا تشغلي بالك كثيرًا بتلك الأسباب فالنتيجة واحدة.
أعلم أنك قد ترفضين تحليلي؛ لأنك ترفضين تصديق الحقيقة، ولكن هكذا البشر يأخذون وقتًا حتى يعرفوا الحقيقة، فلا تعميك صرخات قلبك العاشق المحموم أو إشارات الأمل المزيفة عن الأخذ بخطوات نجاتك يا ابنتي.
فلتلملمي جراحك واذكري أن الحب يبقى عندما يرى طرفا العلاقة أن كلا منهما يستحق البذل وتحمّل المتاعب من أجل الفوز والاستمرار معا؛ وهو قد حمل لك مشاعر ولكنها مشاعر “غير مسئولة” لا ترقى؛ لأن توصف بأنها حب حقيقي يجعله قادرًا على البذل “الكافي” للاحتفاظ بك؛ فلقد عجز عن مجرد المحاولة، لأنه حبيب “نظري” يتحدث حديثا شيقا، يبثك اعترافات حب طاهرة، وتظهر روعته، لكن عند العمل لا شيء، فهل ستتركين قلبك يهوى حتى النزع الأخير؟
يبقى أن أقول لك أمرين:
- الأول: أن فكرة التضحية بالحبيب ذاته من أجل حبه لحبيبه فكرة خاطئة كم روّج لها الإعلام، ونحن من ورائه حملنا نفس الشعارات، ولكن حقيقة الحب هي البذل لهذا الحب والبذل لإتمام العلاقة بمحاولات جادة، والله يقدّر ما يشاء لمن يشاء، أما “شوفي الأفضل” فهذا هو الهراء بعينه فغدا سيتخلى عن أحلامه حلما وراء حلم لأن لكل حلم “ثمن” وهو لم يقو على دفع هذا الثمن.. لا أقصد بالثمن “العمل” ولكن الثمن أكبر من هذا؛ فيظهر في تصرفاته ومروءته تجاهك وتجاه الزواج بك، أو لعلك ستكونين أنت “بروفته” الأولى التي يتعلم فيها كيف يحافظ على تحقيق أحلامه؟ وفي كلتا الحالتين هو لا يناسبك على الأقل حتى الآن.
- الثاني: الزواج.. فالزواج ليس نزهة أو قرار ضمن قرارات، فنقول لا بأس بألا يكون صائبا! ولكنه قرار هام ومصيري يحتاج منا معرفة الكثير عن الطرف الآخر، معرفة حقيقية قدر الإمكان من خصال وإيجابيات وسلبيات ووجهة نظر وتفكير وتحمل مسئوليات، فكيف ستعرفينها؟ من صوته أم من شخصه الذي تتخيلينه؟ أم من حديثه عن نفسه؟ فليس هكذا نعرف شريك الحياة ونقرر الزواج منه؛ فنفسك وحياتك أغلى من ذلك.
لقد تحدثنا مرارا وتكرارا في اختيار شركاء حياتنا، وأتصور أننا حين نختار “حذاء” سنبذل جهدا في اختياره ومعرفة مناسبته لنا بالقياس والتأكد من جودته وحين نقتنع به ندفع ثمن شرائه! ونحن نتحدث عن زوج ستعاشرينه بالمعروف وتتعاهدين معه على الوقوف بجانبه في السراء والضراء وستمنحينه قلبك ونفسك وجهدك لتبنيا معا بيتا قويا يملؤه الأطفال الأسوياء.. فهل ستقررين ذلك بصورة وصوت؟
ملحوظة أخيرة: ما زلت صغيرة تقفين على أعتاب الحياة فلتنهلي منها لتخطي خبراتك المختلفة فيها فتنضجي وتعرفي معاني الحياة ومعادن البشر وأدوارنا فيها.
⇐ هذه أيضًا بعض الاستشارات السابقة:
- ↵ هل يُمكن للصبر أن يُثمر عن زواجٍ ناجح؟
- ↵ حبيبتي التي لم أطلبها.. تزوجت غيري!
- ↵ هل يُمكن للزواج أن يجمع بين الحب والشراكة والطموح؟
⇐ أجابتها: أميرة بدران