نعْنِي بذلك الجهاز العصبي. فعلا؛ سنتحدث في هذا الموضوع عن جميع الأنظمة الحيوية التي تحافظ على استمرارية حياة الجسم، وتجعل الحياة أكثر سهولة.
الجهاز العصبي
كل الحيوانات على هذه الأرض ما عدا البسيطة منها تمتلك جهازاً عصبياً. فالجهاز العصبي هو الذي يوجه الأعضاء للقيام بعملها؛ فهو يتحكم بالسلوك مثلاً، وهو ما يجعلكم كائنات واعية وحساسة.
يتكون الجهاز العصبي من أجزاء رئيسية كالدماغ والأعصاب والنخاع الشوكي. وكل هذه الأجزاء مكونة من خلايا متخصصة غير موجودة في أي جهاز آخر في الجسم. وهي الخلايا العصبية أو العصبونات، فإذا رأيتموها من قبل تعرفون أنها تشبه شجرة بجذورها وساقتها وفروعها.
الأعصاب
تتشابك الخلايا العصبية مع بعضها لتكون الأعصاب؛ وهي المسارات التي تنتقل عبرها الإشارات الكهروكيميائية من جزء إلى آخر في الجسم.
على سبيل المثال؛ عند قضم قطعة البيتزا تميز المستقبلات الحسية الموجودة على براعم التذوق في اللسان أن الإنسان يتناول طعاماً مالحاً ودسماً وطيب المذاق.
وتحمل هذه المعلومات عبر المسارات العصبية إلى الدماغ الذي يتعرف على مذاق الطعام ويقول؛ إنها بيتزا.
فيُرسل معلومات بالمقابل عبر مسارات النخاع، ليقول: يجب أن أتناول المزيد من البيتزا.
الدماغ والجهاز العصبية في جسم الإنسان في غاية التعقيد. حيث يعتمد الجهاز العصبي مبدأ توزيع المسؤوليات على الخلايا العصبية، وهو مقسم إلى قسمين رئيسيين؛ الجهاز العصبي المركزي والجهاز العصبي الطرفي.
الجهاز العصبي المركزي
يشمل الدماغ والحبل الشوكي؛ وهو المسئول عن تحليل وتفسير المعلومات التي يوصلها إليه الجهاز الطرفي.
والجهاز الطرفي يتألف من جميع الأعصاب الممتدة خارج الدماغ والحبل الشوكي والمسؤولة عن جمع المعلومات وإرسالها إلى الجهاز المركزي.
حين يتخذ الجهاز المركزي القرار حول معلومات معينة فهو يرسل إشارات إلى الجهاز الطرفي ليأمره بفعل شيء ما. وبالتالي؛ الجهاز الطرفي يُنفذ الأمر. كل هذين الجهازين يحتويان على نوعين من الخلايا العصبية الواردة والصادرة.
الخلايا العصبية الواردة والصادرة هي مصطلحات بيولوجية. فالخلايا العصبية الواردة تحمل المعلومات إلى المركز، بينما الخلايا العصبية الصادرة تحملها من المركز.
الخلايا العصبية الواردة (الحسية)
تنقل المعلومات إلى الدماغ والحبل الشوكي لتحليلها، وفي الجهاز الطرفي تسمى الخلايا العصبية الواردة بالخلايا العصبية الحسية؛ لأنها تتأثر بمحفز خارجي مثل مذاق البيتزا الرائع، وتجمع هذه الخلايا الحسية المعلومات وتحولها إلى إشارة لتنتقل إلى الجهاز العصبي المركزي حتى يُحللها.
الجهاز العصبي المركزي له خلايا عصبية واردة أيضاً؛ وهي ترسل المعلومات إلى جزء معين في الدماغ مثل الجزء المسؤول عن تمييز المذاق المالح.
الخلايا العصبية الصادرة (الحركية)
الخلايا العصبية الصادرة تحمل المعلومات من المركز، وفي الجهاز الطرفي تسمى الخلايا العصبية الصادرة بالخلايا العصبية الحركية؛ لأنها تحمل المعلومات من الدماغ والحبل الشوكي إلى العضلات لجعلها تتحرك.
كما تُرسل المعلومات إلى كل أعضاء الجسم لتنظم عملها وتحافظ على حياة الجسم.
أما في الجهاز المركزي؛ الخلايا العصبية الصادرة تحمل المعلومات من أجزاء محددة في الدماغ إلى أجزاء أخرى في الدماغ أو إلى الحبل الشوكي.
