نشأت الدولة الفاطمية ببلاد المغرب وثبتت فيها ولكنها دائماً ما تطلعت لمصر وفتحها، وحاولوا مراراً تحقيق ذلك ولم ييأسوا إلى أن جاء المعز لدين الله الفاطمي فأخذ يعد العدة وهيئ السبل لذلك من تمهيد الطرق وحفر الآبار وبناء الاستراحات ثم عين قائد من أمهر وأكفأ القادة بالجيش الفاطمة وهو جوهر الصقلي الذي بنى لنفسه مجداً أمد الدهر ففتح مصر وبنى الجامع الأزهر الذي أصبح منارة للعالم كله، وفي السطور القادمة نتحدث عن شخصيته الفريدة فكونوا معنا.
من هو جوهر الصقلي
هو أبى الحسين جوهر بن عبد الله ولد سنة ٩٢٨ م وتوفي سنة ٩٩٢م، ويسمى جوهر الرومي وهو من أصل يوناني، وهو من أشتهر بالقيادة في عصر الدولة الفاطمية، وأسس دعائمها في مصر وبنى الجامع الأزهر وأسس مدينة القاهرة وبنى بها قصر ضخم للمعز لدين الله الفاطمي، وعمل على مد ملك الدولة الفاطمية بالشرق وفتح بلاد المغرب ومصر وفلسطين والشام والحجاز، وهو من الشيعة.
حياة جوهر الصقلي ونشأته
ولد ج في جزيرة صقلية التي تقع في البحر المتوسط تقريباً في سنة ٣١٦ هـ/ ٩٢٨م، ولذلك نسب إليها وصقلية في هذا الوقت كانت تابعة للفاطميين، جيء به في سن صغير للمهدية في زمن المنصور بالله الفاطمي، وتمت نشأته بطريقة عسكرية وانتظم في الجيش ثم أخذ يترقى حتى وصل لمرتبة قائد القوات للدولة الفاطمية في عصر المعز لدين الله، ولشدة ذكائه وكفاءته التي أظهرها في قيادة الجيش أسند إليه فتح مصر التي كانت في ذلك الوقت تابعة للإخشيديين والدولة العباسية فأصبحت تابعة للفاطميين.
أهم أعماله
- فتح مصر واستقرَّ بها.
- بنى الجامع الأزهر ليصبح مركز عالمي للعلم والدين.
- غزى دمشق وفلسطين وفتحهما وأصبحا تحت ملكه.
في منتصف شهر رمضان أرسل بشرى للخليفة الفاطمي المعز لدين الله بفتح البلاد وكان وقتها بإفريقية ودعاه للقدوم مما جعل الشعراء تمدحه ومنهم محمد بن هانىء الأندلسي، حيث قال في ذلك:
تقول بنو العباس هل فتحت مِصْرُ؟ فقل لبني العباس قد قضي الأمر
وقد جاوز الإسكندرية جـوهــــر تطالعه البشرى ويقدمه النصـر
جوهر الصقلي وفتح مصر
أراد الفاطميون فتح مصر لأن مصر بوابة الشرق، وقد حاول الخليفة المهدي فتحها وبعث الجيش ثلاث مرات ولكن كل محاولاته باءت بالفشل، حتى جاء المُعز لدين الله واهتم اهتماماً بالغاً بالأمر وأخذ بكل السبل لفتح مصر وأعدَّ الجيش بأكثر من مائة ألف من مقاتلي البربر وولى عليهم أمهر وأشجع القادة حيث رأى فيه المقدرة الذهنية والحربية والإدارية التي تؤهله لذلك وقال له المعز حينما ودعه مع الجيش لبث الثقة فيهم: أنه إذا ذهب لمصر وحده سيفتحها بدون حرب ويبنى فيها مدينة لقهر الدنيا.
سار القائد بكل ثقة مع الجيش حتى نزل بالقرب من الإسكندرية وبعث لأهل مصر يخبرهم بقدومه فأرسلوا إليه بطلب الأمان منه فأعطاهم ذلك، ولكن الإخشيديين علموا بذلك فاستعدوا للحرب فعلم جوهر بذلك فبعث لهم العهد والأمان ولكنهم لم يتفقوا وقرروا المواجهة واتجه الجيش نحو الجيزة ولكنهم انهزموا أمام الجيش الفاطمي وفر من فر وقتل البعض ومن طلب الأمان منحه له جوهر.
أصبحت بذلك مصر تحت الحكم الفاطمي وبعد أن اطمئن جوهر لثبات الحكم أكمل حملته العسكرية، وكان جعفر بن فلاح قائدً عليها فذهبت لفلسطين وبلاد الشام وطبرية، وتم فتحها جميعها وضمها للحكم الفاطمي حتى شنَّ القرامطة هجوماً عليها فتصدى لهم جوهر ودعمه الخليفة وقدم إليه ليصد هذه الهجمات.
موت جوهر الصقلي
يذكر أنه في شهر ذي القِعدة عام ٣٨١ من الهجرة مرض جوهر وزاره العزيز بالله، وبعث له خمسة آلاف دينار، وكذلك فعل الأمير منصور بن عبد العزيز، ثم مات سنة ٣٨١ هـ، وتم دفنه بالقرافة الكبرى، وقد جعل العزيز ابنه الحسين في رتبة والده وتم تلقيبه بالقائد ابن القائد، وجعل له جميع ما كان لوالده، ورثاه جميع الشعراء بمصر على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم، فقد اشتهر بغزارة علمه وصفاته النبيلة وتعدد مواهبه وفطنته.
وهناك رواية أخرى تقول: أنه قد وقع خلاف بينه وبين المُعِز فعزله من منصبه، ثم عين نائباً للعزيز بالله حتى عام ٩٧٩م، ولكنه جُرِّد من ألقابه ومنصبه بعد هزيمته بالقرب من دمشق وقد كان يسعى لضمها، وتوفي في الثامن والعشرين من يناير عام تسعمئة واثنين وتسعين ميلادية.