في ديننا أسرار لو لتفتنا إليها وأحسنا استغلالها على الوجه الأمثل، لفتح الله لنا أبواب البركة فحلت بحياتنا، ولأدركنا لطفه في أشق اللحظات وأعنفها علينا، وهنا سوف نتكلم عن عبادة مختلفة، وباب من أبواب التقرب إلى الله، ربما نكون غافلين عنه، خاصة في زمن تحسب فيه الحسابات بالورقة القلم، ويقيم فيه البشر والأرزاق بالدينار والدرهم.
عن عبادة جبر الخواطر ومفهومها ومعناها وصداها أتحدث، وسنحاول التعرف على أجرها العظيم وفضلها الكبير علينا، وكيف نغير من ثقافتنا ونوطن أنفسنا على فن العطاء وجبر الخاطر!
معنى جبر الخواطر
جبر الخواطر هو إدخال السعادة على الأخر وخاصة إن كان محتاجا أو موجوعا، ومد يد العون لإنقاذه وتهوين مصابه والتخفيف عنه.
والجبر في اللغة مأخوذ من الجبيرة التي تصلح المكسور وتجبره وتقيمه، وكذلك جبر الخاطر أو القلوب التي تكسرها الشدائد وتأتي عليها الملمات والنوازل فتوهنها وتذهب بقوتها، فيأتيها المدد والعون من محب أو أخ أو قريب أو غريب، فيمنحها بعض الأمل، ويهوون عليها بعض الوجع والألم.
حث الشريعة الإسلامية على هذه العبادة المنسية
يقول العلماء ما معناه: لم يعبد الله بعبادة أفضل من جبر الخواطر، وقد دعت الشريعة إلى كل فعل أو قول يمكن أن يجبر خاطر إنسان أو يقيل عثرته أو يأخذ بيده ويشد من أزره في ضائقة أو ملمة، فقد دعت إلى بر الوالدين والإحسان إليهما في كبرهما، وهذا من جبر الخواطر، ودعت إلى الكلمة الطيبة، ودعت إلى مساعدة الفقير وذي الحاجة، ودعت إلى العطف على اليتامى والمساكين، وهذه كلها أمور من باب جبر الخواطر.
ومن جبر الخاطر الذي نقله لنا القرآن الكريم، جبر الله عز وجل لخاطر نبيه وبشارته بما يهون عليه ما وجد من الأذى والعنت في سبيل الدعوة ونشرها، ومن ذلك قول الله عز وجل مواسيا نبيه ومبشرا إياه بما يحب: (وَالضُّحَى(1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى(2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى(3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى(4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى(5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى(6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى(7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى(8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ(9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ(10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ(11).
ومن جبر النبي لخواطر المسلمين ممن لم يلحقوا به، مثلنا نحن ومن بعدنا أن وصفنا بأننا إخوانه، وذلك من باب المحبة لنا، ومن ذلك ما جاء عنه –صلى الله عليه سلم- في رواية لمسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ: ” السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ووَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا ” قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ” بَلْ أَنْتُمْ أَصْحابِي، وَإِخْوَانُنَا لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ “، فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ” أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ ” فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ” فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ ” .
كيف يكون جبر الخواطر؟
إن كلمة جبر الخواطر من الكلمات الفضفاضة الواسعة جدا، والتي تشمل عدة صور ومعان، فجبر الخواطر يكون بعدة أمور منها على سبيل المثال:
مد يد العون والمساعدة لإنسان في موقف صعب أو مشكلة هو جبر للخاطر.
الكلمة الطيبة والثناء الحسن، أو الدعاء لأخيك بالتسديد والتوفيق، أو تهنئته بخير رزق به أو مواساته في محنة حلت به كلها أمور تجبر الخاطر.
زيارة مريض في مرضه والدعاء له، والوقوف بجانبه، والدعاء الصادق له بالشفاء العافية، أمر يجبر الإنسان به الخاطر، ويشعر المريض بالصحبة ويهون عليه رحلة العلاج ويبعث الأمل في أوصاله.
السعي في مساعدة اليتيم، والسؤال عنه والتلطف معه، ومحاولة مساعدته، وتولي شؤونه، جبر للخاطر، بل مجرد المسح على رأسه في محاولة لتخفيف ألم اليتم عنه هو عين جبر الخاطر.
تلطف الرجل مع زوجته، ومدحها بكلمات رقيقة، تمنحها الثقة بنفسها، أو لفتة كريمة تشعرها بأهميتها هي جبر للخاطر.
كيف نوطن أنفسنا على هذه العبادة؟
يجب علينا أن نفهم أن الأيام دول، ومن سره زمن ساءته أزمان، فإذا كنت في قوة فلا تتخلى عن الضعفاء، وإن كنت موسرا فلا تمنع عطائك عن معسر ولا ذي حاجة، فلعل جبرك بخاطر أحد يفرج عنك كربة أو يدفع عنك ضرا فأنت لا تدري ما قد تفعله كلمة طيبة تخرج منك فتصادف نفسا قلقة أو قلبا متعبا فتريحه أو تدخل السرور عليه!!
الفكرة فقط أن تقدم لنفسك، ما قد تحتاجه يوما ما!!