وبالطبع لن تنتهي هذه العملية هنا، وهناك تبرعات إضافية لكل من هذين القسمين.
إن الجهاز العصبي الطرفي مكون من جهازين فرعيين لكل منهما وظيفة مختلفة؛ الجهاز العصبي الجسدي، والجهاز العصبي الذاتي.
الجهاز العصبي الجسدي
الجهاز العصبي الجسدي يتحكم بكل ما يتعلق بالأفعال التي تفكرُ بالقيام بها مثل المعلومات القادمة عبر الحواس والحركات التي يقوم بها الجسم عندما يُريد القيام بها. بمعنى آخر؛ الحركات الإرادية.
رد الفعل المنعكس
الأمر المثير للاهتمام أننا غالباً ما نظن أن الدماغ هو المركز الوحيد الذي يتحكم بكل الجسم، وأن جميع المعلومات التي تصدر من أجزاء الجسم المختلفة يتم إرسالها إلى الدماغ ليتخذ القرار حولها.
ولكن هذا الاعتقاد غير صحيح؛ ففي بعض الحالات مثل لمس موقد ساخن فإن الخلايا العصبية الواردة تخبركم أن الموقد ساخن
من خلال نقل الإشارة إلى الجهاز العصبي المركزي، لكن هذه المعلومة أو الإشارة لا تصل إلى الدماغ، بل يتخذ الحبل الشوكي القرار بشأنها قبل وصولها إلى الدماغ ويرسل رسالة مباشر إلى العضلات تقول: ابعد يديك عن الموقد الساخن وإلا ستحترق.
هذه الاستجابة السريعة تسمح للحبل الشوكي باتخاذ القرار بدلاً من الدماغ، وهذا ما يُسمى بـ “رد الفعل المنعكس”.
اقرأ هنا أيضًا: بحث موسع عن الحبليات
الجهاز العصبي الذاتي
أما الجزء الثاني من الجهاز الطرفي فهو الجهاز العصبي الذاتي والذي يحمل الإشارات من الجهاز المركزي ويوصلها إلى أجزاء الجسم الداخلية لتُنفذها دون تفكير؛ أي بشكل لا إرادي مثل؛ خفقان القلب، وعمليات الهضم والتنفس وإنتاج اللعاب وغيرها من الوظائف الحيوية.
العصبي الذاتي أيضاً ينقسم إلى قسمين:
- الجهاز العصبي الودي.
- الجهاز العصبي اللاودي.
ووظائف هذين الجهازين مختلفة تماماً، حتى أنهما يعملان بشكل متعاكس، ويسعى كل منهما إلى السيطرة على الجسم، وكأنهما في صراع دائم.
الجهاز العصبي الودي
هو مسؤول عن حالات الطوارئ والإجهاد والتوتر، فربما سمعتم من قبل عن استجابة الكر والفر التي يمر بها الجسم في حالة التوتر والفزع.
ولكن استجابة الجسم بهذا الشكل ليس بالأمر السيئ فهذه الاستجابة يمكن أن تُنقذ حياتكم، فتخيلوا مثلاً؛ أن نمراً مفترساً يطاردكم ففي هذه الحالة يُحضر الجهاز العصبي الودي الجسم للاستجابة بطريقة ما مثل زيادة معدل ضربات القلب وضغط الدم، مما يُعزز حاسة الشم، ويوسع بؤبؤ العين ويُفعل القشرة الكظرية فتفرز الأدرينالين
الذي يقلل تدفق الدم إلى الجهازين الهضمي والتناسلي مما يسمح بزيادة تدفقه نحو الرئتين والعضلات حين يحتاج الجسم إلى الركض والهرب.
الجهاز العصبي اللاودي
ومع أنكم لا تشعرون بالفزع طوال الوقت إلا أن هذا الجهاز يعمل باستمرار.
وهنا يكون دور الجهاز العصبي اللاودي الذي يعمل جاهداً ليضمن هدوء واستقرار الجسم، أي أنه يخفض معدل ضربات القلب وضغط الدم، ويقلل من الدم المتدفق نحو الرئتين، ويزيد تدفقه نحو الأعضاء التناسلية، ويزيد إنتاج اللعاب في الفم ويحفز عمليات الإخراج.
إذاً هذا الجهاز هو الذي يسمح لنا بأخذ قيلولة أو الاسترخاء لمشاهدة التلفاز أو الذهاب إلى الحمام. ولحسن الحظ فإن الجسم مهيأ بجهازين يسمحان له بالاستجابة إلى حالات التوتر والراحة. حيث يعمل الجهازان معاً جنباً إلى جنب للحفاظ على الاتزان، أو للاستقرار الداخلي في الجسم.
