رِضا الناس غاية لا تدرك.. هذا ما تعلمناه ونشأنا عليه، وهذا ما أثبت الواقع صحته فالناس لا تجتمع على أحد ولا يحظى أي شخص برضا الجميع مهما فعل، ولو كان ذلك ممكنا لاجتمعوا على الله عز جل، فإن الناس لم يتركوا برا وفاجرا إلا واتهموه، حتى الله عز وجل نسبوا له شريكة وجعلوا له ولدا، ومن ثم فمن الحكمة والفطنة أن يتحرر الإنسان من غاية إرضاء الناس، ولا يتخذ أحكامهم ولا آرائهم تقييما لنفسه ولا أعماله، وليكن هدفه الوحيد إرضاء الله وطاعته.
ولكن محبة الناس شيء آخر ودلالته مختلفة والطريق إليه مختلف أيضا، وهنا سيكون حديثنا عن محبة الناس للإنسان وكيف أن هذا أمر محمود، وكيف يكسب المسلم محبة اخوانه.
حب الناس لك من حب الله
الصالحون يزهدون في حب الناس ولا يشغلهم ذلك من قريب أو بعيد، فيفعلون ما يؤمرون به من بذل النصح للغير والمساعدة ابتغاء وجه الله، لا يرجون من أحد جزاء ولا شكورا، ولا يبتغون بصنيعهم المدح أو الثناء في المجالس، بل يفعلون البر خالصًا مخلصا لله عز وجل، فيوضع لهم قبل عجيب في الأرض ويرزقون محبة الناس والتفافهم.
وهذا من المحبة المحمودة مادام لم يُتوصل إليها بفعل معصية أو بعمل يقصد به الرياء أو غيره من الأساليب الغير مشروعة.
الدليل على أن حب الناس نعمة وفيض من حب الله للعبد
حين يكون المؤمن قد وصل درجة الإخلاص مع الله، واتبع سنة نبيه الكريم وحسن ما بينه وبين خالقه فإن الله يحبه ويأمر ملائكته بحبه فيحبوه، ويرزقه القبول بين الناس فيحبوه ويقبلوا عليه، وهذا مصداقا لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول نقلا عن رب العزة: (إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إني أحب فلانًا فأحببْه فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض)؛ متفق عليه.
ويؤخذ من هذا أن محبة الناس للعبد دليل على محبة الله له، متى كان هذا العبد مؤمنا صالحا مشهود له بالتقى والعفاف، ومتى كان هؤلاء المحبين من الصالحين، ويؤخذ من ذلك أن حب الناس لبعض المشاهير من أصحاب المهن المشتبه في شرعيتها، مثل الراقصات وغيرهن، لا يعتبر دليلا على محبة الله.
كيف يكسب المسلم محبة اخوانه؟
إن المسلم كالغيث أينما حل نفع، ونفعه قد يكن رأيا أو نصيحة أو كلمة حق تقال عند الحاجة أو كلمة مواساة لمسلم في محنة أو شدة أو غيرها، والنفع في أضعف الإيمان قد يكون بشاشة في وجهه تسعد من يلقاه ولو مصادفة، وحسن محيا يرتاح له من يرافقه، ومن ثم فإن الطرق إلى اكتساب محبة الإخوان من المؤمنين كثيرة جدا ومتسعة وشاملة، ومنها ما يلي:
إلقاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف، فإلقاء السلام يجبر الخاطر ويورث المحبة بين السلمين وينشر الشعور بالأمن والطمأنينة.
التعاون في السراء والضراء، والوقوف مع المسلمين في أفراحهم ويتأكد الأمر بالوقوف بجوارهم في شدائدهم أو متاعبهم.
أن يكون المسلم سمحا طيبا لين الجانب، ليس بفاحش في القول ولا غليظ، فقد قال –صلى الله عليه وسلم مؤكدا على هذا الأمر: (رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى).
أن يكون المسلم أمينا على حاجات الناس من متاع أو أسرار أو غيرها من الأمور، فالمؤمن المؤتمن الذي يثق الناس به غالبا ما يقبلون عليه ويحبون مجالسته وصحبته.
أن يكون كريما معطاءا، يحسن إلى المحتاج ويساعد الفقير، ويعين المريض، فالكرم من الخصال التي يستجلب الإنسان بها محبة الله ومحبة الناس، أما البخل وتوابعه فهو من أكثر الخصال التي تحرم المرء محبة إخوانه، وتورثه نفورهم منه وبعدهم عنه، لذا أرشدنا النبي أن التهادي يبن الناس من سبل المحبة التي لا يضل سالكها، فالهدية تعكس الاهتمام والتقدير والحب وتدخل السرور على قلوب الناس.
أن يكون المسلم عادلا تقيا نقيا ورعا لا يخشى في الله لومة لائم، فهذا النمط من الناس يحظى بحب الناس وتقديرهم ولجوئهم إليه.
أن يكون ممن يساعدون الناس في حوائجهم، ويهتمون لأمرهم، وأن يكون ممن يحسنون الاستماع للأخرين.