قال أحد العلماء في مطلع القرن الـ18 إنه لا يوجد ما هو أكثر حمقا وسخفا من الرغبة في الطيران، وكتب العالم لالاند في مقالة له: إن الإنسان لم يؤت وسيلة تمكنه من الارتفاع في الهواء والتحويم عاليا عن الأرض، وإنه لن يستطيع إلى ذلك سبيلا. والذي كان يؤكد صحة هذا الرأي السائد هو قول رجال الدين المسيحيين في ذاك الزمن: «لو أراد الله للإنسان أن يطير لصنع له أجنحة».
هذه الأقوال المعادية للتطور لم توقف غريزة التساؤل والبحث لدى بعض العلماء مثل دافنشي الذي آمن إيمانا لا يتزعزع بأن الإنسان يستطيع الطيران مستعينا بآلات يصنعها فرسم التصميمات وأنشأ نماذج للطائرات، وكذلك العالم فرنشيسكو الذي اقترح أن تـؤخذ كرة ويتم تفريغها من الهواء لكي تصبح أخف وزنا لتطير، لكنه اكتشف فيما بعد أن الضغط سيحطمها إذا كانت مفرغة من الهواء.
وهناك من نجح بالفعل في صنع مركبة تطير كالعالم البرتغالي جوسمار الذي نال براءة اختراع لصنعه مركبة طائرة تختصر مسيرة 200 ساعة في يوم واحد، وقال إنها مفيدة لنقل أخبار الفتوحات والانتصارات لكن تميزه ألب ضده الكثير من الأعداء الذين حالوا بينه وبين صناعة المركبة الثانية لأنهم يعتقدون أن اختراعاته ستضر بالناس وتؤذيهم، فانتشرت الشائعات حوله وكثرت المكائد حتى سيق للمحاكم وكاد تنفيذ حكم الإعدام يتم فيه لولا أنه هرب إلى إسبانيا!
وبسبب هذا الانغلاق تأخرت صناعة الطائرات عدة عقود. ورغم كل المصاعب التي واجهت العلماء في قصة الطيران فإن البحوث والاختراعات استمرت. أعتقد أن البشرية نجحت في تحقيق حلم التحليق عاليا، والفضل في هذا يعود لجموع العلماء الذين لم يرهنوا عقولهم للآراء الجامدة والأقوال المنتشرة بين الناس في ذلك الوقت، فبحوثهم ودراساتهم واختراعاتهم هي التي قامت عليها الحضارات وساهمت في بناء الأرض حتى يومنا هذا.. على العقل أن يكون حرا طليقا يتلقى كل شيء ثم يبدأ بالتحليل والتصنيف.. المهم هو ألا نغلق عقولنا ونسمح لمن يريد بأن يطوقها بقيود من الوهم والخداع.
بقلم: بشاير آل زايد