طريقة عمل الجهاز العصبي
كانت هذه فكرة عامة حول تنظيم الجهاز العصبي، والآن سنفسر طريقة عمله.
إن الخلايا العصبية أو العصبونات التي يتكون منها الجهاز العصبي تزود الجسم بنظام مشابه للشبكات الكهربائية، ولفهم طريقة عملها لا بد من فهم تركيبها.
فكما ذكرنا في البداية؛ الخلية العصبية تشبه الشجرة، وهي مسؤولة عن استقبال المعلومات من عصبونات أخرى.
وللعصبونات محور واحد كجذع شجرة يتفرع في النهاية ليُكون نهايات المحور، والتي تُرسل الإشارات إلى عصبونات أخرى.
ويُغلف المحور مادة دهنية تسمى “المايلين” التي تعزل المحور عن الوسط المحيط به.
لكن هذا الغلاف ليس متصلاً بل يتخلله فراغات لا تُغطي محور العصبون بالكامل وتُسمى هذه الفراغات بـ “عُقد رانفييه” التي سميت بهذا الاسم نسبة لعالم التشريح الفرنسي لويس أنطوان رانفييه الذي اكتشفها في عام 1878
التوصيل القفزي
تسمح هذه العقد للإشارة بالقفز من عقدة إلى عقدة أخرى، فتنتقل الإشارة بشكل أسرع خلال المسار العصبي.
انتقال الإشارة في المحور بهذه الطريقة يُسمى التوصيل القفزي إذ أن الاسم يشير إلى توصيل المحور إلى الجهد الكهربائي وانتقال الإشارة فيه كأنها تقفز من عقدة لأخرى.
التشابك العصبي
التشابك العصبي هو الجزء الذي تلتقي فيه نهاية المحور مع زوائد شجيرية لخلية أخرى؛ حيث تنتقل المعلومات عبر النواقل العصبية من خلية عصبية إلى خلية مجاورة.
الجهد الغشائي
حاولوا أن تتذكروا ما قلناه في موضوع أغشية الخلايا وطريقة نقل المواد عبرها وعلاقتها بمبدأ تدرج التركيز.
مثل سائر خلايا الجسم فإن الخلايا العصبية أيضاً لديها جهد غشائي؛ أي الفرق في الجهد الكهربائي بين جانبي غشائها، وهذا الفرق في الجهد يتم تنظيمه من خلال بروتينات غشائية تُسمى مضخات الصوديوم والبوتاسيوم.
ويمكن تشبيه عمل هذه المضخات بعملية شحن البطارية؛ فتنقل المضخات ثلاثة أيونات صوديوم موجبات الشحنة إلى الخارج مقابل نقل أيوني بوتاسيوم إلى الداخل.
مما ينتج شحنة إجمالية سالبة داخل الخلية مقارنة بخارجها، ويكون العصبون في هذه الحالة غير نشط.
تُسمى هذه الحالة بـ “جهد الراحة” الذي يساوي -70 ميللي فولت، بالإضافة إلى هذه المضخات يحتوي غشاء العصبون على قنوات أيونية؛ وهي بروتينات تخترق غشاء الخلية ولكنها أبسط ولا تحتاج إلى الطاقة المخزونة في جزيئات أدينوسين ثلاثي الفوسفات ATP.
الخلية الواحدة قد تحتوي على أكثر من 300 نوع مختلف من القنوات الأيونية، كل نوع مهيئا لاستقبال أيون محدد.
تذكروا هذه المعلومات لأنها ستفيدكم في فهم ما يحدث عندما يصبح العصبون نشطاً.
جهد الفعل
إذا تعرضت الخلية لمؤثر ما يتحفز العصبون لنقل الإشارة إلى المحور مما يؤدي إلى إنشاء جهد الفعل، وهو ارتفاع في الجهد الكهربائي للخلية بسرعة ثم عودته للقيمة الطبيعية.
عندما يبدأ جهد الفعل على سبيل المثال حين يصل جزيء من السكر إلى براعم التذوق على اللسان تفتح بعض القنوات الأيونية وتسمح لأيونات الصوديوم الموجبة بالتدفق إلى الداخل.
