نُحدّثكم عن ثواب يوم عرفة لغير الحاج وللحاج، ونقول مُستهلّين كلماتنا بالحمد لله العلي الكبير، الحميد المجيد، شرع الدين لمصالح العباد، وبين لهم ما ينجيهم يوم المعاد، إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون، أرسى الأرض بالجبال في نواحيها، وأرسل السحاب الثقال بماء يحييها.
وقضى بالفناء على جميع ساكنيها، ليجزي الذين أساءوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له الملك الديان، وأشهد أن نبينا محمد عبد ورسوله المبعوث إلى الإنس والجان صلى الله عليه وعلى أله وصحبه ما توالت الأزمان وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم القيامة.
لا شك أننا في أيام مباركات، وهي أفضل أيام السنة على الإطلاق، عشر ذي الحجة، فيها تضاعف الحسنات ويفوز العبد بأعلى الدرجات، وهذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليم وسلم: ” ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني العشر من ذي الحجة، قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء”.
ولكن هناك يوم أفضل ما في هذه الأيام وهو يوم التاسع من ذي الحجة والمعروف عندنا بيوم عرفات، ففضل هذا اليوم للحاج ولغير الحاج، فكلاهما مشتركين في الأجر وفي الأعمال الصالحة، وكلاهما يحصلان على الأجر العظيم.
فقد قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه: ” خير الدعاء دعاء يوم عرفة” وقوله صلى الله عليه وسلم : “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة”.
صفة يوم عرفة
قال الامام والخطيب الشيخ “الدكتور محمد العوجاء” لهذا اليوم صفتان صفة مكانية وصفة زمانية:
- الصفة الزمانية: وهو اليوم التاسع من ذي الحجة وهو من أيام العشر، فقد آتى رجل يهودي على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين أية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر يهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا قال عمر بن الخطاب أي أية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.
قال عمر بن الخطاب: قد عرفنا ذلك اليوم، فذلك يوم عرفة الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفات يوم الجمعة، ولهذا فحري بالمؤمن والمؤمنة أن يستغلوا هذا اليوم العظيم بقراءة القرآن، الذكر، الصيام والصدقة، فإن صيام اليوم التاسع من ذي الحدة يكفر سنتين.
وهذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم فقد خص النبي صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفات من بين أيام العشر بمزيد عناية وبين فضل صيامه فقال:”صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السَّنة التي قبله والتي بعده”.
فصيام يوم عرفة يدخل في جنس الأعمال الصالحة ومن أفضلها، وقد أضافه الله سبحانه وتعالى إلى نفسه لعظمة شأن هذا اليوم فقال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي:” كل عمل أبن أدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”
- الصفة المكانية: وهو المكان الذي حدده النبي صلى الله عليه وسلم لمنطقة عرفات، فالوقوف في عرفة من أهم أركان الحج.
فمن لم يقف في عرفات لم يبلغ الحج، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” الحج عرفة”، ولهذا فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين حدود عرفات وهي من الجبل المشرف على عرنه شمالًا عن جبل الرحمة إلى الجبال المقابلة له من الجهة الجنوبية.
وهي حدود منطقة عرفات إلى ما يلي حائط بني عامر أي بساتينهم وزرعهم، أما الأن فهي موضحة بعلامات بداية عرفات ونهاية عرفات، حيث أن جزء من مسجد نمرة خارج حدود عرفات، حيث غرب هذا المسجد عند مسجد عرنة، وقد نهى النبي عليه السلام الوقوف فيه فقال صلى الله عليه وسلم: “وقفت ها هنا وعرفات كلها موقف إلا باطن عرنة”.
ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تُضرب له قبة من شعر بنمرة، وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم جموع المسلمين والحجيج في عهده فقال: ” إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا”.
سبب تسمية عرفات بهذا الاسم
قيل أن سبب التسمية له ثلاثة أقوال:
- أن جبريل عليه السلام كلن يُري إبراهيم مناسك الحج وكان يقول هذا موضع كذا وهذا موضع كذا هل عرفت؟ فكان يقول إبراهيم عليه السلام عرفت عرفت، وهذا الحديث مروي عن أبن عباس.
- قيل أنه سمي بذلك لأن الناس يتعارفون في عرفات.
- أن أدم عليه السلام حينما أهبطه الله عز وجل من الجنة بالهند وحواء بجدة فاجتمعا بعد ذلك بعرفات يوم عرفة فتعارفا فسُمي يوم عرفة بهذا الاسم.
ثواب يوم عرفة
الأعمال في هذا اليوم عظيمة وجليه، ولهذا فمن ثمرة هذه الأعمال مباهاة الله سبحانه وتعالى أهل السماء بأهل عرفات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء”
فقد قسّم الله سبحانه وتعالى ثواب هذا اليوم بين الحاج وغير الحاج:
- ثواب يوم عرفة لغير الحاج: عليه بالصيام هذا اليوم وثوابه يكفر عنه السنة التي قبلها والتي بعدها.
- ثواب يوم عرفة للحاج: التوفيق لحج بيت الله الحرام، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصوم الحاج يوم عرفات، لأن أعمال الحج وأجر الحج كبير وعظيم، فالمقبول منه حجه يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
وهذا مصداق حديث النبي عليه أفضل السلام المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه” نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لحج بيته وأن يوفقنا لصالح الأعمال وأعظمها عنده سبحانه وتعالى.