فتختل الشحنة السالبة الموجود داخل الخلية، وباستمرار تحفيز المؤثر تصل الشحنة الداخلية في العصبون إلى عتبة معينة تحفز المزيد من قنوات الصوديوم لتُفتح لكي تسمح بدخول المزيد من الأيونات.
يحدث هذا التغير في الجهد في جزء صغير من العصبون لكنه ينتقل ليُحفز قنوات أيونية مجاورة.
إذاً هذه القنوات حساسة لفرق الجهد، وبالتالي؛ تتحفز القنوات المجاورة ثم المجاورة لها وهكذا.
فينتقل هذا التغير في مقدار الجهد كالموجة أو الإشارة على طول الغشاء الخارجي للعصبون. وتذكروا أن الغشاء المايليني يعزل الجزء الأكبر من العصبون تاركاً فراغات قليلة تُمثل العقد.
وبدلاً من أن تكون هذه الموجة ثابتة تسير في خط مستقيم، فإنها تقفز من عقدة إلى أخرى مما يُسرع انتقالها جهد الفعل عبر العصبون.
هذا باختصار مبدأ عمل التوصيل القفزي؛ حين تصل الإشارة إلى نهاية العصبون تحفز إطلاق النواقل العصبية من العصبون من خلال عملية الإخراج الخلوي.
ثم تنتقل النواقل العصبية عبر التشابك العصبي إلى العصبون المجاور حيث تحفز إنشاء جهد فعل جديد فيه، وفي هذا الوقت يكون قد دخل إلى العصبون الأول الكثير من أيونات الصوديوم؛ مما يجعل الشحنات الموجبة في داخله أكثر من خارجه، وهو عكس وضعه الطبيعي أو وضع الراحة.
وبما أن العصبون لا يُفضل هذه الحالة فيحاول إصلاح ذلك ليعود إلى وضع الراحة ويقود بذلك عن طريق إغلاق قنوات الصوديوم وفتح قنوات البوتاسيوم التي تنقل أيونات البوتاسيوم الموجبة إلى الخارج وفق تدرج تركيز والتدرج الكهروكيميائي؛ أي من التركيز الأعلى إلى الأقل.
فتنخفض الشحنة داخل الخلية وتصبح سالبة بينما تزداد خارجها وتصبح موجبة.
لاحظوا أن الصوديوم داخل الخلية والبوتاسيوم خارج الخلية؛ وهو الوضع المعاكس لما كان في البداية في وضع الراحة؛ لذلك تعمل مضخات الصوديوم والبوتاسيوم مجدداً فتحلل جزيئات atp للحصول على الطاقة لضخ الصوديوم إلى الخارج والبوتاسيوم إلى الداخل، وهكذا تكون الخلية قد عادت إلى وضع الراحة كما في البداية.
وبهذه الطريقة ينقل جهد الفعل الإشارات في العصبونات التي تمر عبر المسارات العصبية من بدايتها في الجهاز العصبي الطرفي إلى الحبل الشوكي والدماغ ثم بالاتجاه المعاكس.
براعم التذوق في اللسان
تحتوي براعم التذوق في اللسان على خلايا عصبية وكل واحدة من هذه البراعم لديها ما بين 50 إلى 100 خلية عصبية متخصصة تُسمى مستقبلات حسية، وعند تناول قطعة بيتزا تذوب مكوناتها الكيميائية في اللعاب، وتفعل الخلايا العصبية في براعم التذوق.
أي تُحفز الزوائد الشُجيرية في العصبونات الواردة ما يولد سلسلة من موجات جهد الفعل التي تنتقل من الخلايا العصبية الواردة في اللسان إلى أن تصل للدماغ الذي يحلل الطعام والمعلومات، ويستنتج أنها بيتزا.
ويأمر الشخص بتناول المزيد، فيرسل الدماغ أمر عبر المسارات العصبية الصادرة لتفعل العضلات والأنسجة اللازمة لأكل البيتزا، والتي تضم ما يلي؛
- أولاً المضغ: أي انقباض العضلات في الفك وتحريكها بشكل متتالٍ.
- ثانيا: إنحناء الرأس قليلاً: من أجل تناول قضمة أخرى، وذلك يشمل تحريك عضلات الرقبة.
- ثالثاً البلع: أي انقباض العضلات في الحنجرة والمريء.
- رابعاً: فتح الفم: مجدداً لاستقبال قضمة جديدة، بالإضافة لتحريك الفم وهكذا.
هذا بغض النظر عما يحدث لاحقاً ضمن عملية الهضم التي يتحكم فيها الجهاز العصبي الذاتي.